أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن  يكتب –  التوتر في «شرق المتوسط» وموازين القوى

د. أسعد عبد الرحمن  *- 5/9/2020

لا يمكن قراءة تطورات المشهد السياسي في أي منطقة دون البحث في مواقف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فيها. وبما أن العقد الأخير شهد تحولات إقليمية كبرى في عديد مناطق العالم، فقد ساهمت القوى العظمى في صياغة مشهد هذه التحولات في هذه المناطق. بل إن تطورات المشهد الدولي خلال السنوات القليلة الماضية توحي بأن تحولا كبيرا يجري الآن في ميزان القوى الدولي سيفرز نظاماً دولياً متعدد القطبية أي تفاقم الصراعات الدولية الجارية واندلاع صراعات جديدة قادمة تزيد من تعقيدات العالم المضطرب أصلا، خاصة مع تراجع الهيمنة الغربية الأوروبية الأميركية، التي ترسخت بعد الحربين العالميتين، أمام نفوذ قوى عالمية غير غربية كالصين وروسيا، وقوى إقليمية كإيران وتركيا والهند وجنوب إفريقيا. 

يتصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة بين اليونان وتركيا في مياه شرقي البحر المتوسط، والسبب يعود إلى استمرار تركيا في جهود استكشاف الغاز، حيث مددت آجال عمل سفن التنقيب بالمنطقة، والتي صاحبتها سفن حربية من البحرية التركية لحمايتها. ‬بالمقابل، ‬لوّح ‬الاتحاد ‬الأوروبي ‬بفرض ‬عقوبات ‬ضد ‬تركيا ‬بسبب ‬التوتر ‬مع ‬اليونان ‬في ‬شرق ‬المتوسط، ‬عقوبات ‬أعلن ‬أنها ‬قد ‬تجري ‬مناقشتها ‬خلال ‬القمة ‬المقبلة ‬المقررة ‬في ‬24 ‬‬سبتمبر ‬الجاري.

الكل يستعرض قوته في شرقي البحر المتوسط، تدريبات بحرية وجوية تشارك فيها فرنسا واليونان وقبرص وإيطاليا، فيما تقوم سفن حربية تركية بمشاركة مدمرة أميركية بتدريبات عسكرية في المنطقة نفسها. هي مواجهة سياسية اقتصادية يحاول الطرف الأول صبغها بصبغة قانونية عندما يتحدث عن القانون الدولي وقانون البحار والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، باعتبارها القاعدة التي يجب أن تحكم سلوك الدول.

الاقتصاد اليوم في ظل المصائب المتواصلة على كافة الصعد، بات هو المحرك الأساس لسياسات الدول. ويبدو أن الأمر مرتبط بالحسابات السياسية الداخلية التركية المتصلة بسعي الحزب الحاكم لكسب المزيد من الشعبية، لتغطية خسائره في الانتخابات البلدية، من هنا تفهم محاولات تركيا تعظيم حصتها من حقول الغاز البحري في المتوسط.

بالمقابل، فإن خلفية الموقفين اليوناني ومن ورائه القبرصي يسهل فهمهما فهما يعلنان نهاراً جهاراً رغبتهما في الدفاع عن مصالحهما المباشرة وحصتهما من حقول الغاز، بمعزل عن السجالات التاريخية حول الحدود البحرية بينهما وبين تركيا.

يبقى موقف الدول الأخرى بالمنطقة، فإن كانت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب تتجه للانعزالية بطرح قومي يسعى للنهوض بالاقتصاد الأميركي على حساب أي اعتبارات سياسية أو استراتيجية، فإن الموقفين الفرنسي والإيطالي أساسه الرغبة في مساهمة شركات البلدين في مشاريع التنقيب عن الغاز واستخراجه في قبرص واليونان، وأيضا مصر، ذلك أن حقول غاز شرق المتوسط ستتيح لهما فرصة تنويع مصادرها، والحد من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، فضلا عن التمسك بالمعاهدات البحرية، ورفض إعادة النظر بحدود بحرية رسمتها موازين القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى.

*كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى