د. أحمد جميل عزم: إذاً… هل أصبحت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية قريبةً؟

د. أحمد جميل عزم 24-7-2025: إذاً… هل أصبحت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية قريبةً؟
نقاط (وأسئلة) عديدة يثيرها قرار الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، المُعلَن في 19 يوليو/ تموز 2025، بشأن انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني،
أولاها: هل يعني القرار أنّ الشعب الفلسطيني تجاوز العقبات التي تمنع الانتخابات العامّة، مثل الممانعة الإسرائيلية لإجرائها في القدس، وواقع الإبادة في قطاع غزّة.
وثانيتها: هل ستجرى انتخابات لمنصبَي ومؤسّستَي رئيس السلطة الفلسطينية – رئيس دولة فلسطين، والمجلس التشريعي؟ أم إن المجلس المرتقب سيُلغي فكرة انتخابات الرئيس والتشريعي؟
ثالثتها: هل أصبحت هناك شروط على عضوية الفلسطيني في منظّمة التحرير، وتحوّلت من “حقّ طبيعي”، كما ينصّ النظام، إلى عضوية مشروطة بقبول التزامات مع الكيان الصهيوني، ولصالحه، لا يقبلها حتى هذا الكيان وأحزابه؟
ورابعتها، بانتظار معرفة من هم أعضاء “اللجنة التحضيرية” التي ستشكّلها اللجنة التنفيذية، ومعرفة مهامّها، وكيف ستعمل، فإنّ السؤال: هل يحقّ للّجنة التنفيذية تشكيلها؟ وهل سيكون نظام (قانون) الانتخابات من صلاحيات هذه اللّجنة؟ وهل من حقّها وضع شروط سياسية على من يحقّ له الترشّح والانتخاب؟
وخامستها: ألا يعني إجراء انتخابات (قبل نهاية العام) أنّ هناك سجلّات بأسماء الشعب الفلسطيني، وأماكن وجوده، أم إنّ المقصود بالانتخابات شيء آخر غير ما يُشير إليه ظاهر النصّ؟ لقد ألغى الرئيس الفلسطيني الانتخابات العامّة للمجلس التشريعي الفلسطيني، التي كانت شبه جاهزة في موعد محدّد (2021)، فهل زالت العوائق، وأصبحت متاحةً للمجالس الوطنية والتشريعية وللرئاسة؟
هل يعني الأمر أن الإبادة قي غزّة انتهت أو ستنتهي وسيسمح الوضع بانتخابات؟ وأنّ الوضع الأمني في جنين وطولكرم وكلّ الضفة الغربية، والوضع السياسي في الشتات يسمح بالانتخابات؟ أو كيف سيتم التغلّب على هذه المشكلات؟ ومتى ستجرى انتخابات الرئيس الفلسطيني، وانتخابات المجلس التشريعي، أم ستُلغى هذه المواقع لصالح شيء آخر، والقول إنّ المجلس الوطني الجديد “المشكّل” وفق لجنة تحضيرية اختارتها اللجنة التنفيذية هو من يحدّد الرئيس واللجنة التنفيذية، وهي تحدّد باقي المواقع؟ كذلك، بحسب قرار الرئيس، وبيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، “يتشكّل المجلس الوطني الفلسطيني من 350 عضواً على أن يكون ثلثا أعضائه يمثّلون الوطن، والثلث الآخر يمثّلون الخارج والشتات”، وبحسب بيان اللجنة التنفيذية أنّ هناك قانون للمجلس الوطني. فمن أقرّه، ومتى؟
الواقع أنّ النظام المعمول به حالياً انتخابات في أغلبها غير مباشرة عبر الفصائل والاتحادات المهنية والشعبية، فهل أُلغي ذلك؟ أم ستُجرى انتخابات لهذه الاتحادات شبه الغائبة؟ وآلية الانتخاب المباشر لم يُعمل بها نهائياً مسبقاً بالنسبة إلى منظمّة التحرير الفلسطينية. قد يمكن القول إن هذا النظام غير المباشر انتهى لصالح قرار التوافق الفصائلي (شاركت فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي) منذ 2011، ولكن التوافق الفصائلي وقرار المجلس الوطني الفلسطيني لعام 2018، ينصّان على انتخابات وفق نظام القائمة النسبية، وبأرقام عكس القرار بأنّ الشتات له 200 مقعد، فمن غيّر هذه النسب؟ وهل يعني هذا أن القرار السابق باعتبار أعضاء المجلس التشريعي جزءاً من المجلس لم يعد موجوداً؟ ومن قرّر هذا كلّه، ومتى؟ ومن (وكيف) غيّر قرار المجلس الوطني عام 2018؟
من المقرّر خلال أسبوعين (من القرار) تشكيل لجنة تحضيرية للانتخابات، تحدّد أعضاء اللجنة التنفيذية أنفسهم، فهل يحقّق هذا مبدأ فصل السلطات؟ كيف يقرّر من في السلطة التنفيذية تحديد من سيتولّى أمر الانتخابات؟ ألا يوجد في هذه الحال مبرّر للتساؤل حول إمكانية تشكيل لجنة ترسم الانتخابات (أو بدائلها) بما يضمن نتائج الانتخابات؟ وأين حوارات الفصائل والقوى السابقة وتوافقاتها؟ وهل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية (يبدو من ظاهر النص أنها المقصودة) لها وجود شعبي فعلي على الأرض؟… في الواقع، الفصائل المنوي التشاور معها، باستثناء “فتح”، لا يتوقّع لها أن تتجاوز نسبة الحسم في أيّ انتخابات، وبالتالي ستؤدّي أيُّ انتخابات لاندثارها، فهي لا تتمكّن من الفوز حتى بمقعد في اتحاد طلابي أو مهني، وبالتالي لا مصلحة لها في انتخابات عامة، إلا إذا كانت ستسلّم أن وجودها انتهى.
إلى ذلك، جاء في القرار “أن يكون من ضمن شروط العضوية التزام العضو ببرنامج منظمّة التحرير الفلسطينية وبالتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولي”، وهذا قرار بالغ الخطورة، فأيّ عضو ينتخب سيلتزم بقرارات المنظمّة، مع حقّه بالدعوة إلى تعديلها داخلياً بالطريقة الديمقراطية، ولكن نصّ القرار عام جدّاً، والخطر فيه أنه يتجاهل أن عضوية منظمّة التحرير تضمّ كلّ الفلسطينيين من دون استثناء، ومن هنا جاءت صفتها ممثّلاً شرعياً ووحيداً. وتقول المادة الرابعة في النظام الأساسي المعتمد للمنظمة: “الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية”، كما يتجاهل هذا القرار أنّ التعدّدية السياسية، واختلاف البرامج، هما أساس العملية الديمقراطية.
أحد السيناريوهات المتوقّعة القول إنّ الانتخابات غير ممكنة، وبالتالي، لا بدّ من التوافق الوطني، ولكن يصبح هذا التوافق محصوراً بلجنة تشكّلها اللجنة التنفيذية ذاتها، ولا تضمّ كلّ الفصائل الفلسطينية الحقيقية، ولا القوى الفلسطينية كلّها، ولا تُبنى على توافق بكين (2024)، أو توافقات سابقة، ولا تأخذ بالاعتبار أن الفلسطينيين كلّهم أعضاء في المنظمّة. إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بدءاً من المجلس الوطني وانتخاباته، مطلبٌ وطنيٌّ لا غنى عنه للعمل الفلسطيني، ولكن أيّ انتخابات أو إعادة هندسة للنظام السياسي تحتاج إلى توافق وطني حقيقي، ورؤية، وليس إلى قراراتٍ مفاجئة، اعتاد الشعب الفلسطيني على أمثالها، وانخفض حجم توقّعاته منها، مثل إعلان الرئيس عبّاس في 15 أغسطس/ آب 2024، وبعد عشرة أشهر من بدء الهجوم الإسرائيلي، ومن على منصّة البرلمان التركي، أنّه سيتوجّه إلى القطاع مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية، ثمّ لم يحدث شيء. ثمّ تصريح ثان في القمة العربية في القاهرة في مارس/ آذار الفائت، إذ قال: “في إطار التحدّيات التي تواجه قضيتنا في هذه المرحلة، نعمل على إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخّ دماء جديدة في منظمّة التحرير وحركة فتح وأجهزة الدولة”.
وفي الشهر التالي، عُقد المجلس المركزي الفلسطيني، بعضوية متضخّمة، إذ أضيف إلى عضوية المجلس الحقيقية المقرّة في المجلس الوطني عام 2018، وتضاعف عدد الأعضاء، وتمّ ذلك. كما أعلنت الفصائل الأساسية المتبقّية في المجلس (من غير حركة فتح) أنها لا تعرف كيف أضيف الجدد، وانتُخب نائب رئيس، لكن من دون صلاحيات واضحة، فقد بدا منصب النائب قراراً بيد الرئيس يعزله متى شاء، ولا صلاحيات واضحة له في حال شغور منصب الرئيس. وهذا المنصب وجد بحجّة ترتيب البيت الفلسطيني والخروج من أزماته. ولكنّ الأزمة المعيشية تفاقمت، حتى في الضفة الغربية، فهل يندرج القرار الجديد ضمن النوع نفسه من القرارات؟ أم ستُهندس عملية ذات أهداف ونتائج محدودة كاجتماع المجلس المركزي أخيراً؟