أقلام وأراء

دروس محادثات فيينا : عن السياسة الإسرائيلية والعرب والفلسطينيين

 عماد شقور 2/12/2021

بعد انقطاع دام ستة أشهر، انطلقت يوم الإثنين الماضي الجولة السابعة لمحادثات فيينا النووية، بين إيران و5+1 (الدول العظمى الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة باللإضافة الى المانيا) بشأن عودة أمريكا الى الإتفاقية الأولى من سنة 2015.

يوفّر هذا الحدث فرصة ملائمة للتقييم (سياساً) على أربعة أصعدة :

1ـ الصعيد الإيراني الإسرائيلي: واضح تماماً أن الرابح الأول في مسلسل المحادثات والمفاوضات هذا، هو إيران، وأن الخاسر الأكبر فيه هو إسرائيل، في حين أن الخاسر الثاني هو أمريكا التي استجابت اثناء ولاية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لضغط أرعن من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، وانسحبت من اتفاق 2015 بعد اقل من عام من بدء ولاية ترامب، الذي ألحق قرار الإنسحاب بإعادة مسلسل فرض عقوبات اقتصادية على إيران.

أعطى الإنسحاب الأمريكي مبرراً مقبولاً ومقنعاً لإيران للتخلّص التدريجي من التزاماتها التي نصت عليها تلك الإتفاقية، (بعد تريّث دام سنة كاملة من قرار ترامب) وهو ما مكّن طهران من التقدم بخطوات واسعة على طريق برنامجها النووي، والتضييق على المراقبين والرقابة التي كانت في صلب الإتفاقية الأصلية، وهو ما وفّر لإيران فرصة ذهبية، حيث نجحت، (كما تقول مصادر عليمة ومتخصّصة) في جعل إيران «دولة حافّة نووية» قد لا يلزمها إلا بضعة أشهُر، بل ربّما أسابيع قليلة، لإعلان إنتاجها أول قنبلة ذريّة، ولتكون بذلك ثامن دولة في العالم تمتلك هذا السلاح، وثاني دولة إسلامية (بعد باكستان) على هذا الصعيد.

2 ـ الصعيد الإيراني العربي الإسرائيلي: هنا أيضا الرابح الأول والأكبر هو إيران، في حين أن إسرائيل هي الرابح الثاني، وكِلا الرابحين يسحبان من رصيد الطرف العربي، الخاسر بامتياز على الصعيدين: صعيد ارتكاب خطأ التصدي للجار الدائم والأزلي: إيران، وبرنامجها النووي، الذي كان جديراً بالترحيب والدعم والمساندة، طالما أن العدو الحقيقي للأمة العربية، (وهو الحركة الصهيونية وإسرائيل) يمتلك هذا السلاح، وتقدّر مصادر دولية امتلاكه لنحو 200 قنبلة ذرية ونووية، من انتاج مفاعل ديمونا الذي بدأت فرنسا بإقامته لإسرائيل منذ مطلع 1957، وفور انتهاء آثار العدوان الثلاثي على مصر. وكانت سياسة حكيمة عربية، (وما زالت) تتّخذ من المبادرة الإيرانية، مبرّراً ثانياً للسير على هذا الطريق، بدعم أي دولة عربية مؤهّلة، (مصر أولاً، أو الجزائر أو العراق أو حتى السعودية). ولا يضيرنا هنا تسجيل ملاحظة أنّه لو تم ضخ نصف المليارات من بعض الدول العربية الى الخزانة الأمريكية، في السنوات الخمس الماضية فقط، الى الاقتصاد المصري، لكان العالم العربي في حالٍ غير ما هو عليه حالهم في هذه الأيام العجاف. وأما على صعيد الربح الإسرائيلي من الرصيد العربي فهو ما نشهده من تراجع مجّاني، وهو تراجع ليس مقصوراً على عدم الإعتراف بإسرائيل وعلى فرض المقاطعة عليها، ولا حتى باعتماد سياسة «إزالة آثار العدوان» بل حتى عن «المبادرة العربية» (السعودية المنشأ) وتُمثّل هذا التراجع سلسلة الخروج على ما كان إجماعاً عربياً، من خلال الرضوخ للضغوط الأمريكية، للإعتراف بإسرائيل، ولتطبيع العلاقات معها، بل والتحالف معها ضد دول جوار عربية.

3 ـ الصعيد الإيراني الداخلي: تبدو إيران، مع انطلاق الجولة السابعة من المحادثات في فيينا، أكثر ثقة بسياساتها السابقة، وأكثر تمسّكاً بها، بل وزيادة تشددها. وابرز ما يؤكّد هذا، نتائج الانتخابات الرئاسية هناك، ووصول إبراهيم رئيسي الأكثر تشدّدا الى منصب الرئاسة، خلفا للرئيس حسن روحاني، الذي كان في نظر أمريكا والغرب عموماً رئيساً معتدلاً. إيران لم تغيّر سياستها في المسألتين الأهم: مسألة «تحديد العدو الرئيسي» (الشيطان الأكبر: أمريكا، والشيطان الأصغر: إسرائيل) ومسألة «الإعتماد على بناء قدراتها العلمية» ونجحت تماماً في بناء صناعات عسكرية متطورة للغاية، وإنتاج ما يلزمها، بل وما يلزم أذرعها وحلفاؤها من أسلحة وذخائر تقليدية، وتقدم واضح ومعلن على طريق انتاج أسلحة غير تقليدية، تشكّل مظلة تحميها وتضمن مستقبلها.

بعد انقطاع دام ستة أشهر، انطلقت يوم الإثنين الماضي الجولة السابعة لمحادثات فيينا النووية، بين إيران و5+1 (الدول العظمى الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة باللإضافة الى المانيا) بشأن عودة أمريكا الى الإتفاقية الأولى .

إنها هي الطرف الذي يحدد مواعيد انطلاق جولات المحادثات في فيينا، وهي التي تفرض على أمريكا التفاوض غير المباشر، وهي التي تساهم في تحديد جدول المباحثات والمفاوضات، في حين يقف عدوّها الرئيسي: إسرائيل، متلصّصاً على أبواب قاعة المفاوضات، ومثله الطرف العربي، الذي أخطأ باعتماد سياسة تحويل إسرائيل من خانة العدو، بـ«أل» التعريف، ومناصبة إيران العداء.

4ـ الصعيد الإسرائيلي الداخلي: «حدِّث.. ولا حَرَج». ليس هناك فروق كبيرة بين صفوف التيارات الصهيونية المختلفة. لكن الأكثر تضرّراً من سياسة نتنياهو وحكوماته المتعاقبة على مدى العقد الأخير، ولحين إسقاطه من كرسي الحكم قبل أشهر، هو إسرائيل كلها، وليس معسكر اليمين العنصري المتشدّد فيها.

تسبب نتنياهو بسياسته غير الحكيمة، بخسارة إسرائيل لأكثر من نصف «النصف الديمقراطي» في أمريكا، وبخسارتها لأقل قليلاً من نصف «النصف الجمهوري» ولم تعد إسرائيل محل إجماع الحزبين الأمريكيين. وتتضح هذه الخسارة الفادحة عندما نعرف، ويعرف الإسرائيليون، أن أمريكا هي الحامي والداعم الأساسي، (والوحيد، في بعض المواقف) لإسرائيل عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً.

يقول الكاتب الإسرائيلي المعروف، بن كسبيت، في مقاله الأسبوعي في جريدة «معاريف» يوم الجمعة الماضي: «لو كنت مضطرّاً لاختيار قضية واحدة فقط، تستحق أن تتشكّل من أجلِها لجنة تحقيق حكومية، فسأختار قضية البرنامج النووي الإيراني. إنها أهم وأكثر إلحاحاً من موضوع الغواصات، (وهي قضية اتهام نتنياهو بالتآمر لشراء غواصة زائدة عن حاجة إسرائيل من المانيا، وكذلك السماح لألمانيا ببيع غواصة غاية في التطور مثل الغواصة الإسرائيلة لسلاح البحرية المصري، دون إبلاغ الجهات الرسمية العليا في الجيش الإسرائيلي، وبعكس رأي وقرار البحرية الإسرائيلية) إنها أهم من موضوع كارثة ميرون، (وهي كارثة مقتل عشرات المتدينين اليهود في الصيف الماضي بسبب الإزدحام في مقبرة لأحد الحاخامات اليهود قرب مدينة صفد في الجليل) إنها أكثر أهميّة من قضية هروب الأسرى، (وهي قضية هروب أبطال فلسطين الستة الأسرى من معتقل غلبواع قبل أشهر) إنها أهم من كل القضايا المشتعلة الأُخرى على جدول الأعمال، فهذا الموضوع، (موضوع البرنامج النووي الإيراني) ليس موضوعاً متفجّراً فقط، انه موضوع مثبّت على ساعة توقيت انفجار نووي»!.

ماذا عن فلسطين؟

وأين نحن، كفلسطينيين من كل هذا؟

لا يضيرني، في هذا السياق، الاستعانة، (مرة أُخرى) بمرجع إسرائيلي، هو هذه المرة: تسفي بارئيل، الكاتب والمحلل المعروف، في جريدة «هآرتس».

في مقاله الأخير يوم أمس، الأربعاء، تحت عنوان: «لم يأتِ بنتيجة في المواجهة مع غزّة، فلماذا (الاعتقاد) أنّه سيأتي بنتيجة في مواجهة إيران؟» يقول بارئيل: «في الحملة الإعلامية وفي الدعوة ومحاولات الإقناع التي تجريها إسرائيل، تطرح ضرورة استمرار سياسة العقوبات الشديدة (على إيران) وعدم الإنصياع للإبتزاز الإيراني، كوسيلة فعّالة وأساسية لحمل إيران على التراجع عن برنامجها النووي». «… هذه استراتيجية إسرائيلية ثابتة وتلقائية عفى عليها الزمن». «… فالعقوبات، على مدى أربعين سنة، لم تغيّر سياسة إيران، بل ولم تغيّر عقوبات «الحد الأقصى» في عهد ترامب، السياسة الإيرانية».

ويتابع بارئيل في تحليله الملفت للنّظر: «كان ينبغي لإسرائيل أن تستوعب هذا الدّرس منذ زمن طويل، لأنها هي نفسها تطبّق نموذجاً مصغّراً لـ«الحد الأقصى من الضغط» عديم الفائدة على غزّة منذ 14 عاماً، وهذا الإغلاق على غزّة مُصمَّم بالأساس لمنع حركة «حماس» من تهديد إسرائيل عسكرياً، ولوقف تسليحها، وحتى للتسبّب باندلاع ثورة شعبية لجماهير فقيرة يائسة، من شأنها الإطاحة بها».

ما يجب تسجيله، في ختام هذا الإستعراض، هو أننا لم نستفد، كعرب، من صمود إيران، ولم نستفد، كفلسطينيين، من صمود حماس.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى