الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

دراسة لمعهد كارنغي : ما هي احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية في المستقبل القريب؟

نشر معهد “كارنغي لسلام الشرق” دراسة (الخميس 8 شباط 2018)، حول احتمالات انفجار التوتر الذي يخيم على المواطنين الفلسطينيين، وما اذا كان يتجه نحو انتفاضة ثالثة، في ظل تصاعد قمع الاحتلال الإسرائيلي، وتفاقم وتدهور الأوضاع الإنسانية سواء في الضفة الغربية المحتلة أو في قطاع غزة المحاصر، الذي ينزلق إلى مستنقع كارثة إنسانية يصعب معالجاتها، وفي ظل تبدد آفاق الحل السياسي عقب قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وتجميد العلاقات الأميركية الفلسطينية، وما تبع ذلك من قرارات أميركية عقابية فرضت على الفلسطينيين، مثل تجميد أكثر من 52% من المساعدات التي تقدمها واشنطن لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقطع مساعداتها عن السلطة الفلسطينية.
وتستند الدراسة التي أعدها الباحث في المعهد مايكل يونغ، إلى رؤية كبار باحثي المعهد المرموق المختصين في شؤون الشرق الأوسط، مثل نائب رئيس المعهد الدكتور مروان المعشر (وزير الخارجية الأردني السابق)، والأستاذ في جامعة بيرزيت الدكتور علي جرباوي، والدكتور غسان الخطيب الوزير الفلسطيني السابق والمحاضر في قسم الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت أيضاً، ومخيمر أبو سعدة، المحلّل السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزّة.
وخلصت الدراسة الى أن انغلاق آفاق ونافذة الحل (على أساس حل الدولتين وفق المعايير الدولية) وحالة الإحباط المتفشية بين الفلسطينيين، وتفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية، ترجح احتمال انفجار انتفاضة ثالثة، وإن كان من المحتمل أخذها لأشكال تختلف عن الانتفاضة الشعبية عام 1987 أو انتفاضة الاقصى التي اتخذت طابعا مسلحاً وانفجرت بعد اقتحام وزير الحرب الإسرائيلي (آنذاك) أرئيل شارون للمسجد الأقصى يوم 28 سبتمبر 2000 .
ويقول المعشر ان “الجواب السريع، بشأن احتمال ان تكون هناك انتفاضة فلسطينية هو: نعم، والاحتمال كبير”.
ويوضح المعشر قائلا بانه “مع انسداد الأفق السياسي، وصدور القرار الأميركي الأخير الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فان غالبية الفلسطينيين لم يعودوا يعتقدون بأن حل الدولتين خيارٌ مُمكن، وبدأوا يركِّزون جلّ اهتمامهم على انتزاع حقوقهم حتى في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ليس ما إذا كان لهيب الانتفاضة الثالثة سيندلع، بل الشكل الذي قد ترتديه”.
واشار الى ان “الانتفاضة الثانية، المسلّحة، لم تحظَ بشعبية، وأن استطلاعاً للرأي أُجري مؤخراً أظهر أن 62 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزّة سيدعمون مقاومة غير عنيفة في حال استمر غياب المفاوضات، إلا أننا نشكّ بأن تبقى الانتفاضة الثالثة سلمية، حتى لو كانت كذلك في بدايتها، خاصة وأن الفلسطينيين يفتقدون هذه الأيام وجود قيادة فعّالة تتمتّع بالصدقية ويمكن لها أن تدفع قدماً بهذا المنحى السلمي، بل ثمة مؤشرات على أن التيارات الداعية إلى العنف بدأت تجتذب بشكل مطّرد المزيد من التأييد”.
واضاف المعشر “على أي حال، فان آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أن الفلسطينيين منقسمين بالتساوي تقريباً حيال مسألتي التفاوض والعنف، وبالطبع فان وضع نهاية للنهج التفاوضي، سيدفع الفلسطينيين إلى أحد الخيارات القليلة الأخرى المُتاحة أمامهم: الانتفاضة المسلّحة”.
من جانبه حذر الجرباوي، الذي عاصر الانتفاضتين وتولّى سابقاً منصبَي وزير التخطيط والتنمية الإدارية ووزير التعليم العالي في السلطة الفلسطينية قائلاً بانه “لا يجوز اعتبار الانتفاضة مجرّد ردّ فعل جاهز دائماً للحدوث عندما يُحتاج إليه، بل انها في الأساس فعل لا يُمكن أن يحدث من دون توافر البيئة المناسبة” لأن “الأهم من ذلك هو ضرورة أن تنجح الانتفاضة في الحفاظ على استمراريتها وتُحقّق أهدافها، إن لم يكن بالكامل، فعلى الأقل جزئياً” ولذلك ” لا توجد إمكانية لاندلاع انتفاضة، بأي شكل من الأشكال، إن لم تكن شريحة كبيرة من الفلسطينيين على قناعة بجدواها الإيجابية، وفي هذا السياق يجب الانتباه إلى أن اندلاع أي شكل من أشكال الانتفاضة سيكبّد الفلسطينيين ثمناً باهظاً. لذلك فمن المتوقع أنهم سيجرون حسابات الربح والخسارة قبل الإقدام على هذا المسار”.
وقال الجرباوي أنه “من المستبعد أن يتكرّر حدوث انتفاضة شعبية كتلك التي اندلعت عام 1987، فقد تبدّلت الظروف تماماً جرّاء اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، وبفعل ذلك فقد أصبح الاحتلال مخفيّاً وغير مرئي بدرجة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين المحصورين داخل مناطق سكنهم في ما أصبح يُعرف بالمنطقتَين (أ) و (ب)، وهذا أدّى لأن لا يكون هناك احتكاك يومي مباشر بينهم وبين قوات الاحتلال، إلا عند الحواجز المنتشرة على مداخل هذه المناطق السكنية، وعلى شبكة الطرقات الرئيسة، وبالتالي، فإن المواجهات التي تحدث بين الطرفين عند هذه الحواجز لا تشكّل أرضية كافية لاندلاع انتفاضة شعبية. وإضافةً لذلك، فإن الشعور العام السائد بين العديد من الفلسطينيين هو عدم تكرار التجربة التي تكبّدوا خلالها ثمناً باهظاً خلال الانتفاضتين السابقتين”.
ويخلص الجرباوي الى القول بان “هذا يتركنا أمام احتمال أن تكون الانتفاضة القادمة مسلّحة، مثل انتفاضة العام 2000، ولكن، إذا أرادت السلطة الفلسطينية الحفاظ على استمرارية وجودها، فعليها أن تستمر في التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، ما يعني أن عليها الاستمرار في محاولة منع عمل الخلايا الفلسطينية المسلّحة”.
ولكن الجرباوي يشير إلى احتمال ظهور “وضع ثالث” يتمثل في “إمكانية أن تكون الانتفاضة القادمة على هيئة احتجاجات شعبية سلمية واسعة ومستمرة في مراكز المدن الفلسطينية، تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المديد، على أمل أن يجذب ذلك انتباه وتدخّل المجتمع الدولي، ولكن هذا يحتاج سنوات من الإعداد لإقناع الفلسطيني بصوابية وجدوى مثل هذا المسار، كونه من السهل رفع الشعارات الداعية لاندلاع انتفاضة جديدة، لكن الأصعب هو القدرة على بلورة إستراتيجية مناسبة لإطلاق شرارته”.
ويقول الدكتور غسان الخطيب بأنه “من المستبعد اندلاع انتفاضة جديدة شبيهة بانتفاضة العام 1987، التي دخلت المعجم السياسي لضخامتها. فالمكونات الرئيسة التي ساهمت في قيام الانتفاضة الأولى مفقودة، وهي: وجود قيادة سياسية ومنظمات منبثقة من الشعب، وشبكات تحظى بثقته، واتصال مباشر أكثر مع الاحتلال الإسرائيلي” إلا أنه “مع استمرار الاحتلال، فان المقاومة الشعبية الفلسطينية ستتواصل، وإن بأشكال مختلفة، فهي لم تغِب عن أي مرحلة من مراحل الاحتلال الإسرائيلي الذي أتمّ عامه الخمسين، ولن يؤدّي تكثيف وتيرة الاستيلاء على الأراضي، وتوسّع المستوطنات اليهودية، والقيود المفروضة على التنقّل، وتحويل المناطق إلى كانتونات، والتبعات الاقتصادية بما فيها زيادة بطالة الشباب، سوى إلى زيادة زخم المقاومة”.
وحذر الدكتور عبد الله من أن “التغييرات الأخيرة في موقف الولايات المتحدة أدت إلى تدهور العلاقات بشكل إضافي، وان اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، إضافةً إلى رفضها الالتزام بحل الدولتين أو إدانة توسّع المستوطنات الإسرائيلية قد بدّدا آمال التوصّل إلى حل عبر المفاوضات، ما تسبّب بشعور متزايد بالإحباط، وزاد بالتالي من احتمال تجدّد موجات المقاومة”.
ويرى مخيمر أبوسعدة انه “ليس سراً أن يواجه الشعب الفلسطيني ظروفاً استثنائية، مع بلوغ عملية السلام مع إسرائيل طريقاً مسدوداً. وقد بات هذا واضحا بشكلٍ خاص بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ووسط التعدّيات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واستمرار الحصار على غزة، فضلاً عن الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة الفلسطينية بحقّ القطاع، ما قد يؤدّي إلى تقهقر معيشة حوالي مليونَي فلسطيني يقطنون هناك”.
ويقر أبوسعدة أنه “من غير المعروف بعد ما إذا كانت هذه الظروف ستقود إلى إطلاق شرارة انتفاضة فلسطينية جديدة، كون شروط اندلاعها باعتقادي غير متوفّرة لأسباب عدّة وهي:
أولاً، أن الانقسام السياسي بين فتح وحماس والنزاع الداخلي الناجم عنه أدى إلى إنهاك الفلسطينيين، وبالتالي، فقدت قيادة كلٍّ من فتح وحماس ثقة الشعب، وهي بحاجة ماسّة إليهما لتجييش القواعد الشعبية. ثانيا: القيادة الفلسطينية ينتابها قلق شديد من أن اندلاع انتفاضة جديدة سيؤدي إلى انتشار الفوضى والخروج عن القانون، كما حصل خلال الانتفاضة الثانية، وثالثاً، فان الفلسطينيين يشعرون بأن المنطقة منشغلة بالانتفاضات وبالعنف الطائفي في سوريا واليمن، ما سيُبعد أنظار وسائل الإعلام عنهم، وأخيراً، وبدرجة أقل، فان الازدهار الاقتصادي في الضفة الغربية أدى إلى بروز طبقة وسطى من الفلسطينيين أقل اهتماماً بإطلاق شرارة انتفاضة جديدة، وأكثر دعماً لخوض معارك دبلوماسية وقانونية ضد إسرائيل، ولكن الوضع في الأراضي الفلسطينية ما يزال مُتزعزعاً، ما قد يؤدي إلى عكس ما توقّعت هنا”.
واشنطن – “القدس” دوت كوم – سعيد عريقات – 8/2/2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى