أقلام وأراء

داود كتّاب يكتب – أخطاء الحكومات تجلب نتائج معاكسة

داود كتّاب 10/8/2020

تدرس الدول عادة الآثار التي قد تنجم عن قراراتها. وفي غياب تلك الدراسات المعمقة، أو في حال إصرار مسؤول على اتخاذ قرار معين، فإن النتيجة أحيانا تجلب رد فعل عكسيا… كم هو عدد المرّات التي حولت الحكومات شخصيات معارضة غير معروفة إلى أبطال قوميين، بعد اعتقالهم؟ وكم هو عدد المرّات التي أدت عمليات كمّ الأفواه المحلية إلى زيادةٍ في الرغبة بالمعرفة، حيث يغلب حب الاستطلاع على أي أمر آخر، ويبدأ المواطن عملية البحث الدؤوب لمعرفة سبب منع النشر أو رغبة الحكومات في إسكات أصوات معينة؟

ينطبق الأمر نفسه أيضا في مجال المحاولات المتشدّدة في منع كل الأمور، بهدف منع انتشار مرض كورونا على سبيل المثال، ففي الأردن مثلا تم تطبيق عمليات منع تجول وعمليات حجْر وإغلاق، باستخدام أوامر دفاع. وغالبا كان هناك تقبل لتلك القرارات، بسبب رغبة الناس في منع انتشار الوباء. ومع مرور الوقت، أصبحت عملية الوقاية أكثر ضررا من المخاطر التي قد تنتج عن تقليل القيود، ولكن الدولة الأردنية استمرت في الإصرار على قراراتها من دون البحث عن توازن بين القرارات المقيدة جدا مقابل قدرة المواطنين أو رغبتهم على الالتزام. وزارة الصحة على سبيل المثال مسؤولة، ليس فقط عن الحماية من توسع انتشار كورونا، بل أيضا مسؤولة عن الآثار السلبية للتدخين، حيث يقبع الأردن على قمة أسوأ دولة في هذا الموضوع، إذ يموت تسعة آلاف مواطن سنويا من أمراضٍ يسببها التدخين. كما من الضروري رقابة وزارة الصحة على الأمور الصحية الأخرى، فمثلا تم استغلال انشغال المراقبين الصحيين، والمحدودين عددا، في موضوع كورونا، وتم استيراد شاحنة دجاج ملوثة، الأمر الذي تسبب في مئات حالات التسمم ووفاة شخصين.

وفي المجال الإعلامي حدّث ولا حرج، فقد أمر المدّعي العام وسائل الإعلام المحلية بعدم نشر أي أمرٍ متعلق بقضية نقابة المعلمين، ولكن ذلك لم يمنع وكالات إعلام دولية، مثل رويترز وأسوشييتد برس، من النشر الموسع، ففي حين لم تنشر صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست أي أخبار عن الأردن شهورا، نشرت “أسوشييتد برس” تقريرا مطولا، جاء على ضرب الشرطة الأردنية المعلمين المتظاهرين. كما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتقارير وصور وفيديوهات عن الموضوع، فهل نفع قرار منع النشر المحلي؟ بحث سريع عبر محرّك غوغل يظهر أن تقرير مراسل “رويترز” من عمّان، سليمان الخالدي، بعنوان “القبض على أعضاء بارزين في نقابة المعلمين بالأردن واقتحام مقرها”، حصد أكثر من 25 ألف ذِكر. أما تقرير “أسوشييتد برس” من عمّان باللغة الإنجليزية في 29 الشهر الماضي (يوليو/تموز)، وعنوانه “الشرطة الأردنية تضرب وتعتقل المعلمين المتظاهرين” فقد أعيد نشره في كبرى الصحف الأميركية، وأهم شبكات التلفزيون منها ABC ومحطة الرئيس ترامب المفضلة “FOX News“.

في حين لم تنشر صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست أي أخبار عن الأردن شهورا، نشرت “أسوشييتد برس” تقريرا مطولا، جاء على ضرب الشرطة الأردنية المعلمين المتظاهرين“.

كما نتج عن قرار منع النشر، المطبّق بشكل انتقائي، وفقط على نشر أخبار نقابة المعلمين، وليس من يعارض القرار، أنه دين من قبل أهم المؤسسات الدولية المختصة بحرية التعبير، مثل هيومن رايتس ووتش والمعهد الدولي للصحافة (مقرّه فيينا). كما عبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه الشديد من قرارات إغلاق نقابة المعلمين والقيود على حرية التجمع والتعبير. وعلى الرغم من استمرار نجاح الدولة الأردنية في السيطرة على وباء كورونا، إلا أن صالات الأفراح لا تزال مغلقة، خوفا من وجود تجمعاتٍ كبيرة، وهو ما قد ينتج عنه توسع سريع ومقلق لانتشار الوباء. ولكن هل نتج عن منع صالات الأعراس توقف التجمعات الكبيرة للأعراس وغيرها؟ الجواب سلبي، فقد تحولت المزارع إلى صالات أعراس، كما تحولت الأسقف والساحات العامة للتجمعات، وكل هذه الأماكن غير مراقبة، ولا يتم فيها أي تطبيق لمبدأ التباعد الاجتماعي ولباس الكمامات الواقية.

شكلت جائحة كورونا وآثارها، وكل ما يدور بشأنها، تحديا كبيرا للدول، عظمى وصغرى، ولا بد من قول الحقيقة إن تعامل بعض الدول نتجت عنه السيطرة على الوباء، في حين نتج عن التراخي انتشار واسع للوباء، والبحث عن طرق لمعالجة تفشيه، إلا أن قرارات غير مدروسة تجلب نتائج عكس ما يريده صاحب القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى