شؤون مكافحة الاٍرهاب

داعش ينفذ هجماته بسهولة نسبية في شمال سوريا

فقد تنظيم داعش خلافته لكنه يبقى قوة فاعلة، يعتمد على تكتيكات حرب العصابات وشبكة تهريب وابتزاز متطورة لتمويل تمرده المستمر.

ووضعت دراسة أصدرتها مجموعة الأزمات الدولية صورة مفصلة لداعش في سوريا، حيث شهد ما يسمى بدولة الخلافة هزيمته النهائية سنة 2019 أمام قوات سوريا الديمقراطية الكردية، التي تدعمها الولايات المتحدة.

لكن هذا الاعتقاد ليس واقعيا، حيث اندمج المقاتلون ضمن السكان المحليين الذين أصبحوا يشكلون المنطقة التي يستمر فيها تنظيم الدولة الإسلامية في الازدهار، إما بسبب التهديدات وإما لأنهم يتقاسمون المظالم وحتى الأيديولوجيا المتطرفة في بعض الأحيان.

ويفصّل تقرير مجموعة الأزمات الدولية السهولة الواضحة التي تشن بها وحدات صغيرة من مقاتلي داعش، في مجموعات من أربعة أو خمسة أفراد، غارات على قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، وتنفّذ بها الاغتيالات وأشكالا أخرى من العقوبات ضد من تعتبرهم من الأعداء.

ويبرز التقرير كيفية إدارة داعش عمليات التهريب والابتزاز المربحة التي توفّر الأموال لتجنيد المقاتلين ودفع رواتبهم وتسليحهم.

كما أشار التقرير إلى حالة الضعف التي تعاني منها السجون الـ27 التي يُحتجز فيها مقاتلو داعش المنتشرون في شمال شرق البلاد، بالإضافة إلى معسكرات النساء والأطفال، وأشهرها مخيم الهول، حيث تسيطر نساء متشددات على جزء كبير من المخيم.

وتتولى قوات سوريا الديمقراطية، المنهكة بالفعل، مهمة حفظ الأمن في السجون ومعسكرات الاعتقال ومخيمات النازحين.

وكان قائد كبير في قوات سوريا الديمقراطية وصف مخيم الهول بـ”القنبلة الموقوتة”، حيث شهد 15 جريمة قتل في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مشيرا إلى نقص الموظفين والموارد.

وظهرت نقاط ضعف قوات سوريا الديمقراطية بشكل كامل في يناير، عندما شن داعش هجوما شاملا على سجن غويران في الحسكة.

وأظهر الهجوم أوجه القصور في الآليات الأمنية القائمة، فسجن يضم الآلاف من مقاتلي داعش كان يحرسه أعضاء غير مسلحين تلقوا تدريبات قليلة قبل نشرهم. وسرعان ما غلب السجناء هذه القوة التي تفتقر إلى التدريب والتجهيز.

استغرق الأمر ما يقرب من أسبوعين لإنهاء الهجوم، ولم يتحقق إلا بمساعدة الضربات الجوية الأميركية والبريطانية والقوات الخاصة على الأرض.

وتقدر مجموعة الأزمات الدولية عدد قتلى قوات سوريا الديمقراطية في القتال بـ200 جندي، إلى جانب المئات من مقاتلي داعش والمسجونين بينما فرّ مئات آخرون.

ويعد هذا النوع من الهجوم المباشر الكامل غير مألوف، حيث تتخذ تكتيكات داعش عادة شكل اشتباكات حرب عصابات كلاسيكية متنوعة: هجمات على نقاط التفتيش والقوافل التي تشنها خلايا صغيرة متحركة تعمل بشكل مستقل عن القيادة المركزية.

ويزدهر التمرد أيضا في جو من الشك والاستياء والخوف الذي ينتاب السكان العرب من قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، بالإضافة إلى الظروف المناخية القاسية التي أضرت بالمحاصيل بشكل كبير، حيث تسود ظروف الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة وعناصر التمرد المستمر. وسلط تقرير صادر عن مركز السياسات وبحوث العمليات في تركيا الضوء على الأزمة الزراعية.

وبحسب التقرير، واجهت سوريا منذ الأشهر الأخيرة من سنة 2020، موجة جفاف شديدة مرة أخرى. وجاء هذا الجفاف في بلد أُهلكت طاقته الزراعية بالفعل بسبب عقود من سوء الإدارة الزراعية والمائية وحرب استمرت 11 سنة، مما جعله أقل قدرة على التعامل مع الجفاف مما كان عليه في أي وقت مضى في تاريخه الحديث.

في مثل هذه الظروف العصيبة، يصبح تجنيد مقاتلين جدد مهمة يسهل على تنظيم الدولة الإسلامية إنجازها، خاصة وأن البنية التحتية للتهريب توفر الأموال اللازمة لإغراء الشباب اليائسين.

وتسلط مجموعة الأزمات الدولية الضوء على آلية متطورة تشمل رشوة كل من عناصر النظام وقوات سوريا الديمقراطية.

وأصبح الشمال الشرقي أحد أعمدة تمويل داعش، حيث إن المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز، ولها روابط اقتصادية طويلة الأمد مع أجزاء أخرى من سوريا والعراق. ويعتمد داعش على ثلاثة مصادر تمويل أساسية: الابتزاز والضرائب والتهريب.

ويشتري بهذه الأموال الأسلحة والإمدادات، ويقدم رواتب لعائلات أفراده، ويرشو حراس قوات سوريا الديمقراطية لتأمين إطلاق سراح المعتقلين، ويجند مقاتلين جددا.

ويعمل داعش مثل المافيا من نواح عديدة، ويستغل مؤسسات السلطة من خلال الابتزاز، ويجند موظفين في المجالس المحلية في بعض الحالات لجمع أموال الحماية من زملائهم. كما أنه يستهدف التجار وأصحاب المصافي الحرفيين والخبازين والمهربين.

ومن غير الواضح كيف يحدد داعش مبلغ المال المطلوب من كل طرف، لكن مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية يزعمون أن مستثمري النفط وأصحاب المصافي يدفعون الآلاف من الدولارات شهريا لتجنب هجمات داعش عليهم.

يرسم تقرير مجموعة الأزمات الدولية صورة قاتمة، لكنه لا يتوقع عودة الخلافة. فهو يرى أن التمرد يستمر في زعزعة الاستقرار وينبني على البؤس الاقتصادي الذي تتسبب فيه الحرب الأهلية السورية التي لم تنته، والتي انضاف إليها الجفاف.

ويعدّ التعاون بين العديد من الفصائل الداخلية والخارجية جزءا من أي استراتيجية للتخلص من داعش في النهاية.

 ومع بقاء هذا التعاون بعيد المنال، سيظل تمرد داعش يمثل تهديدا دائما داخل سوريا والعراق المجاور وما وراءهما، ويلهم الجيل القادم من الإرهابيين الجهاديين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى