#شؤون مكافحة الاٍرهاب

داعش باقية وتتمدد” شعار أَم استراتيجية؟ “ ..؟

ادهم كرم

ادهم كرم * ٢١-٥-٢٠٢٢م

يواصل تنظيم الدولة “داعش” هجماته النوعية بين الحين والآخر باثاً الفوضى والحيرة في صفوف القوات الأمنية العراقية وسياسييه على حد سواء، ويبدو أن حدة هذا الهجمات قد ازدادت في الآونة الأخيرة وأخذت تستهدف المناطق المحصنة أمنياً كالثكنات العسكرية والسجون التي تضم أعتى قيادات التنظيم بين ظهرانيه وما العمليتين النوعيتين الاخيرتين في محافظة ديالى العراقية (ناحية العظيم) التي استهدفت مقر أحد الافواج أو السرايا وراح ضحيتها أكثر من 11 قتيلاً وكذلك الهجوم الواسع التي استهدف سجن غويران في الحسكة السورية(1) إلا دليلان ماديان على ترجمة هذا التنظيم لشعاراته السابقة وتأكيدها على ان استراتيجيتها هي  استراتيجية ثابتة لا تتغير بتغيٌر الظروف او موازين القوى او مخرجات الهزائم والانتصارات الميدانية.

تبريرات واهنة

عزا قادة الجيش العراقي الهجمات النوعية الاخيرة لتنظيم الدول “داعش” الى تمكن التنظيم من استغلال الاحوال الجوية السيئة وبرودة الطقس فيما القى سياسيي المحافظة “محافظة ديالى” اللوم على القوات المستهدفة متهمة اياه بالاهمال في اداء واجباتها ,اما بعض سياسيي بغداد ومحلليها فربطوا بين هذه هجمات  وبين المشاحنات والاصطفافات الناتجة من الانتخابات العراقية الاخيرة والعراقيل الخفية التي تهدف الى منع تشكيل الحكومة المرتقبة.ولكي نكون واقعيين فأن في الامر لَمام من هذا وقليل من ذاك. ان اي تنظيم ارهابي او جماعة خارجة عن القانون سوف تستغل الوضع القلق والمتأزم لتنفيذ هجماتها ,الا ان اهمال الجنود او سوء الطقس او معارضة البعض لتشكيل الحكومة ليست هي الاسباب الفعلية لتمكن داعش من تنفيذ هجمات بهذا الحجم وتنامي قُدراتها. ان القراءة التقليدية والمغلوطة لقدرة هذا التنظيم الارهابي ومحركاته الاستراتيجية وعدم تقييم حجم التهديد الذي يشكله هي الاسباب الحقيقية وراء تنامي قدرات التنظيم وتمكنه من تنفيذ مثل هذه الهجمات النوعية .

تفكير استخباري تقليدي

يُختصر علم الاستخبارات او عالمها في العراق بكمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها لا بنوعيتها وتحليلها , لذا فأن جُلَ اهتمام الاجهزة الاستخبارية والامنية العراقية هي” بالمعلومات الآنية “, فهذه الاجهزة تتوق الى معرفة ما سيحدث بعد ساعة ولا تبالي بما سيؤل اليه الامور في الأسبوع أو الشهر المقبل وهي كذلك تؤمن بالتقرير الاستخباري المتكامل من “مصدر معلوماتي واحد” وكدُفعة واحدة ,ولا تكلف نفسها ربط المعلومات الواردة اليها من عدة مصادر ومن ثم تحليلها والخروج باستنتاجات منها, أي بعبارة أخرى,أنها لا ترى أن الاستخبارات هي عبارة عن مجموعة من الألغاز التي يجب مُتابعتها وربط اجزائها بدقة بغية الوصول الى استنتاجات استخبارية منطقية تفيد صناع القرار .الشيء الاخر الذي لا تؤمن به الاجهزة الاستخبارية والعسكرية العراقية هو ان يكون  للارهاب بصورة عامة وداعش بصورة خاصة استراتيجيات تحركها وترسم لها خطواتها البعيدة المدى, ولكي لا نبخس حق هذه الاجهزة الامنية فأنه من الانصاف القول ان البعض من رجالاتها هم من العناصر الكفوئة الذين يتطلعون الى تحليل خطر داعش بأسلوب اكاديمي ,عملياتي ومهني, الا ان بنية هذه الاجهزة تمنع هؤلاء الرجال من الاضطلاع بالمهام القيادية والقرارية.التفكير السائد عند هذه الاجهزة الامنية تتمحور حول التقليل الدائم من قدرة التنظيمات الارهابية وهي لا تستسيغ فكرة امتلاك “داعش” لاستراتيجية فعلية, فنظرتها الى” العدو” هي  نظرة دونية,وندية نابعة من حروب قبلية او نزالات شخصية .ان بقاء داعش الى يومنا هذا وتمكنه من تنفيذ عمليات ارهابية بهذا الحجم يؤكد امتلاكه لاستراتيجة قوية تمكنه من لملمة شتاتها والاستمرار في تهديد مفاصل الدولة واضعافها والتي قد تؤدي الى السيطرة على البعض من مدنه في المستقبل .

باقية وتتمدد

هل هي عبارات إعلامية أو شعارات تنظيمية أم أنها فقط كلمات خرجت من أفواه مقاتلي التنظيم أثناء نشوة انتصار أو لحظات غزو وتمكين غير متوقعين ؟ قبل ان نجيب على هذه الاسئلة لنرجع قليلاً بالزمن الى الوراء وتحديداً الى الفترة بين عامي 2006 و2008 وهي الاعوام التي عانى منها اسلاف داعش “تنظيم دولة العراق الاسلامية” انذاك من تقهقرجسيم وهزائم الكبيرة بعد تشكيل الصحوات في وسط العراق وغربها من جهة  وتضييق الخناق العددي والكمي التي مارستها قوات التحالف على بقايا التنظيم في العديد من المحافظات العراقية من جهة اخرى, والتي توجت بمقتل زعيم التنظيم انذاك “ابو عمر البغدادي” ومعاونه او قائد حربه “ابو ايوب المصري “ في محافظة صلاح الدين العراقية عام2010.

إن تشكيل الصحوات السنية في منتصف عام 2006 أدت إلى فقدان التنظيم لمعظم الأراضي التي كانت تصول وتجول فيها بحرية شبه تامة والتي اثرت على مصادر تمويلهم وقدراتها التجنيدية  بشكل هائل جداً, إلا أنه وبالرغم من انحسار ساحة المعارك وانتصار القوات التحالف والقوات العراقية النظامية والعشائرية استطاع التنظيم من النهوض مجدداً وتنمية قدراته الهجومية بل وبشكل اكبر واخطر من السابق . ان تكيف التنظيم وامتصاصه للصدمات وقدرته على التحول من مجموعات مشتتة مختبئة في الكهوف والمناطق الوعرة لا يمكن ان يكون بسبب عدم استقرار المناخ السياسي في البلد فقط وان كان لأنعدام الاستقرار دور في ذلك الا انه وكما اسلفنا ليست السبب الرئيسي في حالة داعش .ان الوثائق التي حصلت عليها قوات التحالف في مطلع عام 2010 اكدت ان تنظيم دولة العراق الاسلامية كان يتحرك ضمن استراتيجية اقل ما يمكن ان يقال عنها انها استراتيجية قوية وضعت لتنفذ “ وهذه الوثائق اشارت الى ان التنظيم لم يتراجع عن استراتيجيته التي رسمها في اول يوم من اعلان تحول التنظيم من تنظيم ارهابي محدود الرؤية الى تنظيم يتطلع الى بناء كيان جغرافي او دولة اسلامية حسب مفهومها .لقد اكدت الوثائق ان تقسيم المناطق السنية في العراق الى وحدات تنظيمية وادارية وتشكيل مؤسسات ارهابية  على مستوى العراق والمحافظات وتوزيع المناصب وتطوير القطاعات الامنية والاستخبارية والتجنيدية كانت اجزاء مرحلية من تلك الاستراتيجية. (2)

إن المرحلة التاريخية القريبة المشارة اليها أعلاه يؤكد بما لا شك فيه أن لهذا التنظيم استراتيجية ثابتة لا يتخلى عنها سواء فقدَ سيطرته على بعض الأراضي أو ضَعُف قدراته القتالية أو قتل قاداته وزعمائه, وهي تؤكد أيضاً أن تشكيل الصحوات هي التي ساهمت وبشكل كبيرفي سحب الحواضن وتجفيف التمويل وتشتت القواعد التجنيدية للتنظيم والأهم من كل هذا وذاك هو أن تلك المرحلة بينت قدرة التنظيم على التكيف السريع مع الهزيمة والعودة الى الواجهة من جديد.هنالك تشابه مرحلي بين اندحار داعش وهزيمته الكبرى في عام 2010 وبين اختفاء ارض خلافته وهزيمته عام  , 2019  وهذا التشابه بات قاطعا وجازماً بتشابه نهاياته ونتائجه خاصة بعد تمكن التنظيم من التعافى وتصدر المشهد الامني مرة اخرى

استراتيجية البقاء والتمدد” التعمق في الابعاد والمفهوم

إن استراتيجة “البقاء والتمدد” التي ينتهجها التنظيم ليست استراتيجية عشوائية ولا هي آلية عملياتية تقليدية لبسط النفوذ او السيطرة على بعض المدن والقصبات او المناطق الحضرية دفعة واحدة ,بل هي خطة طويلة الامد تحمي التنظيم من الاندثار وتؤمن له الوصول الى اهدافه المحددة .ان جزء كبير من هذه الاستراتيجية تقوم على تقسيم المناطق “المُختارة”  او التي من المتوقع السيطرة عليها خلال 3-5 سنوات ومن ثم البدأ بالسيطرة على اجزاء منها فقط “المناطق الاكثر رخوة او موالية للتنظيم”وبعد السيطرة على هذه الاجزاء يشرع التنظيم بربطها ادارياً او جغرافياً بمناطق وقصبات او مدن اخرى تمت السيطرة عليها سلفاً او سيتم السيطرة عليها في اوقات متقاربة ,وفي المحصلة سيتم تشكيل :وحدة جغرافية وعملياتية” واحدة. .فعلى سبيل المثال لا الحصر “السيطرة العملياتية المؤثرة “ للتنظيم على بعض قرى ومناطق الصعبة جغرافيا شمال شرق قضاء سامراء او جنوب شرق قضاء الدور في محافظة صلاح الدين لا يعني بالضرورة بأنها سوف تتوسع باتجاهات اخرى في هذه المحافظة ,بل ان هجماتها وتوسعها تكون باتجاه مناطق اخرى خارج محافظة صلاح الدين  كناحية العظيم التابعة الى محافظة ديالى المجاورة وهي بذلك تربط هاتين المنطقتين او المناطق المذكورة اعلاه  ببعضها البعض وتتمدد بعدها نحو المناطق الاخرى الرخوة امنيا شيئا فشيئا . ان هذا الربط هو جزء من استراتيجية التمدد وتشكيل ما يسمى ب “المناطق العملياتية المؤثرة” للتنظيم. لو نظرنا الى خارطة محافظتي ديالى وصلاح الدين فسنرى بأن هذه المناطق قد بدأت بالتوسع والتمدد من  منطقة الجلام شمال شرق سامراء بأتجاه الشرق نحو ناحية العظيم في محافظة ديالى ووصولا الى منطقة حوض حمرين في نفس المحافظة.على الاجهزة الامنية والاستخبارية العراقية ان تنظر الى هذه المناطق كولاية جغرافية للتنظيم لا كمناطق متناثرة ومتباعدة بين محافظتين مختلفتين ويجب عليها ان تعمل على تفكيك اوصالها وسد مناطق التواصل فيها  .

باقية وتتمد ليست عبارات اعلامية او شعارات تنظيمية فقط,بل هي استراتيجية ومخطط يسير عليها التنظيم ليحقق اهدافه النهائية المرغوبة .لقد تيقن التنظيم منذ اول يوم وضع فيها استراتيجيته الارهابية الى ان التمدد الفعال والمؤثر “وان كان بطيئا” سيؤمن بقاء التنظيم ويطيل من ديمومته,  اما البقاء الخامد,الساكن والهامد فلن يحقق التمدد والتوسع الذي يهدف التنظيم دائماً وابداً الى تحقيقه. 

المصادر:

 (1)صحيفة القدس العربي ,أسباب التطرف باقية وتتمدد ,21 يناير 2022.

(2) Johnston, Patrick B., Jacob N. Shapiro, Howard J. Shatz, Benjamin Bahney, Danielle F. Jung, Patrick Ryan, and Jonathan Wallace, Foundations of the Islamic State: Management, Money, and Terror in Iraq, 2005–2010. Santa Monica, CA: RAND Corporation, 2016.

 https://www.rand.org/pubs/research_reports/RR1192.html. Also available in print form.   

 

ادهم كرم – باحث في المركز العربي للبحوث والدراسات

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى