أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب –  مصر والعراق … وغزّة

خيرالله خيرالله *- 30/6/2021

من غزة سيتقرر ما إذا كانت مصر ستكون قادرة على لعب دور إقليمي فعّال على كل صعيد. الدور الفعال يعني الدور الإيجابي الذي يساعد المنطقة كلها في استعادة بعض توازنها.

أكثر من أيّ وقت، يبدو مطلوبا من مصر ممارسة دور على الصعيد العربي على الرغم من كلّ الهموم التي تحيط بها بدءا بغزّة، مرورا بليبيا، وصولا إلى سدّ النهضة الإثيوبي. لا خيار آخر أمام مصر غير ممارسة دور إقليمي. ذهب رئيسها عبدالفتاح السيسي إلى بغداد للمشاركة في القمة المصرية – العراقية – الأردنية. هذا يدلّ على رغبة في السعي لإحداث تغيير في المنطقة على الرغم من كلّ الصعوبات القائمة.

هناك رئيس مصري في بغداد للمرة الأولى منذ واحد وثلاثين عاما. في مثل هذه الأيام من العام 1990، سعى الرئيس الراحل حسني مبارك إلى التوسّط بين صدام حسين وأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد تفاديا لما حصل لاحقا، أي لاجتياح عراقي للكويت. كان هذا الاجتياح مغامرة مجنونة غيّرت المنطقة جذريا وأدّت إلى ضياع العراق في نهاية المطاف.

لا شكّ أنّ الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس المصري إلى بغداد ترتدي أهمّية خاصة في ضوء التحولات التي شهدها العراق في العقود الثلاثة الأخيرة. تختزل هذه التحوّلات العراقية التاريخ الحديث للمنطقة في ضوء صعود قوى غير عربيّة ثلاث هي إيران وتركيا وإسرائيل.

استطاعت مصر في الماضي تغيير المنطقة كلّها. كان ذلك التغيير إبان حكم جمال عبدالناصر الضابط الآتي من الريف العاجز، بسبب ثقافته المتواضعة، عن فهم معنى المدينة المصريّة بتنوّعها السكّاني على وجه الخصوص. لم يستوعب في أيّ لحظة خطورة مغادرة الجاليات الأجنبيّة للمدن المصريّة، مثل القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، بعد تأميم قناة السويس في العام 1956.

جعل ناصر العرب عموما يدخلون في حال من اللاوعي الجماعي. بين أخطر ما أدّت إليه تلك الحال الانقلاب العسكري الذي وقع في العراق في 14 تموز – يوليو 1958 الذي كان آخر يوم أبيض في البلد.

ما آل إليه العراق منذ 1958، تاريخ المجزرة في حق العائلة المالكة الهاشميّة، ليس سوى مأساة من بين المآسي التي تسبب بها جمال عبدالناصر الذي وضع الحجر الأساس للنظام الأمني في سوريا إبان عهد الوحدة المشؤوم (1958 – 1961) ثمّ ما لبث أن أخذ العرب إلى هزيمة 1967 التي لا تزال المنطقة والشعب الفلسطيني يعانيان من ذيولها.

تغيّرت المنطقة كثيرا منذ حدوث الزلزال العراقي في العام 2003 وتسليم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهورية الإسلامية” ونقله قادة الميليشيات المذهبية العراقية التابعين لإيران إلى بغداد على دبابة أميركية. بعد 2003، فقدت المنطقة كلّها توازنها. يجعل فقدان التوازن، المستمر إلى اليوم، من الدور المصري حاجة إقليمية، لكن السؤال الذي سيطرح نفسه بإلحاح مرتبط أساسا بمدى قدرة مصر على لعب دور إيجابي في ظلّ النفوذ الإيراني الذي يطلّ برأسه يوميا.

لا شكّ أنّ مصر تمتلك أوراقا كثيرة من بينها النجاح الذي حققه السيسي منذ العام 2013 في مجالات مختلفة في مقدّمها الاقتصاد. لعب دورا في تمكين مصر من التقاط أنفاسها داخليا بعدما كاد الإخوان المسلمون يقضون على البلد، فيما راحت إيران تستغلّهم على طريقتها. ما قد يساعد مصر في لعب دور إيجابي في العراق، على خلاف الدور الذي لعبه جمال عبدالناصر في خمسينات القرن الماضي وستيناته، التنسيق القائم  بين  القاهرة وعمّان. أثبتت التجارب أن الملك عبدالله الثاني يمتلك رؤية فريدة من نوعها بالنسبة إلى الأحداث الدائرة في المنطقة. لم يكتف في آب – أغسطس 2002 بتحذير بوش الابن مباشرة من غزو العراق ونتائج ذلك على المنطقة، بل كان في تشرين الأول – أكتوبر من العام 2004، الوحيد الذي حذّر في حديث إلى “واشنطن بوست” من “الهلال الشيعي” الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. لا عداء لدى العاهل الأردني للشيعة بأيّ شكل، على العكس من ذلك، هناك علاقة متميّزة ربطت دائما الهاشميين بالشيعة. كان عبدالله الثاني في الواقع يحذّر من استخدام إيراني للغرائز المذهبيّة في سياق سعيها لتنفيذ مشروعها التوسّعي الذي أخذ بعدا جديدا بعد سيطرتها على العراق.

لا شكّ أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يتعرّض حاليا لضغوط كبيرة مصدرها إيران. كان آخر دليل على ذلك اضطراره إلى حضور العرض العسكري لـ“الحشد الشعبي” السبت الماضي بصفة كونه القائد الأعلى للقوات المسلّحة. يعرف الكاظمي، قبل غيره، عمق العلاقة بين ميليشيات “الحشد الشعبي” من جهة وإيران من جهة أخرى. لكنّ عليه تدوير الزوايا في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي يمرّ فيها بلده الباحث عن توازن بين العالم العربي من جهة و“الجمهورية الإسلامية” من جهة أخرى.

ستكون لمصر قدرة أكبر على لعب دور إقليمي، بما في ذلك في العراق، في حال نجاحها في غزّة. ففي القطاع، القريب منها، تواجه مصر كلّ أنواع التحديات، بما في ذلك النفوذ الإيراني داخل “حماس”. هناك أيضا النفوذ التركي في غزّة الذي سيتوجب على مصر أخذه في الاعتبار. من غزّة سيتقرّر ما إذا كانت مصر ستكون قادرة على لعب دور إقليمي فعّال على كلّ صعيد. الدور الفعّال يعني الدور الإيجابي الذي يساعد المنطقة كلّها في استعادة بعض توازنها، وليس كلّه في طبيعة الحال.

في وقت كان إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ“حماس” يجول في المنطقة ويتحدّث عن “انتصارات” على إسرائيل، فيما أهل غزّة في الحضيض، كانت مصر تتوسّط مع إسرائيل من أجل تمرير كمية من الوقود تساعد في تشغيل مولدات الكهرباء في غزّة. هذه خطوة مهمّة تصب في اتجاه رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع. تظهر هذه الخطوة أن لدى مصر أوراقها وأنها أبعد ما تكون عن التعاطي مع الشعارات الفارغة. على العكس من ذلك، هناك أساس لدور مصري انطلاقا من غزّة في ظلّ إدارة أميركية بذلت جهودا كبيرة وضغطت على إسرائيل من أجل وقف حرب الأحد عشر يوما الأخيرة…

سيتبيّن في الأيّام القليلة المقبلة إلى أي حدّ ستذهب مصر في لعب دورها في غزّة وإخراج أهلها من حال الحصار فعلا بدل إطلاق الشعارات الوهميّة الذي تشجع عليه إيران وتركيا ومدرسة الإخوان المسلمين بكلّ فروعها.

*خيرالله خيرالله –  إعلامي لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى