أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب – لبنان بين الحسابات الكبيرة والصغيرة

بقلم خيرالله خيرالله – 24/3/2021

سلسلة من الأوامر أصدرها حسن نصرالله في خطابه الأخير وجدت لها ترجمة في تصرّفات ميشال عون وإصراره على إظهار سعد الحريري وكأنّه موظف صغير عنده وليس رئيس الوزراء المكلّف في الجمهورية اللبنانية.

بات واضحا أنّ “حزب الله” لا يريد تشكيل حكومة. ليس ميشال عون رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل، الذي يمارس عمليّا دور الرئيس، سوى منفذين لسياسة يضعها الحزب الذي لا يهمّه لبنان بمقدار ما يهمّه أن يكون لبنان مجرّد ورقة إيرانية.

مرّة أخرى، يتبيّن أن إصرار “حزب الله” على أن يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية في العام 2016، كان إصرارا في محلّه. ينفّذ رئيس الجمهورية كلّ ما هو مطلوب منه. لديه حقد على أهل السنّة في لبنان وعلى رفيق الحريري بالذات بما لا يقاس مع حقد أي طرف آخر، بما في ذلك “حزب الله” الذي دانت المحكمة الدولية أحد أعضائه البارزين في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005.

“الجمهورية الإسلاميّة” كانت تعتقد أن مجرّد انتصار جو بايدن على دونالد ترامب سيؤدي إلى رفع “العقوبات القصوى” التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة

مجرّد إرسال استمارة مطلوب تعبئتها إلى رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري مساء الأحد، أي قبل أقلّ من 24 ساعة من توجهه إلى قصر بعبدا، يدلّ على كلّ هذا الحقد. لعلّ تعبير “حضرة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري” يكشف ما يعتمل في صدري ميشال عون وجبران باسيل اللذين أرادا عمليا استفزاز سعد الحريري بأسلوب رخيص وجعله يمتنع عن التوجه إلى قصر بعبدا يوم الاثنين استنادا إلى موعد سابق.

كانت خطوة رئيس الوزراء المكلّف الذي أصرّ على التوجه إلى قصر بعبدا وعقد اجتماع مع رئيس الجمهورية في غاية الذكاء واللباقة. رفض قبل كلّ شيء النزول إلى مستوى المهاترات التي لجأ إليها الثنائي ميشال عون – جبران باسيل. بقي سعد الحريري محترما لنفسه ولمقام رئاسة الجمهورية في وقت مصير لبنان ومستقبله مطروحان جدّيا.

كشفت الورقة التي أخذت شكل استمارة مطلوب تعبئتها والتي بعث بها “فخامة رئيس الجمهورية” إلى “حضرة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري” غياب أيّ جدّية في التعاطي مع مجموعة الأزمات التي يعاني منها لبنان. الأكيد أن ليس بالنكايات والمهاترات والصغائر يمكن إخراج بلد من حال انهيار يعاني منها. الأكيد أنّه لا يمكن الاستعانة بالصغائر لمنع تشكيل حكومة لبنانية قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي وإعادة مدّ الجسور بين لبنان والعرب. الأكيد أنّ الصغائر لا يمكن أن تخرج لبنان من الأزمة العميقة التي وجد نفسه فيها والتي هي في الواقع مجموعة أزمات يوجد ترابط في ما بينها.

الرئيس ميشال عون ليس سوى منفذ لسياسة يضعها حزب الله

أغلق ميشال عون، بناء على رغبة “حزب الله”، ملفّ تشكيل حكومة لبنانية جدّية من النوع الذي قدّمه سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية قبل مئة يوم. ماذا سيحدث بعد ذلك وبعد تكريس القطيعة بين رئيس الجمهورية وأهل السنّة في لبنان. لماذا الكلام عن أهل السنّة؟ الجواب واضح كلّ الوضوح. عندما يتعامل رئيس الجمهورية بالطريقة التي تعامل بها ميشال عون وجبران باسيل مع سعد الحريري، فهذا يدلّ على وجود رغبة واضحة في إذلال موقع رئيس مجلس الوزراء الذي يفترض أن تشغله شخصية سنّية.

في نهاية المطاف، ثبت ما كان متداولا منذ فترة طويلة عن أن رئاسة الجمهورية في لبنان التي يسيطر عليها جبران باسيل ويتحكّم بها، باتت في تصرّف “حزب الله”. بعد الخطوات الأخيرة التي أقدمت عليها الرئاسة، لم يعد من شكّ في ذلك. هناك سلسلة من الأوامر أصدرها حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في خطابه الأخير وجدت لها ترجمة في التصرّفات الأخيرة لميشال عون وإصراره على إظهار سعد الحريري وكأنّه موظف صغير عنده وليس رئيس الوزراء المكلّف في الجمهورية اللبنانية.

كان لافتا البيان الذي أصدرته حركة “أمل” الشيعية التي وجد رئيسها نبيه برّي (رئيس مجلس النواب) أن لا بدّ من ردّ على “حزب الله” المفترض أن يكون حليفه وأن ينسّق كل مواقفه معه بشكل مسبق. يعرف السياسي العتيق نبيه برّي جيدا مزاج الشارع اللبناني، بما في ذلك الشارع الشيعي، ويعرف معنى انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية وتحوّل قيمة ما يقبضه الموظف العادي من ألف دولار شهريا إلى مئة دولار. لذلك، صدر عن المكتب السياسي لـ”أمل” بيان فريد من نوعه يردّ على “حزب الله” الذي كان دعا إلى تشكيل حكومة تضمّ سياسيين. جاء في البيان “يجدّد المكتب السياسي مطالبته الإسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفق ما تمّ التوافق عليه في المبادرة الفرنسية بعيدا عن منطق الأعداد والحصص المعطلة وتحوز ثقة المجلس النيابي وكتله، وتكون قادرة وبسرعة على إطلاق ورشة الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، ولديها القدرة على إعادة ثقة اللبنانيين بوطنهم، وتعزيز علاقات لبنان الخارجية ومع المؤسسات الدولية، وإدارة حوار بنّاء ومسؤول لإعداد حفظ الخروج من الأزمة”.

ما الذي جعل “حزب الله” يذهب بعيدا في وضعه كلّ العراقيل في وجه تشكيل حكومة لبنانية وكشف مدى تأثيره على ميشال عون وجبران باسيل في الوقت ذاته؟ هل إلى هذه الدرجة لبنان مهمّ لإيران التي تخوض معركة عض أصابع مع الإدارة الأميركية الجديدة… أو هل إلى هذه الدرجة تعتقد إيران أن لبنان مهمّ بالنسبة إلى الولايات المتحدة والإدارة الجديدة فيها؟

من الطبيعي طرح مثل هذا السؤال في وقت كانت “الجمهورية الإسلاميّة” تعتقد أن مجرّد انتصار جو بايدن على دونالد ترامب سيؤدي إلى رفع “العقوبات القصوى” التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة. يبدو واضحا أن حسابات “الجمهورية الإسلاميّة” لم تكن دقيقة. لا رفع للعقوبات الأميركية قبل التفاوض في شأن اتفاق جديد يتعلّق بالملفّ النووي الإيراني. ولا تفاوض قبل موافقة إيران على أنّ أي مفاوضات معها لا يمكن أن تقتصر على الملفّ النووي، بل يجب أن تشمل الصواريخ الباليستيّة وسلوك “الجمهوريّة الإسلاميّة” خارج حدودها.

ينفّذ رئيس الجمهورية كلّ ما هو مطلوب منه. لديه حقد على أهل السنّة في لبنان وعلى رفيق الحريري بالذات بما لا يقاس مع حقد أي طرف آخر

ما يحصل في لبنان حاليا على أرض الواقع أنّ “حزب الله” يربط تشكيل الحكومة بسياسات كبرى ذات طابع إقليمي ودولي، في حين ليس لدى ميشال عون وجبران باسيل سوى سياسات صغيرة مرتبطة بأحقاد وعقد شخصيّة وهاجس اسمه خلافة جبران باسيل لميشال عون في قصر بعبدا…

بين الحسابات الكبيرة لـ”حزب الله”، ومن خلفه “الجمهورية الإسلاميّة”… والحسابات الصغيرة لرئيس الجمهورية وصهره، يزداد يوميّا الخوف على لبنان الذي تجاوز مرحلة الدولة الفاشلة إلى ما هو أسوأ بكثير من ذلك في “عهد حزب الله”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى