أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب –  غيابٌ وضياعٌ أميركيان وشراسةٌ إيرانية

خيرالله خيرالله 18/11/2021

يزداد سلوك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في المنطقة شراسة في وقت يقترب موعد معاودة المفاوضات في شأن الملفّ النووي الإيراني في فيينا. تعتقد إيران أنّ لديها أوراقاً تسمح لها بفرض شروطها على الإدارة الأميركية. هذا ما يفسّر الى حدّ كبير تلك الهجمة المستمرّة على لبنان والإصرار على الاستيلاء على مأرب… ومحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من طريق طائرات مسيّرة استهدفت منزله.

 في الواقع، ترى “الجمهوريّة الإسلاميّة” أنّ مرحلة الضياع التي تعاني منها إدارة جو بايدن فرصة لن تتكرّر. عليها استغلال هذه الفرصة. هناك إدارة تؤكّد يومياً أنّها مزيج من إدارتي جيمي كارتر وباراك أوباما. لم يكن للأخير من طموح سوى استرضاء إيران. كان الاتفاق في شأن الملفّ النووي انجازاً بحد ذاته بالنسبة الى أوباما الذي اختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط وأزماته بالملفّ النووي الإيراني.

بلغ الأمر بأوباما أن تغاضى عن استخدام بشار الأسد صيف العام 2013 السلاح الكيماوي في حربه على الشعب السوري. كان لا بدّ من مرور بضع سنوات للعثور على جواب شافٍ يفسّر تغاضي إدارة الرئيس الأميركي السابق عن تجاوز النظام السوري لما سمّاه أوباما نفسه بـ”الخط الأحمر”. تحدّث أوباما شخصياً عن ” الخطّ الأحمر”. فجأة، لم يعد يرى أوباما اللون الأحمر. لم يعد هذا اللون موجوداً…

 الى أيّ حد ستذهب إيران في شراستها؟ من الواضح أنّ لا حدود لما يمكن أن تذهب اليه أكان ذلك في العراق أم في لبنان أم في اليمن أم في سوريا حيث أوجدت امراً واقعاً يتمثّل في تغيير التركيبة السكانيّة، من منطلق مذهبي، في هذا البلد الواقع تحت خمسة احتلالات.

 تصعّد إيران في كلّ الاتجاهات وتعمل في الوقت ذاته على الاستحواذ على السلاح النووي. سيكون السؤال الذي سيطرح نفسه يومياً في المرحلة المقبلة مرتبطاً بأفق السياسة الإيرانية التي لم تؤدِ الى اليوم سوى الى تفريغ البلد من أفضل الناس فيه. الإيرانيون من أصحاب الكفاءات والفكر المنفتح هاجروا من إيران بعد رفضهم العيش في ظلّ النظام الذي أسس له الخميني الذي فرض نظريّة “الوليّ الفقيه” التي تجعل من “المرشد” صاحب كلّ السلطات في البلد والقائد المعصوم.

 لا أفق للسياسة الإيرانية، لا في إيران نفسها ولا في المنطقة. كلّ ما في الأمر أنّ هناك نظاماً يعتقد أن تصدير أزماته الى خارج حدوده يضمن بقاءه في السلطة. نجح في ذلك منذ العام 1979 بمساعدة أميركيّة بلغت ذروتها في عهد جورج بوش الابن الذي سلّم العراق الى إيران على صحن من فضّة في العام 2003. أعطت إدارة بوش الابن دفعاً للمشروع التوسّعي الإيراني انطلاقاً من العراق الذي صمد في الحرب الطويلة التي استمرّت بين 1980 و1988، وهي حرب كلّفت المنطقة الكثير.

 لا يوجد في واشنطن في الوقت الراهن من يدرك خطورة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. هناك إدارة ترفض الاعتراف بأنّ أخطر ما حصل منذ العام 2015، لدى توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً، يتمثّل في تطوير إيران لعدائيتها لمحيطها المباشر وغير المباشر، من جهة، وتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، من جهة أخرى.

 في حال بقي الضياع مهيمناً على الإدارة الأميركية، ليس مستبعداً أن تشهد المنطقة مزيداً من الخراب والدمار والبؤس. فكلّما مرّ يوم يزداد الشعور بأنّ إدارة بايدن لا تريد السماع بالشرق الأوسط والخليج. على دول المنطقة تدبّر أمرها بنفسها في مرحلة الغياب والضياع الأميركيين. يجسد الغياب والضياع الموقف من اليمن حيث يحقّق الحوثيون، أي إيران، تقدّماً على جبهة الحديدة. يعني ذلك بكلّ بساطة أن الإدارة الاميركيّة مستعدة للاعتراف بأن إيران موجودة على البحر الأحمر وأن الأمر لا يقتصر على السماح بتحول اليمن الشمالي قاعدة صواريخ إيرانيّة ومصدر تهديد يومي للأمن السعودي والخليجي…

ما الذي تريده الإدارة الأميركية التي تبدو مستعدة للذهاب في مسايرة إيران الى أبعد حدود من منطلق أنّ لديها هموماً أخرى من بينها الوضع الداخلي والتحدي الذي تمثّله الصين؟

 ثمّة ما يدعو الى القلق الشديد عندما تنسحب أميركا من أفغانستان بالطريقة التي انسحبت بها غير آبهة بمصير المواطنين الأفغان الذين أعادتهم “طالبان” الى العيش في ظلّ نظام لا علاقة له من قريب أو بعيد بأيّ قيم حضاريّة في هذا العالم. يبدو مصير المواطن الأفغاني آخر همّ لدى الإدارة الأميركيّة. ما ينطبق على المواطن الأفغاني ينطبق أيضاً على المواطن الإيراني نفسه وعلى المواطن العراقي والسوري واللبناني… واليمني الذي يعيش في ظلّ ما يفرضه الحوثيون من قيم بالية وبائسة على مساحة واسعة من اليمن، بما في ذلك مدينة ذات تاريخ عريق اسمها صنعاء!

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى