أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب – تغيير صغير لكنه عميق .. في عُمان

خيرالله خيرالله 21/8/2020

ليس بسيطا التغيير الأخير الذي حصل في سلطنة عُمان، وهو تغيير شمل بين ما شمله، تولّي بدر البوسعيدي وزارة الخارجية مكان يوسف بن علوي بن عبدالله الذي اخترق الدائرة الضيقة للسلطة.. عبر بوابة ظفار. التغيير صغير ظاهرا، نظرا إلى أنّه تغيير للوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية. جاء التغيير في ظلّ إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين وزير جديد للمال (سلطان الحبسي) وحاكم جديد للمصرف المركزي أيضا، هو تيمور بن أسعد بن طارق آل بوسعيد. لكنّه تغيير في العمق نظرا إلى أنّه يتناول الرمز المعبّر للسياسة الخارجية لسلطنة عُمان، خصوصا في السنوات العشرين الأخيرة.

يمكن الحديث عن تغيير في العمق في ضوء ارتباط السياسة الخارجية لسلطنة عُمان في السنوات الأخيرة بيوسف بن علوي الذي أخذ السلطنة إلى حيث يريد بما يناسب تطلعاته ومصالحه بعدما حظي بثقة السلطان قابوس.

أسّس السلطان قابوس دولة حديثة بعد توليه السلطة في العام 1970. نقل السلطنة إلى مكان آخر. بنى عمليا دولة حديثة بعد نجاحه في إجراء مصالحة وطنية مستعينا بمتمردين عليه في إقليم ظفار. كان يوسف بن علوي بن عبدالله بين هؤلاء المتمردين الذين أدركوا باكرا أن لا أفق للتمرّد على الدولة المركزية، خصوصا بعد خلافة قابوس لوالده السلطان سعيد بن تيمور الذي كان حاكما متخلّفا لا علاقة له بالتغييرات التي يشهدها العصر، فضلا عن غياب الإدراك للأهمية الاستراتيجية لسلطنة عُمان.

استطاع يوسف بن علوي بعد توليه موقع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، باعتبار أن السلطان قابوس نفسه كان وزير الخارجية كما كان وزير الدفاع، أن يصبح ما يمكن تسميته بـ”سوبر وزير”. استفاد إلى أبعد حدود من انكفاء السلطان قابوس في السنوات الأخيرة من عهده، الذي استمر خمسين عاما، ورسم خطّا خاصا بعُمان في مجال السياسة الخارجية. لعب كلّ الأوراق التي يمكن لعبها من أجل تأكيد أن سلطنة عُمان حالة مختلفة في منطقة الخليج. اعتمد على ثوابت كانت لدى السلطان قابوس وعرف كيفية الذهاب بعيدا، بما يرضي طموحاته وتوجهاته الشخصية، خصوصا تجاه المملكة العربية السعودية التي رفضت استقباله في نيسان – أبريل الماضي عندما طلب موعدا لزيارة الرياض. ليس مستغربا أن يكون هناك اتصال بين الملك سلمان بن عبد العزيز والسلطان هيثم بن طارق، بعيد خروج يوسف بن علوي من الحكومة، في إشارة سعودية إلى الترحيب بهذه الخطوة.

من بين الثوابت التي كان السلطان قابوس يتمسّك بها العلاقة المتميّزة مع الجار الإيراني وذلك بغض النظر عن النظام في طهران. في أيّام الشاه، لعبت إيران دورا عسكريا في مجال المساعدة في إنهاء التمرّد في ظفار. كان هناك خبراء عسكريون بريطانيون دعموا القوّات العُمانية، لكن الإيرانيين تدخلوا مباشرة على الأرض. كذلك فعل الأردنيون.

استمرت العلاقة التي كانت قائمة بين قابوس وإيران في عهد “الجمهورية الإسلامية”. لم تجد إدارة باراك أوباما مكانا تجري فيه مفاوضات سرّية مع إيران في شأن ملفّها النووي غير سلطنة عُمان. أسفرت تلك المفاوضات السرّية عن الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه صيف العام 2015 والذي وقعته إيران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا). ما لبث الرئيس دونالد ترامب، الذي يعرف رجال إدارته ما هي إيران جيّدا، أن مزّق هذا الاتفاق الذي عاد بكلّ الفوائد على إيران ومشروعها التوسّعي في المنطقة.

بدا واضحا في السنوات الأخيرة أن نفوذ يوسف بن علوي، في مجال رسم السياسة الخارجية زاد، خصوصا بعد مرض السلطان قابوس ونقله إلى ألمانيا  في العام  2014 ليعالج من سرطان البنكرياس. أمضى السلطان ثمانية أشهر في ألمانيا وعاد منها إلى عُمان في آذار – مارس 2015.

من أجل المحافظة على العلاقة الجيّدة مع واشنطن في عهد دونالد ترامب، تقرّبت سلطنة عمان من إسرائيل. لعب يوسف بن علوي دورا في اتباع هذا التوجه الذي ليس غريبا عن الخطوط العريضة لتفكير السلطان قابوس الذي استقبل بنيامين نتانياهو في مسقط في تشرين الأوّل – أكتوبر 2018. كانت تلك المرّة الأولى التي يزور فيها رئيس للوزراء في إسرائيل إحدى دول الخليج العربي. لم تنبس إيران ببنت شفة، علما أن المسؤولين فيها لا يدعون أسبوعا يمرّ من دون التذكير بضرورة تحرير فلسطين. كان لافتا الاتصال الذي أجراه يوسف بن علوي عشية خسارته موقعه الوزاري بوزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي!

ذهب يوسف بن علوي بعيدا في الكلام عن إسرائيل من أجل الاستفادة من نفوذها في واشنطن. ففي “المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، الذي استضافته منطقة البحر الميّت في الأردن، صدر عن الوزير العماني في السادس من نيسان – أبريل 2019 كلام لم يقله يوما أيّ مسؤول عربي. قال بالحرف الواحد إنّه “يجب على الدول العربية العمل على تبديد مخاوف إسرائيل بشأن وجودها”، مضيفا أن “الغرب قدّم لإسرائيل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري وأصبحت بيدها كل وسائل القوة (…) إن إسرائيل ورغم ما قلناه عن قوة تمتلكها، ليست مطمئنة إلى مستقبلها كدولة غير عربية في محيط عربي من 400 مليون إنسان. إنّها غير مطمئنة إلى استمرار وجودها في هذه المنطقة. أعتقد أن علينا نحن كعرب أن نكون قادرين على البحث في هذه المسألة، وأن نسعى إلى تبديد هذه المخاوف لدى إسرائيل بإجراءات واتفاقات حقيقية بيننا نحن الأمة العربية وبين إسرائيل وبين من يدعمون إسرائيل”.

مع غياب يوسف بن علوي عن السياسة الخارجية العُمانية تنتهي مرحلة كانت فيها السلطنة الطائر الذي يغرّد خارج السرب الخليجي. حيثما استطاعت، ميّزت سلطنة عُمان نفسها، خصوصا في اليمن حيث أقامت علاقة خاصة بالحوثيين (أنصار الله). كان لديها نفوذ كبير لديهم. كانت بوابتهم إلى العالم. في مقابل انفتاحها على الحوثيين، الذين ليسوا في نهاية المطاف سوى أداة إيرانية، كانت عُمان تستطيع أن تطلب منهم ما لا يستطيع أن يطلبه غيرها. الدليل أنّها نجحت في جعلهم يفرجون عن اثنين من أبناء الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، هما مدين وصلاح، كانا محتجزين لديهم منذ اغتيال والدهما في العام 2017.

إلى أيّ حدّ ستكون هناك سياسة خارجية عُمانية مختلفة؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ هناك تموضعا جديدا للسلطنة في المنطقة. لا يعني هذا التموضع ابتعادا كبيرا عن إيران التي تبقى جارا لا مفرّ من التعامل معه. لكنّ الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها عُمان في عهد هيثم بن طارق تفرض مزيدا من الواقعية، بما في ذلك التعاطي بطريقة صحّية مع السعودية ودولة الإمارات بعيدا عن عقد يوسف بن علوي وحساباته الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى