أقلام وأراء

خيرالله خيرالله يكتب الردّ فلسطينياً على الجمود الإسرائيلي

خيرالله خيرالله ١٧-٦-٢٠٢١م

يمكن الاستغراق طويلا في الكلام عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت وعن هشاشة تركيبتها. في الواقع، يمكن الدوران طويلا، من دون فائدة تذكر، في فلك هذه الحكومة التي لا وجود لأي قاسم مشترك، من أيّ نوع، بين مكوناتها.

من هذا المنطلق، تبدو الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي حازت على الثقة بستين صوتا، فيما اعترض عليها 59، مع امتناع نائب وحيد عن التصويت، في غاية الهشاشة. سيكون عليها البحث في كلّ وقت عن سبب يدعو إلى استمرارها وتفادي سقوطها. هذا ما جعل بنيامين نتنياهو يتوقع عودة قريبة إلى موقع رئيس الوزراء، اللهم إلاّ إذا أدانه القضاء الإسرائيلي في قضايا الفساد التي لاحقته وما زالت تلاحقه.

تعكس هذه الحكومة، التي لا يجمع بين أعضائها الـ27 (بينهم تسع نساء) وأحزابها الثمانية سوى الرغبة في التخلّص من “بيبي”، وجود أزمة عميقة في الداخل الإسرائيلي. يظلّ أفضل تعبير عن هذه الأزمة إجراء انتخابات نيابية أربع مرات في سنتين من دون التوصّل إلى أكثرية واضحة في الكنيست، أكثريّة يوجد تجانس في الحدّ الأدنى بين مكوناتها.

ليست الحكومة التي تشكلت سوى كائن هجين ليس معروفا رأسه من قدميه. ليس معروفا أيضا أين الأعضاء الأخرى من الجسد. نظريّا، ليس ما يجمع بين اليميني بينيت الذي كان من بين أبرز الداعين إلى الاستيطان ويائير لابيد الوسطي الذي يفترض أن يخلفه في موقع رئيس الوزراء في غضون سنتين. يشغل لابيد في الحكومة الجديدة موقع وزير الخارجية. كيف ستكون هناك سياسة خارجيّة إسرائيلية واضحة في غياب تجانس بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال في الوقت الحاضر. لم يكن من همّ لدى لابيد وبينيت غير همّ الخلاص من “بيبي” الذي بقي رئيسا للوزراء طوال 12 عاما أبلى خلالها البلاء الحسن في لعبة التلاعب بالآخرين.

سيظلّ الموضوع الأساسي الذي سيطرح نفسه بحدّة الموقف من إيران وسياساتها في المنطقة وبرنامجها النووي. سيطغى هذا الموضوع على كلّ ما عداه. سيكون أكثر سهولة على الحكومة الجديدة إيجاد نوع من التفاهم مع الإدارة الأميركية في شأن التعاطي مع “الجمهورية الإسلامية” وبرنامجها النووي وسلوكها الخارجي وصواريخها، خصوصا أن “بيبي” كان اتخذ موقفا واضحا معترضا على أيّ اتفاق أميركي – إيراني في ما يخص العودة إلى اتفاق العام 2015. هذا الاتفاق الذي ترغب إيران في العودة إليه بشروطها التي في مقدّمها رفع العقوبات عنها. لن تكون الحكومة الإسرائيلية من يقرّر في ما يخص إيران. ستبقى المؤسسة العسكرية – الأمنية صاحبة الكلمة الأخيرة في هذا المجال. لهذه المؤسّسة تاريخ طويل من التنسيق مع الدوائر المختصّة في الولايات المتّحدة…

إضافة إلى ذلك، لن تجد الإدارة الأميركية صعوبات كبيرة في التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة. يعود ذلك إلى أن بني غانتس سيبقى وزيرا للدفاع. يمتلك غانتس الذي كان رئيسا للأركان القدرة على الدخول في حوار مع الإدارة في واشنطن. وهذا ما فعله قبل نحو أسبوعين عندما قام بزيارة للعاصمة الأميركية التقى خلالها عددا كبيرا من المسؤولين الأمنيين.

لم يستطع غانتس التوصل إلى تفاهم مع “بيبي” في شأن كيفية التعاطي مع الإدارة الأميركية، خصوصا أنّه يبدو جليّا أن هناك إصرارا لدى الإدارة على التخلّص من رئيس الوزراء السابق ومنعه من البقاء في موقعه بسبب غياب الأمل في التفاهم معه. هذا حدث في الماضي عندما ضغطت الولايات المتحدة في عهد بوش الأب من أجل التخلّص من إسحاق شامير بعد انعقاد مؤتمر مدريد في أواخر العام 1991.

على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستكون عاجزة عن اتخاذ قرارات جريئة في ما يخص عملية السلام نظرا إلى وجود دعم من قسم من اليمين المتطرّف لها ودعم من “القائمة العربية الموحدة”، التي يتزعّمها منصور عبّاس، أي من الإخوان المسلمين، ثمّة حاجة إلى كسر الجمود الذي يتوقع أن يتحكّم بالسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. إذا كان هناك جمود إسرائيلي، هل من الضروري أن يكون هناك جمود فلسطيني؟

يُفترض في الجمود الإسرائيلي ألاّ يمنع الجانب الفلسطيني من اعتماد المرونة وإعادة لملمة صفوفه والاتفاق على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، خصوصا في الضفة الغربية. من الواضح، في ضوء ما حصل في القاهرة حيث بدا مستحيلا مباشرة حوار فلسطيني – فلسطيني مثمر بين السلطة الوطنية و”حماس”، أنّ ليس أمام “حماس” في الوقت الحاضر سوى التشنّج من جهة والبقاء في أسر الشعارات من جهة أخرى. تعتقد “حماس” أنّها صارت صاحب المبادرة فلسطينيا بعدما كشفت من خلال صواريخها في غزّة حال الترهل التي أصيبت بها السلطة الوطنيّة. لماذا لا تقوم السلطة الوطنيّة بعملية نقد للذات في العمق وتجدّد شبابها عن طريق التخلّص من عقدها التي جعلت “فتح” ثلاث جهات وحرمت الفلسطينيين من أفضل الكفاءات مثل الدكتور سلام فيّاض والذين تعاونوا معه عندما كان رئيسا للوزراء، على سبيل المثال وليس الحصر.

تتشكّل الحكومة الإسرائيلية، بالتي هي أحسن، في وقت اكتشف فيه الفلسطينيون أنّهم شعب واحد في الداخل والخارج. في الضفّة وغزّة وأراضي 1948… وفي الشتات. توفّرت للفلسطينيين فرصة لترجمة هذه الوحدة إلى فعل إيجابي عبر الانتخابات التي أصرّ رئيس السلطة الوطنية محمود عبّاس “أبومازن” على تأجيلها.

بانتخابات ومن دون انتخابات، من واجب الفلسطينيين التحرّك وذلك بغض النظر عن حال المخاض التي تمرّ فيها “حماس” التي تعاني من تجاذبات كثيرة. هناك “حماس” التركيّة و“حماس” الإيرانية و“حماس” القطرية و“حماس” الفلسطينية التي لا بد أن تنتصر في نهاية المطاف.

شئنا أم أبينا، حصل تفاهم في إسرائيل على استبعاد بنيامين نتنياهو بتواطؤ أميركي. متى يحصل تفاهم داخلي في الضفّة الغربية على تجديد شباب القيادة الفلسطينية والاستفادة من ذوي الخبرات في الوقت ذاته يستحقّ الفلسطينيون قيادة أفضل، خصوصا أنّهم شعب حيّ يمتلك عددا كبيرا من أفضل الاختصاصيين في مختلف المجالات.

آن أوان حصول تغيير فلسطيني في العمق كي لا يقال إن الشعب الفلسطيني عجز عن ترجمة وحدته الوطنيّة إلى فعل في المجال السياسي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى