شؤون إسرائيلية

خمس سنوات على التحقيقات ضد نتنياهو .. محاكمته في بدايتها ونهايتها بعيدة !

برهوم جرايسي – 22/11/2021

يؤكد سير محاكمة بنيامين نتنياهو، التي افتتحت في شتاء العام الجاري، أن هذه القضية ما زال أمامها سنوات لا يمكن حصرها، حتى الوصول إلى خط النهاية الأخير، ما يعني أنه من السابق لأوانه الحديث عن غياب نتنياهو عن المشهد السياسي الإسرائيلي في المدى المنظور، إلا إذا قرر بنفسه التنحي؛ لأن كل المؤشرات تدل على أنه يعتزم خوض المنافسة على رئاسة حزب الليكود بقوة، لربما في العام المقبل، مستندا إلى واقع أن لا منافس جدياً له في الليكود قادر على الإطاحة به؛ ورغم كل هذا، فإن مكانة نتنياهو لم تعد على حالها، وستتراجع كلما طالت فترة ابتعاده عن كرسي رئاسة الحكومة.

ومن المفترض أن تبدأ هذا الأسبوع أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، إفادة شاهد الملك من قبل النيابة نير حيفتس، وهو أحد أبرز شهود النيابة في الملفات الثلاثة التي يواجهها نتنياهو، وقد تستمر إفادته واستجوابه من طاقم الدفاع عدة أسابيع. وحيفتس كان مستشارا إعلاميا لنتنياهو، ومقرّباً من العائلة، وشهادته المركزية ستكون في الملفات الثلاثة. وتم تأجيلها من الأسبوع الماضي إلى هذا الأسبوع، بعد أن طلبت سكرتيرة لشاؤول ألوفيتش، المتهم مع نتنياهو في واحدة من القضايا الثلاث، تقديم شهادة جديدة، وقبلت النيابة الاستماع إلى إفادتها، وقيل إنها تضم معلومات جديدة تتعلق بالقضية الأولى.

التهم ضد نتنياهو

يواجه نتنياهو تهمة تلقي الرشوة وخيانة الأمانة، في القضية المسماة “ملف 4000″، وهي تدور حول تسهيلات ضريبية واقتصادية كبيرة، سعى لها نتنياهو لصالح الثري شاؤول ألوفيتش، الذي كان صاحب السيطرة بالأسهم على شركة الاتصالات الأرضية “بيزك”، في مقابل أن يحصل نتنياهو على تغطية ودّية في موقع “واللا” الإخباري، الذي كان يملكه ألوفيتش. وفي هذا الملف أوصت الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو حول تلقي رشوة وخرق الأمانة. وقد قبلت النيابة بهذه التوصية كاملة.

كما يواجه نتنياهو تهمتي خيانة الأمانة وخرق الثقة في قضيتين أخريين، أولهما القضية التي عُرفت بكنية “ملف 1000″، التي بموجبها، تلقى نتنياهو “هدايا” بمئات آلاف الدولارات من صديقه الثري الأميركي الإسرائيلي أرنون ميلتشين، وفي المقابل ساعد نتنياهو الثري بالحصول على تسهيلات ضريبية. وفي هذه القضية، أوصت الشرطة بمحاكمة نتنياهو بخرق الأمانة وتلقي الرشوة، إلا أن توصية النيابة أسقطت تهمة الرشوة، وأبقت على خرق الأمانة، وهذا القرار الأخير الذي تبناه المستشار القانوني للحكومة، بصفته المدعي العام الأعلى.

والقضية الثانية التي ستوجه فيها لنتنياهو تهمة خيانة الأمانة وخرق الثقة، هي القضية التي عُرفت بكنية “الملف 2000″، ومؤداها أن نتنياهو أجرى مفاوضات مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أرنون موزس، كي تكون توجهات الصحيفة ودّية، لدى تغطيتها الأخبار عن نتنياهو، وفي المقابل يسعى نتنياهو لسن قانون يحد من انتشار صحيفة “يسرائيل هيوم” المجانية، رغم أنها المدافع الأكبر عن نتنياهو. وفي هذه القضية، أوصت الشرطة بمحاكمة نتنياهو بالحصول على رشوة وخرق الأمانة، وقد قبلت النيابة العامة بتوصية الشرطة كاملة، إلا أن المستشار القانوني للحكومة أسقط تهمة الرشوة في هذه القضية، في الوقت الذي ستوجه فيه لناشر “يديعوت أحرونوت” تهمة عرض رشوة.

خمس سنوات

في الشهر المقبل، كانون الثاني، يكون قد مرّت على بدء التحقيقات العلنية مع من كان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، خمس سنوات، وكانت القضية الأولى في تلك الأيام، ما عُرفت لاحقا بكنية “الملف 1000″، أو ملف الهدايا، التي تلقاها هو وزوجته من الثري اليهودي الأميركي الإسرائيلي أرنون ميلتشين.

وكانت تلك التحقيقات العلنية قد سبقتها أشهر من التحقيقات السرية، حتى أجاز المستشار القانوني للحكومة ببدء التحقيق مع نتنياهو وزوجته، وعدد من العاملين في محيطه.

ونذكر كيف أن وسائل الإعلام وقفت على أقدامها بتغطية مكثفة، واصطف المحللون الواحد تلو الآخر، بغالبيتهم الساحقة، إن لم يكن كلهم، معتقدين أن هذه نهاية نتنياهو السياسية، وأنه قد لا يكمل عامه التالي في منصبه. وكما يبدو كانوا يستندون إلى تجارب سابقة، مثل رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، الذي لم ينتظر قرارا باتهامه من المستشار القانوني حتى سارع للإعلان عن استقالته من منصبه. وسبقه رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين في العام 1977، حينما أعلن عن فتح تحقيق بخصوص حساب بنكي في الخارج لزوجته، وسارع للاستقالة.

إلا أن هذا ليس هو الحال لدى نتنياهو، الذي جرى التحقيق معه في قضيتين أخريين، وأتم أربع سنوات لحكومته تلك، حتى انتخابات العام 2019، وكانت الأولى ضمن 4 جولات انتخابية في غضون 23 شهرا، تعززت في كل واحدة منها قوة الليكود كحزب؛ إلا أن نتنياهو لم ينجح في تشكيل حكومة ثابتة، فالحكومة التي شكلها في أيار العام 2020 مع رئيس حزب “أزرق أبيض”، بيني غانتس، انقلب عليها نتنياهو بنفسه لحساباته الشخصية، معتقدا أن انتخابات رابعة ستأتي له بأغلبية مطلقة مع حلفائه.

ونتنياهو لم يعزز قوته وقوة حزبه في الجولات الانتخابية الأربع فحسب، بل قلب كل السيناريوهات والتوقعات، التي كانت تعتقد أنه ما أن يدخل إلى قاعة المحاكمة، حتى ستبدأ شعبيته بالتراجع، لأن هذا لم يتم والجمهور الإسرائيلي قال كلمته بشأن نظرته لقضايا فساد نتنياهو، منذ الجولة الأولى للانتخابات في نيسان 2019.

إن نتيجة نتنياهو الانتخابية، ومعها أنه ما زال الأفضل والأنسب في استطلاعات الرأي لتولي رئاسة الحكومة، رغم أنها في نسب تحوم ما بين 32% إلى 38%، من بين عدة أسماء، وترتفع نسبته كلما تقلص عدد الأسماء المطروحة، بالإمكان تفسيرها في عدة سياقات، من بينها كعنصر هام الارتفاع الحاد في عدد ونسبة مصوتي أحزاب اليمين الاستيطاني، والتي تشمل قائمتي المتدينين المتزمتين (الحريديم)، وحصلت هذه الأحزاب في انتخابات آذار العام الجاري، مجتمعة، على 72 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وبضمن هذه الأحزاب ثمة أحزاب تعارض شخص نتنياهو وليس حزبه الليكود.

الأمر الآخر، الذي من الممكن أخذه بالحسبان، أن قضايا الفساد الثلاث، ليست فيها تُهم حصوله على مال رشوة مباشرة، وفي نظر الجمهور فإن الهدايا، من سيجار فاخر وزجاجات شمبانيا (رغم كميتها الكبيرة)، ليست رشوة بالمفهوم التقليدي للرشوة.

وهناك عامل آخر لا يقل أهمية، هو أنه في سنوات حُكم نتنياهو الـ 12، أدار سياسة اقتصادية سخيّة لصالح حيتان المال المسيطرين على الاقتصاد ووسائل الإعلام، وماكنات صناعة الرأي العام، وأيضا رفع مستوى معيشة الشرائح الوسطى العليا، والشرائح الميسورة. ومن يدقق في تقارير الفقر الرسمية الصادرة سنويا، سيجد أن نسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم، تتراوح ما بين 8% إلى 9%، وهي نسب فقر قريبة من شمال أوروبا، كما أنه بحسب التقارير ذاتها، فإن الفقر بين هؤلاء ليس عميقا، خلافا للفقر بين العرب (45%) ونسبة مشابهة لدى الحريديم.

مصير نتنياهو ومكانته في الليكود

القاعدة المنطقية تقول إنه كلما طال عمر الحكومة الحالية، واستمر جلوس نتنياهو على مقعد رئيس المعارضة بعيدا عن رأس الهرم، فإن مكانته من المفترض أن تتراجع، وهذا يعود إلى عاملين اثنين: تقدم سير المحاكمة، رغم أنها تتحرك ببطء، ولا أحد يتوقع متى ستنتهي، وقد تحتاج لسنوات حتى بلوغ خط النهاية الأخير.

والعامل الثاني هو عامل الجيل، إذ أن نتنياهو دخل في شهر تشرين الأول الماضي عامه الـ 73، رغم أنه سبقه في رئاسة الحكومة ثلاثة رؤساء في جيله وأكبر، دافيد بن غوريون وإسحاق شمير، وأريئيل شارون. ونتنياهو لا يعاني من أوضاع صحية سيئة، ما يقلل من شأن عامل الجيل.

وتحدثت تقارير عديدة ظهرت في الأسابيع الأخيرة عن حالة تململ في صفوف الليكود، بغالبيتها هي عبارة عن همس في الغرف المغلقة، تتهم نتنياهو شخصيا بإبعاد حزب الليكود عن الحكومة. ففريق الوزراء الذي جلس حول طاولة الحكومة على مدى 12 عاما، وكان من حول كل وزير طاقم مستشارين وموظفين، يجدون أنفسهم في صفوف أعضاء الكنيست في المعارضة، بدون قدرة على المشاركة في دوائر القرار.

وأكثر من هذا، لكل هؤلاء ارتباطات مع كبار مستثمرين وحيتان مال، ساهموا في دعمهم ماديا للوصول الى دوائر القرار، إلا أنهم في الوضع الحالي ليس بمقدورهم تقديم شيء، ما قد ينعكس عليهم سلبا. وهذا توصيف دقيق لا يظهر على السطح، ولكنه واقع حال السياسة الإسرائيلية، بشكل خاص في العقود الثلاثة الأخيرة.

وكما قلنا من قبل في تقارير سابقة، فإن ما يخدم نتنياهو هو أنه لا توجد شخصية واحدة في الليكود قادرة على تهديد وجوده في منصب رئيس الحزب. وهذا لم يأت من فراغ، وليس لأن شخصية نتنياهو نموذجية الى هذا الحد، التي يصعب إيجاد بديل لها. بل هذه نتيجة فعل فاعل، نتيجة ممارسات نتنياهو منذ أن عاد لرئاسة الحزب في نهايات العام 2005، فقد عمل بشكل تدريجي على كسر وإبعاد الحلقات المعارضة لشخصه، أو لنقل إنها تنافسه على رئاسة الحزب. والقائمة تطول، رغم أن فيها أسماء ليست جديدة. والأمر الآخر الذي أقدم عليه نتنياهو تدريجيا، هو تصفية التيار الأيديولوجي القديم لحزب حيروت، المؤسس لحزب الليكود. وكانت عملية الإبعاد الأكبر لأبرز شخصيات هذا التيار، قد تمت تمهيدا للانتخابات البرلمانية، للكنيست الـ 19، التي جرت في العام 2013، فتلك الشخصيات كانت تقف حصنا في وجه نتنياهو، حينما أراد الانفلات على أسس النظام، والحديث حول شخصيات يمين متشدد عقائدي، ولكن في ذات الوقت حرصت على ضمان جهاز حكم مع ملامح ديمقراطية، مثل جهاز القضاء، ومكانة البرلمان.

بعد مرور أكثر من خمسة أشهر، على حصول الحكومة الحالية على الثقة في الكنيست، في 12 حزيران الماضي، وكسر رهانات نتنياهو والمقربين منه، بأن هذه حكومة لن تصمد لأكثر من بضعة أسابيع، لا تلوح في الأفق انتخابات داخلية في الليكود. وقالت تقارير إن نتنياهو معني بانتخابات سريعة، بهدف تثبيت مكانته، إلا أن من قرروا منافسته يعارضون اجراء الانتخابات قريبا.

وهذا الرفض قائم على أمرين، أولهما هو عادي في الحالات الأخرى، أن كل منافس يحتاج لوقت للاستعداد للمنافسة. وفي حالة الليكود القائمة، فإن المنافسين يعرفون أنه كلما طالما الزمن، فإن مكانة نتنياهو ستتراجع أيضا في الليكود، ولكن هذا لا يعني اطلاقا أن مصير نتنياهو قد حُسم، وهو صاحب الاحتمالات الأكبر بالفوز في الانتخابات الداخلية، وفق الظروف القائمة حاليا، ولكن قد لا ينعم بالنتيجة التي حصل عليها في نهاية العام 2020، حينما نافسه جدعون ساعر، وحصل نتنياهو على 72%.

في كل الأحوال، فإن نتنياهو دخل في الحلقة الأخيرة في سدة القيادة، فإن عاد لرئاسة الحزب ورئاسة الحكومة في الفترة المقبلة، فستكون هذه الجولة الأخيرة له. ومن بعده لن يبقى الليكود على حاله، فهذا الحزب الذي سار كالقطيع خلف الزعيم الأوحد، لن يكون أمامه زعيم قادر على توحيد الحزب كله من حوله، لتعود ظاهرة التيارات ومراكز القوى المتناحرة في الحزب، كما كانت عليه حتى منتصف سنوات التسعين من القرن الماضي، وعادت لفترة قصيرة في سنوات الألفين الأولى.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى