أقلام وأراء

خليل حسين: استشارات حكومة لبنان ومآلاتها

خليل حسين * ١٧-٦-٢٠٢٢م

تنطلق الاستشارات النيابية اللبنانية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة، بهدف تشكيل حكومة جديدة، وذلك في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، وسط ظروف استثنائية ضاغطة لجهة التوقيت المتاح، وتقاربه مع استحقاقات أخرى، لا تقل أهمية عن التكليف والتشكيل. 
وهذه الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية، هي جزء رئيسي من عملية تركيب السلطة في لبنان، وبخاصة بعد انتخابات تشريعية، وقبيل وقت ليس ببعيد على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون.
وتأتي هذه الاستشارات المقررة بعيد ظهور تشكيلات نيابية جديدة، ربما قادرة على رفع الصوت الاعتراضي، لكنها ليست قادرة على إحداث تغييرات وازنة متصلة بالأوزان والأحجام الجديدة التي تتصف بأكثريات متعددة، لكن يصعب جمعها ضمن مواقف محددة، ما يشتّت أدوارها المحتملة، وبالتالي قدراتها على فرض مسارات محدّدة باتجاه التغيير، لا سيما وأن طبيعة الاستشارات النيابية ملزمة، وينبغي الأخذ بنتائجها وعدم إمكانية تجاوزها أو عدم الأخذ بها.
في أي حال من الأحوال، يمكن رسم صور تقريبية تشبيهية للاستشارات التي يبدو أنها ستعيد تكليف رئيس الحكومة الحالي للتأليف نجيب ميقاتي، إلا إذا حصلت معجزة، وهي غير واردة في الحسابات الخارجية والداخلية، لا سيما وأن المرشحين المنافسين لا يمتلكون حظوظاً وافرة للمنافسة.
ولذلك من المفترض أن يكلف الرئيس الحالي مجدداً لتشكيل الحكومة، ولو بمجموع أصوات أقل مما نالها عند تشكيل حكومته القائمة حالياً.
وإذا كان حجم التكليف لا يرقى إلى مستويات سابقة، فإن محاولة التشكيل لن تشذّ عن السياقات السابقة، فالأجواء السائدة تشير إلى عدم التوافق على أحجام التمثيل في الحكومة العتيدة، أو لجهة نوعية الوزارات، ما يشي  كالعادة  بإطالة محاولة التشكيل إذا تمت أصلاً، وثمة من يحاول الجزم بألا حكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية؛ الأمر الذي يعني أن حكومة تصريف الأعمال القائمة حالياً، ستتابع عملها وتمارس معظم صلاحيات رئيس الجمهورية بصفة مجتمعة.
في المقابل سرت مؤشرات وتسريبات مفادها أن ثمة محاولات لتسهيل التشكيل ولو بصيغ تعويمية للحكومة القائمة؛ أي إعادة تظهيرها مع بعض التعديلات التي تطال بعض الوزراء، إلا أن ما ظهر مؤخراً لم يعد هذا الخيار وارداً، لا سيما وأن فرقاء أساسيون في التشكيلة القائمة، ابتعدوا عملياً وواقعياً عن إمكانية تسمية رئيس الحكومة الحالي، ما يعني إشاحة النظر عن مجمل هذا السياق أو ما يمتّ له بصلة.
وعلى الرغم من تعدد الأسماء (ولو شكلياً لتولي التكليف)، فإن ثمة رأياً واضحاً للمضي في الخيار المشار إليه، على الرغم من ضبابية التوصل إلى مآلات التشكيل التي ستكون صعبة كما يبدو. وهنا تظهر صور دستورية مربكة لجهة استمرار حكومة تصريف أعمال بعد انتخابات نيابية، وربما فراغ رئاسي محتمل.
في المحصلة، ثمة سوابق كثيرة باتت مكرسة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، وهي سرعة وقوع لبنان في أزمات حكومية سرعان ما تتحوّل أيضاً إلى أزمات حكم تؤجج المطالب بإعادة النظر في طبيعة النظام، والمضي في المطالبة بمؤتمر تأسيسي لعقد اجتماعي سياسي جديد، وهو عادة ما يكون مكلفاً كثيراً ويستهلك الكثير من الوحدة الوطنية، ويأخذ الأمور نحو انقسامات عمودية شديدة التعقيد والتداعيات.
ستنطلق الاستشارات النيابية الملزمة والعين شاخصة أيضاً على كثير من القضايا الحساسة كترسيم الحدود البجرية، وما سينتج عنها لاحقاً، وهو أمر يستدعي أولاً وأخيراً تشكيل حكومة دستورية فاعلة قادرة على تقديم الحلول ومجابهة المصاعب في ظروف لم يشهد مثلها لبنان منذ قيامه في عام 1920. فهل ستمر هذه الاستشارات كما يفترض؟ أم ستكون مناسبة لفرط عقد ما تبقى من سلطة تهاوت في غياب أي حل أو بديل؟.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى