شؤون إسرائيلية

خلدون البرغوثي يكتب – هكذا حوّل نتنياهو الشرطة الإسرائيلية إلى أداة سياسية لقمع المتظاهرين ضده !

خلدون البرغوثي * – 20/10/2020

مستوى القمع الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية ضد المتظاهرين المطالبين بتنحي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بسبب التهم الجنائية التي يواجهها وفشله في إدارة أزمة كورونا صحيا واقتصاديا، يثير تساؤلات وجدلا حول تحويل اليمين الإسرائيلي خاصة نتنياهو وحزب الليكود لسلطات إنفاذ القانون إلى أداة لتنفيذ أجندتهم السياسية اليمينية، في مواجهة من يعارضهم، وكذلك استغلال قيود كورونا لممارسة القمع السياسي ضد المعارضة. ويعمق جدية هذه التساؤلات مستوى “التسامح” وأحيانا “التواطؤ” الذي مارسته الشرطة الإسرائيلية تجاه ومع التيار الحريدي الذي تحدى قيود الإغلاق بشكل سافر، رغم أن معطيات وزارة الصحة الإسرائيلية تؤكد أن نسبة تفشي كورونا بين اليهود الحريديم المتشددين دينياً هي الأعلى في مكونات المجتمع الإسرائيلي.

تآمر الوزير أوحانا وقادة الشرطة على المتظاهرين

برزت مؤخرا عدة تصريحات وسلوكيات تؤكد اتخاذ وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا (الليكود) وقادة وعناصر في الشرطة الإسرائيلية موقفا يمينيا منحازا لنتنياهو ضد معارضيه، في سلوك يعتبر مناقضا للحيادية السياسية المطلوبة من سلطات إنفاذ القانون. فخلال مقابلة مع القناة الثالثة عشرة في 14 تموز الماضي على هامش تظاهرة مناوئة لنتنياهو، وثق أحد المتظاهرين قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس اللواء دورون يديد وهو يقول: “تنظم هنا تظاهرة لليسار ضد رئيس الحكومة” حين قاطعه متظاهران، أحدهما سيدة قالت إن التظاهرة ليست لليسار، بل يشارك فيها متظاهرون من جميع التيارات السياسية، مشيرة إلى أنها من مناصري حزب الليكود، لكنها تشارك في التظاهرة ضد نتنياهو.

في المقابلة ذاتها التي بثتها القناة 13 في اليوم ذاته وصف يديد المتظاهرين بـ”الفوضويين” أو “مثيري الشغب”. ويديد هو أحد المرشحين المحتملين لتولي منصب القائد العام للشرطة. والمنصب شاغر حاليا بسبب الخلاف على التعيينات بين الليكود و”أزرق أبيض”، ويعتبر يديد مقربا من الوزير أوحانا الذي قد يزكيه لقيادة الشرطة.

بعد أسبوعين من هذه المقابلة كشف تسريب مسجل عن مضمون لقاء مغلق جمع قادة الشرطة في القدس بمن فيهم يديد نفسه مع أوحانا الذي كان يضغط على قادة الشرطة لقمع التظاهرات خاصة أمام مقر المقر الرسمي المخصص لرئيس الحكومة نتنياهو في شارع بلفور في القدس. ويسمع في الاجتماع أوحانا وهو يحرض الشرطة الإسرائيلية على تحدي قرار قضائي يحمي حق التظاهر. ويتساءل أوحانا “لماذا لا يتم تحدي قرار المحكمة العليا؟”، ويضيف “لماذا لا نمنع ذلك (التظاهرات)؟”. كما يصف المتظاهرين بأنهم “فوضويون” ويقول “إنه يجب عدم استمرار مثل هذا الوضع”.

بالمقابل يسمع صوت يديد وهو يرد على تساؤلات أوحانا قائلا: “إن أفراد الشرطة يصدرون مخالفات ضد المتظاهرين أمام مقر سكن نتنياهو بشكل مكثف بدعوى عدم وضعهم الكمامات، فيما لا يتم إصدار مثل هذه المخالفات في أماكن أخرى”.

كما نقلت وسائل الإعلام العبرية عن قادة في الشرطة الإسرائيلية عدة تصريحات تضعهم في موقع الند للمتظاهرين، وذكر تقرير للقناة 11 التابعة لهيئة البث الإسرائيلية في 23 آب الماضي أن ادعاءات الشرطة حول استخدام المتظاهرين العنف ليست صحيحة، بل كان أفراد الشرطة هم المبادرون لاستخدام العنف ضد المتظاهرين، حسبما أظهرت عدة مقاطع فيديو كانت تبث من التظاهرة بشكل مباشر.

جدل في الكنيست ودفاع الليكود عن القمع

وفي جلسة للجنة الداخلية في الكنيست في 24 آب تفجر جدل بين أعضاء اللجنة والوزير أوحانا الذي دافع عن سلوك الشرطة العنيف تجاه المتظاهرين. وقال رئيسة اللجنة عضو الكنيست عن حزب “أزرق أبيض” ميكي حايموفيتش إن الشرطة هي التي تبادر عن قصد إلى استخدام العنف ضد المتظاهرين، مشيرة إلى أكثر مقاطع الفيديو انتشارا وهو اعتداء ضابط كبير في الشرطة يدعى نيسو غويتا على متظاهرين، ما استدعى إخضاع هذا الضابط للتحقيق في قسم التحقيقات في الشرطة تحت التحذير، بعد انتشار التصوير.

أوحانا انبرى للدفاع عن سلوك الشرطة العنيف تجاه المتظاهرين في الجلسة، التي استدعي لحضورها أيضا اللواء دورون يديد، الذي حاول تبرير الاعتداءات على المتظاهرين ضد نتنياهو رغم أن الفيديوهات التي عرضت في الجلسة كانت تناقض ادعاءاته.

كما دافع القائم بأعمال مفوض عام الشرطة اللواء موتي كوهين عن سلوك الشرطة العنيف، ونقلت عنه صحيفة “غلوبس” قوله “أنا أشد على أيدي القادة وأفراد الشرطة الذين يواجهون تحديات معقدة ومهام كثيرة”.

التملق لأوحانا بقمع المتظاهرين ضد نتنياهو

تصريحات كوهين هذه لاقت انتقادات من قادة التظاهرات ضد نتنياهو، ونقلت “غلوبس” عن قادة منظمة “الرايات السوداء” قولهم “إنه من المؤسف رؤية استسلام اللواء كوهين التام للمستوى السياسي. والسيطرة العدائية من قبل المتهم (نتنياهو) ووزير الكراهية أوحانا يجب أن تجابه بحائط صد هو الشرطة الإسرائيلية، فمهمة هذه الشرطة هي حماية الحق الديمقراطي في التظاهر وليس قمع التظاهرات بالعنف”. فيما اعتبرت منظمة “كرايم- مينيستر” (رئيس حكومة الجريمة) أن “كوهين يسعى لأن يظهر بشكل جيد أمام أوحانا، (...) وأن الشرطة في ظل أوحانا وغياب مفوض عام لها أصبحت شرطة سياسية تخدم متهماً جنائياً، وإن لم يدرك المستوى القيادي في الشرطة هذا الوضع ويوقف هذا الجنون فسيتدهور ليصل إلى فقدان الثقة بالشرطة بشكل مطلق”.

صحيفة “هآرتس” من ناحيتها نقلت عن قادة كبار سابقين في الشرطة الإسرائيلية انتقاداتهم الشديدة لطريقة تعامل الشرطة مع المتظاهرين ضد نتنياهو. وحسب هؤلاء فإن وزير الأمن الداخلي أوحانا يستغل شغور منصب مفوض عام للشرطة لدفع الشرطة لقمع التظاهرات، بالمقابل يسعى قادة الألوية خاصة يديد إلى استرضاء أوحانا عبر قمع المتظاهرين بعنف من أجل تحسين فرص ترشيحهم لمنصب المفوض العام للشرطة.

نتنياهو.. مواجهة المتظاهرين بدل مواجهة كورونا

هذا الفعل على الأرض وازاه سعي نتنياهو لمنع التظاهرات ضده في إطار قانون الطوارئ، لكنه جوبه برفض شركائه في حزب “أزرق أبيض” والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت لهذه الخطوة.

وذكر موقع i24 الإخباري أن حزب الليكود حاول في الأسبوع الأخير من شهر أيلول الماضي منع التظاهرات التي يشارك فيها عشرات الآلاف أمام مقر سكنه الحكومي في القدس من منطلق “فرض قيود على التجمهر، وضرورة التباعد الاجتماعي، لمكافحة انتشار فيروس كورونا”، إلا أنه لم يفلح، وسط إصرار خصومه داخل الحكومة (“أزرق أبيض”) على استثناء التظاهرات من قيود مكافحة كورونا، لأن “التظاهر هو حق أساس في النظام الديمقراطي”.

ليبرمان: نتنياهو يقود إسرائيل إلى الهلاك

في مقابلة مصورة مع موقع “واينت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت” قال زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان إن نتنياهو ليس معنيا بمكافحة كورونا ولا بأزمة إسرائيل الصحية بقدر ما هو معني بقمع التظاهرات ضده.

واتهم ليبرمان نتنياهو بأنه يسعى إلى هدفين، الأول النجاة شخصيا وسياسيا من المحاكمة، والثاني التسبب بانقسام الشعب في إسرائيل. وقال ليبرمان إن نتنياهو سيقود إسرائيل إلى الهلاك.

فشل ونجاح جزئيان لنتنياهو

رغم تهديد قادة الليكود بالسعي لتمرير منع التظاهرات عبر الكنيست، أو فرضه عبر قرار تتخذه الحكومة، رفض حزب “أزرق أبيض” على لسان زعيمه بيني غانتس استخدام قوانين الطوارئ ضد التظاهرات، ما أفشل مساعي نتنياهو في هذا الاتجاه في البداية.

كما كان للمستشار القانوني لوزارة الصحة الاسرائيلية رأيه المعارض لمنع التظاهرات. وقال في تصريحات نقلها موقع “واللا” الإخباري “إنه يوجد مانع قانوني لتقييد المظاهرات بموجب قوانين الطوارئ ومثل هذه الخطوة تعتبر غير دستورية”. وجاء موقف المستشار بعد طلب وزير الصحة يولي إدلشتاين (الليكود) رأيه القانوني في القضية كون إدلشتاين كوزير للصحة يتصدر واجهة العمل على فرض إجراءات لمواجهة تفشي كورونا. وتطابق رأي المستشار أيضا مع رأي المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية مندلبليت.

غامزو: نتنياهو فرض الإغلاق الشامل لوقف التظاهرات

كما أشارت تقارير صحافية أخرى إلى أن الأزمتين الصحية والاقتصادية ليستا على رأس سلم أولويات نتنياهو، وأنه كان يسعى لاستغلال الإغلاق لقمع التظاهرات. ونقلت القناة 13 الإسرائيلية عن منسق مكافحة كورونا البروفسور روني غامزو في 24 آب تصريحات قال فيها إن قرار نتنياهو فرض إغلاق تام “مثير للاشمئزاز (…) وأمر غير مسبوق في البلد”.

وأوضح غامزو أن نتنياهو كان يتساءل خلال النقاشات حول مواجهة كورونا عن الأسباب التي تحول دون منع التظاهرات.

وأشار غامزو إلى أن النقاش في الليلة السابقة لاتخاذ قرار الإغلاق كان يتناول “إبقاء بعض النشاطات الاقتصادية مفتوحة. لكن في الصباح التالي دُهشنا من التغيير في موقفه (نتنياهو). واستيقظنا على تصريحاته بأنه يريد فرض حالة الطوارئ في إسرائيل”.

وكان غامزو ونائب مدير عام وزارة الصحة إيتمار غروتو يتبنيان التوصيات بإبقاء قطاعات اقتصادية مفتوحة، لكن نتنياهو وسعياً منه لمنع التظاهرات ضده، خالف توصياتهما وذهب إلى خيار الإغلاق التام.

وأكد نتنياهو نفسه في الجلسة ذاتها أن مسعاه الحقيقي هو قمع الحراك المناهض له عندما قال “إنه ومع انتهاء الإغلاق الشامل يتوجب العمل على وضع صيغة لتقييد التظاهرات”.

وأشار محلل القناة 13 رفيف دروكر في تقرير إلى أن هذا التصريح يثبت نوايا نتنياهو المرتبطة بقمع حق التظاهر وإعطاء ذلك أولوية على حساب مكافحة الجائحة.

بناء على قرار نتنياهو تم فرض الإغلاق الشامل في فترة الأعياد اليهودية بين الرابع والعشرين من أيلول وحتى العاشر من الشهر الجاري. لكنه لم يتمكن من منع التظاهرات بل حصرها في مجموعات من عشرين شخصا فقط في محيط لا يتجاوز كيلومتر واحد عن مساكن المتظاهرين.

الوجه الآخر.. تساهل نتنياهو وتواطؤ الشرطة مع الحريديم

في الطرف الآخر من المعادلة، فإن طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو وقادة شرطتها مع التيارين الحريدي والحسيدي الرافضين بشكل شبه مطلق الانصياع لقيود كورونا، أثبتت أن نتنياهو وضع الاعتبار السياسي- الانتخابي على حساب أية اعتبارات صحية- قانونية. فالحريديم هم المصوتون الرئيسيون لحزبي شاس (التيار الحريدي الشرقي) ويهدوت هتوراه (التيار الغربي)، شريكي نتنياهو في الحكومة.

وكشفت عدة تسريبات صحافية ليس فقط عن تجنب الشرطة الإسرائيلية قمع المصلين المتدينين الذين ينتهكون كافة قيود كورونا، بل تواطؤ قادة في الشرطة مع قادة التيار الديني، لغض الطرف عن كسرهم قيود كورونا، رغم أن البلدات والأحياء ذات الغالبية المتدينة تعتبر من أعلى المناطق الموبوءة وذات نسبة الإصابة المرتفعة بكورونا. وحسب معطيات نشرتها وزارة الصحة الإسرائيلية بتاريخ 10 تشرين الأول الحالي فإن نسبة المصابين بكورونا من بين المفحوصين في البلدات الحريدية مثلا بلغت 25 بالمئة مقارنة بـ 7.4 بالمئة على مستوى البلد.

ونقلت القناة 12 عن البروفسور عيران سيغال، من معهد “فايتسمان للعلوم”، معطيات تشير إلى أن 46 في المئة من الإصابات النشطة بكورونا في إسرائيل هي في المجتمع الحريدي رغم أن نسبة الحريديم هي 12 في المئة من نسبة سكان البلد.

ورغم هذه المعطيات كشفت صحيفة “هآرتس” في 6 تشرين الأول أن الشرطة الإسرائيلية في القدس توصلت إلى تفاهمات مع عدة مجموعات حريدية متشددة في حي “ميئا شعاريم”، تسمح لأعضائها بموجبها بتنظيم تجمعات للصلاة بمشاركة الآلاف عشية عيد العُرُش، بشرط أن لا يتم تصوير ونشر ذلك. والشرطة الإسرائيلية التي نفت ما كشفته الصحيفة، حاولت إظهار سعيها لفرض الإغلاق في الأحياء الحريدية باعتقال بعض مخالفي الإغلاق، لكنها امتنعت عن دخول المدارس الدينية التي كانت تنظم فيها احتفالات جماعية ضخمة. ونفت الشرطة حدوث مثل هذه التجمعات بالادعاء أنه لا توجد صور تؤكد حدوثها، متهمة صحيفة “هآرتس” باختلاق هذه التقارير.

بعد يومين كشفت “هآرتس” أيضا مضمون محادثة هاتفية بين قائد شرطة مستوطنة “موديعين عيليت” تساحي حلفون، وأحد قادة التيار الحريدي، قال فيها حلفون إنه لن يعمل على فرض قيود منع التجمع في الكنس، لكنه طلب من الحريديم التظاهر بأنهم ملتزمون بهذه القيود. ومع نشر المحادثة الهاتفية المسجلة، استدعي حلفون من قبل قادته للاستيضاح منه عن هذه القضية (للمفارقة ذكرت وسائل إعلام عبرية لاحقا أن حلفون نفسه أصيب بكورونا).

كشف تواطؤ الشرطة مع الحريديم دفعها للصدام معهم

وعقب تراكم الاتهامات والأدلة التي تؤكد غض الشرطة الطرْف عن مخالفة الحريديم والحسيديم لقيود كورونا، اضطرت كما يبدو لانتهاج مقاربة متشددة تجاههم، فوقعت صدامات عنيفة في أكثر من منطقة كان أبرزها اقتحام حفل زفاف حريدي مساء 14 تشرين الأول الحالي في “جفعات زئيف” (القدس المحتلة) ووقوع صدام بين عناصر الشرطة والمشاركين في الحفل وإصابة شقيق العروس وشرطي بجروح. كما انتشرت مقاطع فيديو تظهر ضابطا يلطم حريديا قاصرا، وشرطياً يلقي وعاء بلاستيكيا على طفل خلال عمليات فض تجمعات حريدية. ووقعت صدامات عنيفة في الأيام السابقة لعيد الغفران الأسبوع الماضي في القدس وبني براك.

نتنياهو نفسه أحس بالقلق من توتر علاقته بالحريديم الذين دعا بعضهم من قادة شاس ويهدوت هتوراه للانسحاب من الائتلاف الحكومي. وكتب محرر الشؤون اليهودية في صحيفة “يسرائيل هيوم” حنان جرينوود تقريرا تحت عنوان “التيار الحريدي على وشك الانفجار: حفل الزفاف في جفعات زئيف هو مؤشر على تفاعلات غير مسبوقة”، أشار فيه إلى أن نتنياهو القلق من توتر العلاقة مع الأحزاب الدينية اتصل بوزير الأمن الداخلي أوحانا، وطلب منه التحقيق في حادثة اقتحام حفل الزفاف في “جفعات زئيف” ونشر نتائج التحقيق على الملأ، بغية امتصاص غضب قادة التيار الديني الموالي له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى