شؤون إسرائيلية

نفتالي بينيت.. بين رئاسة الحكومة والانتخابات الخامسة !

خلدون البرغوثي – 22/2/2021

برز اسم أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، في الجولات الانتخابية الثلاث في إسرائيل باعتباره بيضة القبان التي يمكن أن ترجح كفة إحدى الكتلتين (اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، والوسط- يسار بزعامة بيني غانتس) لتشكيل ائتلاف حكومي، لكن التحولات الناتجة عن شق غانتس حزب “أزرق أبيض” وتشكيله ائتلافا حكوميا مع نتنياهو، وانشقاق جدعون ساعر عن الليكود وتشكيله حزبا جديدا بات محسوبا على كتلة “رافضي بقاء نتنياهو في الحكم”، هذه التحولات نحّت بشكل كبير ليبرمان عن كونه بيضة القبان ووضعته في إطار كتلة مناهضي نتنياهو، ودفعت هذه التطورات من ناحية ثانية بزعيم حزب “يمينا” نفتالي بينيت إلى الواجهة كبيضة قبان جديدة بدل ليبرمان رغم اعتباره أكثر قربا لنتنياهو من مناهضيه.

وفيما كانت استطلاعات الرأي في الانتخابات السابقة بجولاتها الثلاث تضع ليبرمان خارج الكتلتين المتنافستين، بات بينيت يحتل هذا الموقع في الاستطلاعات الحالية، لكن الفرق بينه وبين ليبرمان أن انحياز الأخير لإحدى الكتلتين كان كافيا لترجيح كفتها في معظم الاستطلاعات والسيناريوهات، أما نفتالي بينيت ففي معظم الاستطلاعات قد لا يرجح كفة كتلة اليمين (مريدي نتنياهو) تحديدا، في مواجهة كتلة (رافضي بقاء نتنياهو في الحكم). وحسب رصد هيئة البث الإسرائيلية لكافة استطلاعات الرأي منذ بداية الشهر الحالي حتى الآن، فإن معدل ما يمكن أن تحصل عليه كتلة اليمين (الليكود والأحزاب الحريدية والصهيونية الدينية و”يمينا”) يتأرجح بين 58.4 – 59.8 مقعد، وهذه ليست كافية لتشكيل ائتلاف حكومي حسب قانون أساس: الحكومة.

بينيت .. من وزير في حكومة نتنياهو إلى ند سياسي

دخل بينيت عالم السياسة في إسرائيل من الباب الذي أتاحه له نتنياهو بصفته زعيما للمعارضة في الكنيست عام 2005، بتكليفه مهام إدارة طاقمه. وبينيت ذو خلفية عسكرية (رائد في الاحتياط من وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة “سييرت متكال”)، كما أسس وعمل في شركتين في مجال الأمن الإلكتروني.

انتخب عضوا في الكنيست الـ19 في انتخابات 2013 على رأس حزب “البيت اليهودي” وحصل على 12 مقعدا. وتولى عدة وزارات في حكومات نتنياهو. كما أصبح عضوا في المجلس الوزاري السياسي- الأمني ورئيس المجلس الوزاري المصغر لخفض غلاء المعيشة، وبعد مخاضات ومعارك سياسية أسس هو وأييلت شاكيد حزب “يمينا” الذي يقوده حاليا وحصل في الانتخابات الأخيرة في أيار 2020 على ستة مقاعد، وانشق عنه ثلاثة من أعضائه فبقي بينيت وشاكيد ومتان كهانا حاليا ممثلين للحزب في الكنيست.

فشل بينيت وشاكيد في الانتخابات العامة التي جرت في نيسان 2019 في الحصول على أي مقعد لحزبهما الذي شكلاه باسم “اليمين الجديد” – بعد انشقاقهما وهما وزيران عن حزب “البيت اليهودي”، وباتا وزيرين غير أعضاء في الكنيست، وانتهى بهما الأمر إلى الطرد من الحكومة بقرار من نتنياهو. ثم تراجع عن هذه الخطوة خوفا من انضمامها إلى حزب “أزرق أبيض” بزعامة غانتس، وعرض على بينيت وزارة الدفاع.

سبق ذلك، تصاعد المواجهات على السياج المحيط بقطاع غزة ضمن فعاليات “مسيرات العودة” وبعض المواجهات العسكرية التي شملت إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. وصعّد بينيت من انتقاداته لسلفه في وزارة الدفاع أفيغدور ليبرمان، واتهمه بالعجز عن الانتصار في مواجهة الفلسطينيين في غزة، مطالبا نتنياهو بسحب هذه الوزارة من ليبرمان وتكليفه بها. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن بينيت قوله “توجهت بطلب إلى رئيس الحكومة كي يكلفني بمهام وزير الدفاع من أجل تحقيق هدف واحد فقط، هو إعادة إسرائيل إلى الانتصار، ولتغيير مسيرة السفينة الأمنية الوطنية”.

واستمرت انتقادات بينيت لليبرمان وأحيانا لنتنياهو، حتى تسلم وزارة الدفاع.

انعكست تصريحات بينيت هذه في استطلاعات الرأي لصالحه قبل تسلمه وزارة الدفاع، فصعد حسب استطلاع لصحيفة “مكور ريشون” في شهر حزيران 2019 من ثمانية إلى عشرة مقاعد تاركا ليبرمان خلفه بستة مقاعد، الأمر الذي دفع ليبرمان لاحقا إلى تبني خطاب بينيت التصعيدي في محاولة منه لاستعادة بعض تأييد الإسرائيليين له عبر الادعاء أن نتنياهو هو الذي يمنعه من الرد بشدة على “مسيرات العودة” وإطلاق البالونات الحارقة من القطاع، وصولا الى استقالة ليبرمان من وزارة الدفاع في تشرين الثاني 2018 ودخول إسرائيل في ثلاث جولات انتخابية.

ومع شعور نتنياهو بالضيق بسبب تصريحات بينيت المنتقدة لسياساته تجاه قطاع غزة (عبر انتقاد ليبرمان) من ناحية، وخوفه من انضمام بينيت إلى “أزرق أبيض” من ناحية أخرى، تم تكليفه بوزارة الدفاع في تشرين الثاني 2019، فكان أداؤه نسخة ثانية عن أداء ليبرمان الذي كان محكوما باعتبارات نتنياهو السياسية لتجنب مواجهة عسكرية في قطاع غزة في ظل أجواء انتخابية. دفع هذا الأمر بينيت نفسه لاحقا لتكرار اتهامات ليبرمان لنتنياهو بأنه هو الذي كان يكبل يديه تجاه شن عملية عسكرية ضد القطاع. ونقل موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن بينيت قوله في أيار 2020 إن “نتنياهو ضعيف في مواجهة حماس، سنذهب إلى صفوف المعارضة”، تاركا الائتلاف الحكومي.

التقارب والتباعد بين نتنياهو وبينيت لم يكن محصورا في المستوى السياسي، بل تعداه إلى المستوى الشخصي، ويبدو أن أثره بقي حاضرا في علاقتهما. والقناة الثانية عشرة العبرية كشفت في كانون الأول 2019 أن نتنياهو طلب من شاؤول ألوفيتش، مالك موقع “واللا” الإخباري، مهاجمة جيلات، زوجة نفتالي بينيت، والتشكيك بالتزامها بتعاليم الدين اليهودي، الأمر الذي أغضب بينيت ودفعه لمطالبة نتنياهو بالاعتذار لزوجته، واصفا محاولة إلحاق الأذى بها بأنها “تصرف حقير وجبان”!

بينيت رئيسا للحكومة!

لا يخفي نفتالي بينيت طموحه في الوصول لمنصب رئيس الحكومة، فهو يصف نفسه على حساباته الشخصية الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه “مرشح لرئاسة الحكومة، وزير الدفاع العشرون لدولة إسرائيل، رئيس حزب يمينا…”، إضافة إلى وجود موقع إلكتروني يقود إلى حسابات بينيت هذه، وهو تحت عنوان “نفتالي بينيت لرئاسة الحكومة”.

مع ذلك، يحاول بينيت حاليا إظهار أنه على مسافة واحدة – نوعا ما- من طرفي التنافس (كتلة مريدي نتنياهو وكتلة مناهضيه)، لذلك فإنه يتعرض لضغوط من الطرفين لاتخاذ موقف صريح. ويضغط مناهضو نتنياهو تحديدا على بينيت لتحديد موقفه من نتنياهو بشكل خاص.

ففي رسالة رسمية وجهها ليبرمان بتاريخ 17 شباط الحالي لبينيت طالبه بالإعلان عن موقفه تجاه مشروعي قانونين يمكن أن يمنعا أو يمنحا نتنياهو الحصانة من المحاكمة، والقانونان هما تعديل قانون الحصانة الحالي لأعضاء الكنيست، أو القانون الفرنسي الذي يمنع محاكمة رئيس حكومة خلال فترة توليه منصبه.

وطالب ليبرمان بينيت حسب صحيفة “معاريف” التي نشرت الرسالة، بضرورة الإفصاح لجمهور الناخبين عن موقفه من مشروعي القانونين. لكن حزب “يمينا” تهرب من الإجابة عن تساؤلات ليبرمان وكتب: “يا إيفيت (اسم ليبرمان الروسي)، بينيت مشغول حاليا في معالجة مصادر دخل مواطني إسرائيل، عليك التوجه بالسؤال إلى إسماعيل هنية فلديك الكثير من وقت الفراغ لألاعيبك”.

في المقابل، يسعى المنشق عن الليكود ومؤسس حزب “أمل جديد” جدعون ساعر إلى استقطاب بينيت، وكتب في تغريدة على “تويتر” الخميس الماضي: “نفتالي بينيت.. من المهم لإسرائيل أن نكون معا ونحدث تغييرا في الدولة. مصلحة الدولة تقتضي تغيير نتنياهو من أجل توحيد الشعب وإقامة حكومة مستقرة. حزب ’أمل جديد’ سيركز على ذلك فقط. وأنت لست نداً لنا، واستمرار الصراع بيننا يخدم نتنياهو وحده. لذلك سنوقف من ناحيتنا هذا الصراع، حتى لو كان من طرف واحد”.

وجاءت هذه الرسالة من ساعر لبينيت بعد يوم واحد من اتهامه لساعر بمحاولة تشويهه عبر نشر معلومات مسيئة له عبر صفحات مجهولة، ممولة، تبين لاحقا بعد تحقيق لجنة الانتخابات الإسرائيلية أن بعض ممولي المنشورات المسيئة لبينيت هم محامون يمثلون حزب ساعر.

وحسب القناة الثانية عشرة التي نشرت هذه التفاصيل فإن حزب “أمل جديد” اتهم بينيت بأنه “يخدم نتنياهو ويسعى إلى القضاء على فرصة من قد يشكل بديلا له”.

رئيس حكومة بعشرة مقاعد!

يقول الكاتب شموئيل روزنر في تحليل نشرته صحيفة “معاريف” إن قادة الحكومات الإسرائيلية الذين اعتبر فوزهم بالانتخابات انقلابا سياسيا، كانوا مدعومين بعشرات أعضاء الكنيست من أحزابهم (مناحيم بيغن- 43 عضو كنيست عام 1977، إسحاق رابين- 44 عضو كنيست عام 1992، نتنياهو- 27 عضو كنيست عام 2009) لكن حاليا يسعى بينيت لأن يصبح رئيسا للحكومة بعشرة أعضاء كنيست من حزبه الذي سيحتل الموقع الرابع بعد الليكود و”يوجد مستقبل” و”أمل جديد”، حسب معظم استطلاعات الرأي.

روزنر يضيف: “يمكن أن تسموا ذلك وقاحة إسرائيلية.. سموها ما شئتم، لكن هذا ما يريده بينيت”، ويضيف أن لا مانع قانونيا يحول دون حدوث ذلك طالما أن هذا الائتلاف قد يحصل على ثقة الكنيست. من ناحية سياسية، يرى روزنر أن الحسابات قد تتيح لبينيت محاولة وضع رئاسة الحكومة هدفا له، حتى لو أثار ذلك سؤالا حول شرعية استغلال رئيس حزب متوسط إلى صغير وضعا سياسيا معقدا كي يصبح رئيسا لحكومة الجميع، بعشرة أو باثني عشر مقعدا في الكنيست.

هل سيقبل نتنياهو ذلك؟

إذا سعى بينيت إلى تناوب رئاسة الحكومة فإنه قد يقترح على نتنياهو تولي المنصب مدة ثلاث سنوات، وهو سنة واحدة، حسب عدد مقاعد حزبيهما، 30 لليكود، و10 لـ”يمينا”، لكن سيشترط بينيت أن يتولى هو السنة الأولى في الحكومة الجديدة، كما يقول روزنر. نتنياهو سيتفرغ في هذه السنة لمحاكمته، وقد يتولى رئاسة لجنة الخارجية والأمن لأنه لا يستطيع تولي أي منصب وزاري كونه يواجه تهما جنائية.

هذا هو السيناريو الذي قد يضع بينيت في حكومة واحدة مع نتنياهو، وفي المقابل يطرح روزنر سيناريو آخر، قد يحرم بينيت من محاولة ابتزاز الأحزاب الكبيرة (الليكود و”يوجد مستقبل”)، وذلك باتفاق نتنياهو ولبيد على أمر واحد يعلنانه بعد الانتخابات، وهو أن الليكود أو “يوجد مستقبل” فقط، بصفتهما الحزبين الأول والثاني في الكنيست، هما اللذان سيشكلان أية حكومة (ليس ضمن تحالف بينهما بالطبع)، وفي حالة رفض نفتالي بينيت ذلك، فإنه سيتحمل مسؤولية ذهاب إسرائيل إلى انتخابات خامسة.

ويمكن في هذه الحالة أن يقدم لنتنياهو عرضا يحصل حزب “يمينا” بموجبه على وزارتي الدفاع له، والعدل لأييلت شاكيد، مقابل ائتلاف حكومي مستقر. لكن العرض سيتضمن شرطا على نتنياهو، هو قيام بينيت بحل الحكومة وبالانضمام لمنافسي نتنياهو لتشكيل حكومة بديلة في حالة إقدامه على أية خدعة.

سيناريو مشابه، قد يذهب بينيت إليه، لكن مع لبيد، وربما مع لبيد وساعر، ويتولى فيه وزارة الدفاع وشاكيد وزارة العدل، بالمقابل على لبيد القضاء على بواقي اليسار خاصة زعيمة حزب العمل الجديدة ميراف ميخائيلي، والسماح لشاكيد بالتفرغ للنظام القضائي حسب رؤيتها، فيما سيعمل ساعر على منع تقديم أية مبادرة سلام سرية تتضمن تنازلات وانسحابات.

انتخابات خامسة ؟

ستحدد التطورات المتعلقة بأزمة كورونا صحيا واقتصاديا، وصورة نتنياهو في المحكمة إذا عقدت الجلسة المقبلة قبيل الانتخابات، عدد مقاعد الكتلتين وقدرة بينيت على المناورة بينهما، ويبدو من استطلاعات الرأي أن هناك فرصة ضئيلة لبينيت للسعي على الأقل لتحقيق مراده، لكنها تظل فرصة قائمة، وفي حال وجد نفسه المرجح لإحدى الكتلتين، فمن الواضح أنه سيأخذ العبرة مما وقع فيه بيني غانتس في تحالفه مع نتنياهو، وقد يعصر الأخير حتى يحقق جزءا من طموحاته، فهو في النهاية أقرب فكريا إلى نتنياهو من الكتلة التي تسعى إلى التخلص من حكمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى