شؤون إسرائيلية

حكومة نتنياهو تصطدم بأزمات تعيين درعي وزيراً وتوزيع الصلاحيات وتدهور الأوضاع الاقتصادية!

برهوم جرايسي

برهوم جرايسي 23-1-2023: حكومة نتنياهو تصطدم بأزمات تعيين درعي وزيراً وتوزيع الصلاحيات وتدهور الأوضاع الاقتصادية!

قبل أن ينتهي الأسبوع الثالث من بدء عمل حكومة بنيامين نتنياهو، اصطدمت الحكومة بجوانب إشكالية في اتفاقيات الائتلاف، التي ضمنت تشكيل الحكومة، خاصة في مسألة تعيين المدان بالفساد المالي آرييه درعي (شاس) وزيرا، وهو ما رفضته المحكمة العليا؛ وأيضا تعقيدات توزيع الصلاحيات في وزارة الدفاع، التي تسببت في نهاية الأسبوع الماضي بصدامات بين ثلاثة وزراء، في مشهد غير مسبوق، حول إخلاء بؤرة استيطانية. وفي الميدان تتسع المظاهرات في المدن الكبرى، ضد مخطط ضرب صلاحيات المحكمة العليا؛ وبموازاة كل هذا، فإن تقرير التضخم المالي، وتقرير الفقر الرسمي، الصادرين في الأيام الأخيرة، يعكسان عمق الأزمة الاقتصادية على مستوى الجمهور العام.

وفي مطلع الأسبوع الجاري، اضطر رئيس الحكومة نتنياهو لإقالة زعيم شاس، آرييه درعي، وبالاتفاق معه، من منصبه الوزاري المزدوج: الداخلية والصحة، بعد أن قررت المحكمة العليا عدم شرعية تعيين درعي وزيرا، لأن المحكمة أدانته في شهر شباط العام الماضي 2022، بجنحة التهرب الضريبي، وقد أبلغ درعي المحكمة قراره باعتزال السياسة، وعلى هذا الأساس فرضت عليه سجنا مع وقف التنفيذ، وغرامة مالية، واستقال درعي يومها فورا من الكنيست، إلا أن المحكمة لم تفرض عليه “وصمة عار قانونية”، تمنعه من العودة الى السياسة، ولهذا فقد ترشح للكنيست على رأس قائمة حزبه في الانتخابات الأخيرة.

ولغرض تعيينه وزيرا أقدم الائتلاف الحاكم، وقبل تشكيل الحكومة، على تعديل القانون، بحيث أن من يتم منعه من تولي منصب وزاري هو من فرض عليه سجن فعلي، وليس سجنا مع وقف التنفيذ، وبعد إقرار القانون قدمت التماسات للمحكمة العليا تعترض على التعيين، في حين أن موقف المستشارين القضائيين، للحكومة والكنيست، وأيضا النيابة العامة، ضد تعديل القانون، وبالتالي كان ضد تعيين درعي. وأقرت المحكمة العليا، بأغلبية 10 قضاة مقابل قاض واحد، بطلان تعيين درعي وزيرا. وبالإمكان التقدير أن هذه الغالبية من القضاة أحرجت نتنياهو، ومعه وزير العدل ياريف ليفين، إذ أنه على مدى أكثر من 11 عاما، في ظل حكومات نتنياهو، باتت غالبية قضاة المحكمة العليا ممن سعى لتعيينهم اليمين الاستيطاني بقيادة الليكود.

وأيضا من الممكن الافتراض أن القرار بشأن درعي هو ربما شارة تحذير لنتنياهو وليفين، والائتلاف الحاكم، بشأن ما يخططون له، لتعديلات في قانون المحكمة العليا، ولجنة تعيين القضاة، لدرجة أنه أطلق عليها تعبير “انقلاب على المحكمة العليا”.

الانطباع السائد في الأوساط السياسية أن درعي سيبقى في واجهة السياسة الإسرائيلية، حتى ولو بقي عضو كنيست فقط، إذ سيكون من قادة الائتلاف. ويجري تداول في أطراف الائتلاف لإيجاد طريق التفاف على المحكمة العليا.

الجانب الآخر الذي جاء أسرع من المتوقع، هو حالة التصادم في وزارة الدفاع بين ثلاثة وزراء، على خلفية توزيع الصلاحيات، بموجب اتفاقيات الائتلاف. فقد جاء ضمن الاتفاقيات أن وزير الدفاع هو الجنرال احتياط يوآف غالانت، من حزب الليكود، لكن في ذات الوقت، تم تعيين رئيس حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش وزيرا إضافيا في الوزارة، يكون مسؤولا عن شؤون الاستيطان، وما تسمى بـ “الإدارة المدنية”، بما في ذلك جهات التخطيط والتنظيم والبناء، التي كلها كانت بيد وزير الدفاع. يضاف إلى هذا أن وزير ما يسمى “الأمن القومي” (سابقا الأمن الداخلي)، إيتمار بن غفير، يتولى المسؤولية عن “قوات حرس الحدود” خلال نشاطها في الضفة الغربية المحتلة، فهذا الجهاز يكون تابعا لوزارة الدفاع والجيش، خلال نشاطه في الضفة الغربية، بينما في داخل إسرائيل يعمل بإشراف وتوجيه قائد الشرطة.

وأجمع الخبراء العسكريون، وقادة الجيش السابقون والحاليون، على عدم المعقولية في توزيع هذه الصلاحيات، بشكل يُضعف مكانة وزير الدفاع، ورئيس هيئة أركان الجيش. وعدم المعقولية ظهر بقوة في نهاية الأسبوع الماضي، حينما أمر وزير الدفاع بإخلاء بؤرة استيطانية في وسط الضفة، خلال إنشائها، وهذا ما أقدم عليه الجيش، فاعترض بتسلئيل سموتريتش على الإخلاء بادعاء أنه هو المسؤول عن الاستيطان، كما اعترض بن غفير على الإخلاء بادعاء أن القوات التي أخلت المكان يجب أن يكون عملها ضمن صلاحيته.

واللافت أن نتنياهو دعم قرار وزير الدفاع، وبحسب أحد المحللين فإن نتنياهو سيستغل موقفه هذا ليبث رسالة للإدارة الأميركية مفادها أن شيئا لم يتغير، وأن القرارات تبقى بيده.

ليس واضحا كيف ستتطور الأمور لاحقا في هذا المجال، لكن المؤكد أن نقطة التصادم التي جاءت سريعا جدا، هي فقط البداية لمحطات تصادم لربما تكون أشد، بسبب تعقيدات تقاسم الصلاحيات. مع الإشارة الى أن وزراء كتلة “الصهيونية الدينية” قاطعوا جلسة الحكومة يوم الأحد الأخير، بسبب إخلاء هذه البؤرة الاستيطانية.

تضخم مستمر وفقر متفاقم

انتشر في الأسبوع الماضي تقريران مركزيان يدلان على جانب هام في الحالة الاقتصادية الاجتماعية: تقرير الفقر الذي تخصص في العام 2021، وتقرير التضخم المالي عن العام الماضي.

فقد بلغ التضخم المالي في العام الماضي 2022 ذروة منذ 20 عاما، بارتفاعه بنسبة 5.3%، وكانت آخر مرّة شهد الاقتصاد الإسرائيلي تضخما ماليا عاليا نسبيا، في العام 2002، حينما بلغ 6.5%، وفي العام التالي 2003، وبفعل الركود الناجم عن أزمة اقتصادية كبيرة، سجل التضخم تراجعا بنسبة 1.8%.

وبعد ذلك بدأت نسب التضخم السنوية حتى العام 2013 تتراوح ما بين 2.5% وحتى 3.9%، ومن العام 2014 وحتى العام 2020، كان التضخم في غالب السنوات يسجل تراجعا، وفي العام 2021 بلغ التضخم 2.8%، بفعل موجة الغلاء التي بدأت في النصف الثاني من ذلك العام، واستمرت طيلة العام الماضي 2022. واستمرت أيضا في شهر كانون الثاني الجاري، الشهر الأول من العام 2023، بارتفاع حاد في أسعار الكهرباء والماء، وأيضا ارتفاع أسعار الوقود، وضريبة المسقفات للبلديات.

وبحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، فقد سجل التضخم المالي في الشهر الأخير من العام الماضي 2022، ارتفاعا بنسبة 0.3%، وهذا على الرغم من أن وتيرة التضخم بشكل خاص في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كل عام تكون في حالة تراجع، لكن الغلاء في العام الماضي قلب كل ما هو معروف عن وتيرة التضخم في الاقتصاد الإسرائيلي. وبذلك يكون التضخم المالي في العام الماضي قد ارتفع بنسبة 5.3%، وكما ذكر، فهي النسبة الأعلى منذ 20 عاما.

وحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، فإن العام الماضي شهد ارتفاعا بالأسعار كالتالي: المواد الغذائية بنسبة 4.9%، الخضار والفواكه 3.1%، الصرف على البيوت 6.3%، صيانة البيوت 5.7%، الصحة 3.6%، التعليم 3.3%، فيما بلغ ارتفاع كلفة الموصلات والاتصالات 9.2%. وفقط أسعار الملبوسات والأحذية تراجعت في العام الماضي بنسبة 4.6%.

وفي تقديرات بنك إسرائيل المركزي، فإن وتيرة التضخم سيتم لجمها خلال العام الجاري. وتكون تحت نسبة 3%، أي في مجال التضخم الذي حددته السياسة الاقتصادية الإسرائيلية، ما بين 1% إلى 3%.

وكان بنك إسرائيل قد رفع الفائدة البنكية في مطلع الشهر الجاري، بنسبة 0.5%، للمرّة السابعة منذ 11 نيسان الماضي على التوالي، لتبلغ كفائدة أساسية 3.75%، وتضاف لها نسبة 1.5%، ما يعني أن الفائدة الأساسية (برايم) بلغت بهذا القرار 5.25%، وهي الفائدة الأعلى منذ العام 2011. وحسب تقديرات مسؤول في بنك إسرائيل المركزي، فإن الفائدة الأساسية الكلية ستكون في العام الجديد في حدود 5%، بدلا من 1.6% حتى يوم 11 نيسان الماضي من هذا العام. ما يعني أن الفائدة ستستمر بالارتفاع، لتصل إلى نسبة 5% يضاف اليها نسبة 1.5% ثابتة.

لكن ليس واضحا ماذا سيكون قرار بنك إسرائيل في قرار الفائدة التالي، المتوقع أن يصدر في 20 شباط المقبل.

وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، قد أعلنا في مؤتمر صحافي مشترك، عن تخفيض نسبة ارتفاع أسعار الكهرباء والماء، وأيضا الوقود، وتجميد ضريبة المسقفات، وتعديل درجات ضريبة الداخل، ما يزيد في مدخول أصحاب الرواتب. إلا أن تعديل التدريج الضريبي ليس مرتبطا بقرار حكومة، بل هو يتم وفق النظام الضريبي بموجب القانون، وسيكون تعديلها بحسب ارتفاع التضخم، كما أن كل من تلقى حسابات الكهرباء والماء في الأيام الأخيرة رأى أن الغلاء بقي على حاله.

وفي الثلث الأخير من العام الماضي، تعددت التقارير التي تحدثت عن تراجع في الاستهلاك الفردي، مع تخوفات من أن الاقتصاد الإسرائيلي سيدخل إلى مرحلة تباطؤ اقتصادي، في مركزه تراجع الاستهلاك الناجم عن الغلاء المستمر، وارتفاع الفائدة البنكية، التي بحسب تقديرات بحثية سابقة، فإن كل 1% فائدة بنكية تزيد مداخيل البنوك التجارية والإسكانية بحوالي 5 مليارات شيكل بمعدل سنوي (أقرب إلى 1.4 مليار دولار).

ومن بين هذه التقارير، ما ورد في الأسبوع الماضي عن تراجع حاد في استيراد المعدات الكهربائية البيتية، كأحد مؤشرات تراجع الاستهلاك، في حين قالت شبكات تسوق كبيرة، وشركات بطاقات اعتماد، إن هناك تراجعا ملموسا في حركة السوق.

أمن غذائي ضعيف لمئات آلاف العائلات

بتأخير أكثر من شهر، أصدرت مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية (مؤسسة التأمين الوطني) تقرير الفقر عن العام 2021، إذ أن المؤسسة تصدر تقرير الفقر في نهايات كل عام، عن العام الذي سبق. ففي التقرير الذي سبق كان الحديث عن العام 2020، وبفعل تبعات جائحة كورونا، وخروج حوالي مليون شخص من سوق العمل لتلقي مخصصات اجتماعية استثنائية، كان التقرير في حينه تقديريا. أما التقرير عن العام 2021، فقد تعامل مع الإحصائيات والمعطيات الرسمية، ولكن بقيت آثار كورونا ملموسة فيه.

وحسب التقرير، فإن نسبة الفقر على مستوى الأفراد في نهاية العام 2021 بلغت 21%، وبين الأطفال وحدهم بلغت النسبة 28%، وكالعادة برزت مجددا الفجوة الكبيرة بين العرب واليهود، إذ أن نسبة الأفراد اليهود الفقراء 16%، مقابل ما يلامس 39% بين العرب، لكن هذه نسبة تدل على تراجع ملحوظ في نسبة الفقر بين العرب، مقارنة مع سنوات قليلة سابقة، كانت فيها نسبة الفقر شبه مستقرة تتراوح ما بين 50% إلى 53%.

أما على مستوى العائلات، وبعد احتساب الرواتب الصافية والمخصصات الاجتماعية، فإن 21% من العائلات في إسرائيل هي في دائرة الفقر، ونسبة العائلات اليهودية عامة 17.1%، بينما النسبة لليهود من دون الحريديم 15.4%، وعائلات الحريديم 33.7%. ويقول التقرير إن 39.1% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر.

وعلى مستوى الأفراد بتفاصيل أدق بعد احتساب جميع مداخيل العائلة الصافية، بما فيها المخصصات الاجتماعية، وهذا هو المقياس الأهم، فإن نسبة فقر العرب الأفراد 38.8% وبين اليهود عامة 16%، وبين اليهود من دون الحريديم 11.9%، وبين الحريديم وحدهم 39.7%.

ونلاحظ هنا الفجوة البسيطة بين الفقر لدى الحريديم وبين الفقر لدى العرب، على الرغم من أن نسبة انخراط العرب في سوق العمل أعلى بكثير من انخراط الحريديم، والأهم هو الهبوط الحاد في معدل الولادات لدى العرب مقابل ارتفاعها بين الحريديم، لكن هذا لا يساعد العرب، الذي يؤكد التقرير أن الفقر لديهم أشد عمقا مما هو لدى اليهود.

وشمل تقرير الفقر الرسمي استطلاعا للجمهور، عدا المعطيات الرسمية التي ترتكز على مداخيل العائلات، وبحسب الاستطلاع فقد أعلن أكثر من 60% من العرب أنهم يعيشون بفقر، أو يشعرون أنهم في دائرة الفقر، مقابل نسبة 26.7% من اليهود.

وبعد صدور التقرير بعدة أيام، صدر تقرير عن مؤسسة الضمان ذاتها، أشارت فيه إلى أن 522 ألف عائلة في إسرائيل تشعر بعدم أمن غذائي، وبضمنها نسبة عالية من العائلات التي تعاني من سوء تغذية. ومثل هذا التقرير يصدر كل عدة سنوات، وكان التقرير السابق صدر في العام 2016.

وبحسب التقرير، فإن 522 ألف عائلة، يعني قرابة مليون شخص، يعيشون في ظل خطر عدم تأمين الغذاء الأساسي، وبضمن هذه العائلات أشخاص يعيشون بمفردهم، وغالبا الحديث عن مسنين.

ورغم ذلك، وبحسب التقرير ذاته، فإن الشعور بعدم ضمان الأمن الغذائي هبط من نسبة 18.1% من العائلات في العام 2016، إلى 16.2% في العام 2021. وعلى الرغم من هذا التراجع، يبقى 21% من الأطفال في إسرائيل يعيشون في عائلات تعاني من عدم ضمان غذائي.

وبالعودة إلى تقرير الفقر، دلّ أحد الجداول على الفجوات الاجتماعية الكبيرة، فبموجب التدريج الاجتماعي على أساس مداخيل الفرد في العائلة، ويبدأ من التدريج الأول (1) الأشد فقراً ويصل إلى التدريج العاشر (10) الأكثر ثراء، كان معدل دخل الفرد في العائلات الأكثر ثراء أعلى بـ 22 مرّة من معدل الفرد في العائلات الأشد فقراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى