اللاجئين

حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية

مركز الجزيرة للدراسات – محمود العلي * – 27/6/2019

في الذكرى الحادية والسبعين لنكبة فلسطين تبرز قضية اللاجئين الفلسطينيين بوصفها أكثر التحديات تعقيدًا أمام أية فرصة لتسوية واقعية ومقبولة وقابلة للتنفيذ. لقد بدأت قضية اللاجئين منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، أو ما يسمى بقرار التقسيم، حيث جرى فرض تقسيم فلسطين التاريخية إلى ثلاثة كيانات تتشكَّل من دولتين إحداهما يهودية على 55% من أرض فلسطين، والأخرى عربية فلسطينية على حوالي 44% من أرض فلسطين، مع بقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد شكَّل قرار التقسيم مبررًا للحركة الصهيونية لإقامة دولة على جزء من أرض فلسطين تجاوزت المساحة الواردة في قرار التقسيم، كما أدى إلى طرد وتهجير أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم وترابهم الوطني.

وفي عام 1948 وحده جرى تهجير حوالي 850 ألف فلسطيني شكَّلوا آنذاك 61% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 1400000 فلسطيني ليطلق عليهم لقب لاجئين. وتركَّز معظم اللاجئين الفلسطينيين إثر نكبة عام 1948 في المناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، أي في الضفة والقطاع 80.5%، في حين اضْطُرَّ 19.5% من اللاجئين الفلسطينيين للتوجُّه إلى الدول العربية الشقيقة، سوريا والأردن ولبنان ومصر والعراق، بينما توجه العديد منهم إلى مناطق جذب اقتصادية في أوروبا وأميركا، وكذلك إلى دول الخليج العربية، وقد تغيرت الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني بعد طرد الجيش الإسرائيلي لنحو 460 ألف فلسطيني في عام 1967 إثر احتلال الضفة والقطاع”. وفي 15 مايو/أيار 1948 قامت الحركة الصهيونية بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وقد توسعت مساحة هذه الدولة لتشمل 77% من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس. وبالمقابل سيطرت الأردن ومصر على بقية أراضي فلسطين التي ضمت (قطاع غزة والضفة الغربية) بما فيها القدس الشرقية.

وفي محاولة لمعالجة موضوع المهجرين نتيجة لاحتلال فلسطين، فإن الأمم المتحدة عمدت بداية إلى إصدار القرار 212، في الدورة 3، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، الذي يقضي بتـأسيس هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين، ثم إلى اٍصدار القرار 194، في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، ويقضي في مضمونه بحل النزاع عبر لجنة التوفيق الدولية التي أسست بموجب ذات القرار، كما تضمن القرار إقرارًا بحق عودة لاجئي فلسطين إلى بيوتهم وقراهم التي طردوا منها. وقد تناول القرار إلى جانب الفلسطينيين، اليهود الذين فروا أو طردوا من بيوتهم حينها. وقد فشلت لجنة التوفيق الدولية التي أُسِّست بموجب القرار من الوصول إلى حل ينهي النزاع.

وقد كانت المساعدات للاجئين بداية تتم بالتعاون بين هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين وهيئات أخرى كالصليب الأحمر الدولي ومنظمة الكويكرز الأميركية. وحيث لم يجر حل للنزاع وبسبب استمرار وتفاقم معاناة اللاجئين، عمدت الأمم المتحدة إلى إصدار القرار رقم 302* بتأسيس هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1949، وباشرت الهيئة أعمالها في 1 مايو/أيار 1950، وكان من ضمن مهامها تقديم الإغاثة للاجئي فلسطين سواء أكانوا عربًا أم يهودًا.

وجاء في مطلع قرار تأسيس الأونروا، خاصة القرار رقم 212 (الدورة 3) الصادر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، والقرار رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، ما يؤكد ضرورة استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين لتلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار. كما جاء في الفقرة 20 من القرار 194 أن الجمعية العمومية توعز إلى ” وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى؛ بالتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة لما فيه خير أداء مهمات كل منهما”، وخصوصًا فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948. وهذا مؤشر واضح على ارتباط استمرار عمل الأونروا الإغاثي بحل قضية اللاجئين استنادًا إلى حقهم في العودة.

أما بالنسبة لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، فقد وافقت الأمم المتحدة بتاريخ 4 مارس/آذار 1949 بموجب قرارها رقم 273، الذي جاء فيه “إن الجمعية العامة؛ إذ تأخذ علمًا بالتصريح الذي تقبل به “إسرائيل” دون أي تحفظ، بالالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد باحترامها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوًا في الأمم المتحدة، وإذ تذكر بقراريها الصادرين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 (قرار التقسيم)، وفي 11 ديسمبر/كانون الأول سنة 1948 (القرار 194 القاضي بإعادة اللاجئين والتعويض لهم)، وتأخذ علمًا بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة “إسرائيل” أمام اللجنة السياسية المؤقتة، بشأن تطبيق القرارين المذكورين… تقرر أن تقبل إسرائيل عضوًا في الأمم المتحدة.

بيد أن إسرائيل التي ادعت التزامها بالقرارات المذكورة، أوقفت في يونيو/حزيران عام 1952 عمل الأونروا في الأراضي التي أعلنت قيام إسرائيل عليها، وكان وقتها هنالك “17 ألفًا من النازحين اليهود (داخل إسرائيل) كانوا مسجلين في “الأونروا” وسرعان ما انخفض عددهم إلى 3000، وكانوا يتلقون المساعدات حتى يونيو/حزيران عام 1952، حين أوقفت الأونروا عملياتها في إسرائيل.

وفي هذا السياق، تتمحور مشكلة البحث حول استهداف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المكرَّس في بعض قرارات الشرعية الدولية، مع التركيز على استهداف مضامين قرار تأسيس الأونروا؛ إذ بعد حوالي 70 عامًا على لجوء الفلسطينيين، الذين يتلقون مساعدات وخدمات الأونروا، تعمل أميركا بالتوافق الكامل مع إسرائيل لإلغاء هذه المنظمة الدولية والعمل على تسليم مهامها للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، معتبرين أن الأونروا تبالغ في تسجيل اللاجئين وأحفادهم، لأن الذين ينبغي أن يعتبروا لاجئين هم فقط من بقوا أحياء نتيجة النزاع عام 1948، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم 50 ألفًا.

وتفترض الدراسة في سياق المخاطر التي تواجه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين:

– عدم وجود توافق دولي مع الموقف الأميركي المتمثل في وقف دعم الأونروا، التي تتابع تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم، والدعوة لإلغائها.

– عدم الإقرار بحق العودة الجماعي للاجئين الفلسطينيين يشكِّل عائقًا أمام التسوية بالتوازي مع غياب مواجهة عربية صريحة لسياسة الرئيس الأميركي.

وتعتمد الدراسة المنهج الوصفي التحليلي الذي يسعى إلى وصف الظواهر المختلفة لميدان البحث المتعلقة بحالة ومساقات التعامل الدولي والأميركي مع الأونروا، وذلك من خلال الدراسة التحليلية لتلك المساقات للحصول على وصف دقيق للنتائج الناجمة عن السياسات الحديثة لأميركا تجاه الأونروا. وفي هذا الإطار، تهتم الدراسة باستقصاء أهداف القرارات الناجمة عن السياسات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، التي تؤدي إلى تفاقم مخاطر جوهرية على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وأيضًا مقاربة الموقف الأميركي الراهن، ودراسته كيفيًّا، وبيان خصائصه كميًّا، اعتمادًا على ما تقدمه الأونروا للاجئين من خدمات من خلال عرض أرقام وجداول المستفيدين، وتوضيح هذه العملية التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين أو حجمها، ودرجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى المتعلقة باستهداف حق العودة.

وتخلص الدراسة إلى أن الفلسطينيين حُرِموا من ممارسة حق العودة الذي ضمنته المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير بسبب التعنت الإسرائيلي الذي يواجه هذا الحق بالقوة والقوانين الوطنية والعنف، مع العلم بأن كل دول العالم اعترفت بهذا الحق ما عدا إسرائيل. ولهذا فقد استفادت إسرائيل في العقدين ونيف الماضيين، من غياب استراتيجية فلسطينية وعربية تتصدى للاستيطان وللاحتلال، وتجعل إسرائيل تدفع ثمن استمرارها فيهما. كما “استفادت إسرائيل كثيرًا مما يطلق عليه “العملية السلمية”، ومن المفاوضات الثنائية المباشرة مع السلطة الفلسطينية، واستعملت هذه المفاوضات للاستفراد بالفلسطينيين وللاستقواء عليهم، ولتجريدهم من مختلف عوامل قوتهم ولتخفيض تطلعاتهم الوطنية، وغطاءً لاستمرار الاستيطان، ووسيلة ناجحة لتجنب الضغط والعقوبات الدولية، وأداة لتجنب التوصل إلى حل مع الفلسطينيين.

لذا فإن عدم الوصول إلى حل لعودة اللاجئين إلى وطنهم وبيوتهم يجعل دور الأونروا المميز مرتبطًا بتجاوز دورها بتقديم الإغاثة المباشرة إلى تقديم الخدمات في ميادين الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، حيث تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها، والبالغ عددهم 5,442,947 حسب بياناتها لعام 2018، وهم موزعون على النحو التالي: 469,555 في لبنان، و2,206,736 في الأردن، و551,873 في سوريا، و828,328 في الضفة الغربية، و1,386,455 في قطاع غزة المحاصر. وهذا ما يساهم إلى حد ما في توفير بعض الأسس المعيشية اللازمة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون في قطاع غزة المحاصرة، وسوريا التي أدى النزاع فيها إلى تهجير ما يزيد على 200 ألف لاجئ من بيوتهم، كما أدى عدم إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية بما فيها الحق في العمل بالمهن الحرة، إلى هجرة مئات الآلاف إلى الخارج.

وفي ظل الوضع الصعب الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون على مدى الأعوام السابقة، فقد اعتبرت الأونروا طوال حوالي سبعين عامًا حكومة غير معلنة للاجئين الفلسطينيين على الصعيد الخدماتي. كما أن هذه المنظمة أنشئت لأهداف سياسية، وهي المساهمة في صون السلام وعدم حصول اضطرابات يمكن أن تنتج عن عدم حل قضية اللاجئين، عبر تقديمها المساعدة للاجئي فلسطين.

ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في مناطق اللجوء، فإن الشباب الفلسطيني يتمسك بحق العودة إلى وطنهم فلسطين، ويظهرون ذلك عبر مسيرات العودة في غزة التي تكرس حق الشعب الفلسطيني في العودة مهما يطول الزمان. ومن الأمثلة أيضًا ما يمارسه الشباب الفلسطيني في المسيرات التي حصلت في سوريا ولبنان عام 2011، حين سمح للاجئين بالوصول إلى حدود وطنهم، وقام العديد منهم بالقفز فوق الأسلاك الشائكة والدخول إلى وطنهم فلسطين.

وترى الدراسة أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لن تحل إلا بعودتهم مهما حصل من تحولات، ذلك أن الشعب العربي والفلسطيني وحتى إسرائيل بمختلف مكوناتها يدركون الحقيقة التي لا لبس فيها، والتي تتمثَّل في أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إذا ما طبق سيعني نهاية إسرائيل بما هي عليه كدولة يهودية عنصرية وبالتالي وأد المشروع الصهيوني برمته. وحيث إن تأسيس الأونروا من قبل المجتمع الدولي، كان يستند إلى اعتقاد مفاده أن القضية الفلسطينية ستجد طريقها إلى الحل بشكل سريع، وأن “مهمة الأونروا، سوف تكون موجزة، ذلك أن بعض اللاجئين سوف يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، بينما يجري امتصاص الآخرين في الدول العربية المحيطة، ولأن هذا الحل الجزئي لا يقبله اللاجئون الفلسطينيون، لأنهم متمسكون بالعودة إلى ترابهم الوطني، فإن استمرار أعمال الأونروا حيوي للاجئي فلسطين لحين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، ما يتوجب على الجانب الفلسطيني والعربي والجامعة العربية ومنظمات حقوق الإنسان، العمل وفق خطة متماسكة تتمثَّل في رفض أي تغيير في الوضع القانوني أو المؤسسي أو الوظيفي للأونروا، واعتبار أن مهمتها لا تنتهي إلا بانتهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين، حسب قرارات الشرعية الدولية بعودتهم إلى ديارهم أو تعويض من لا يرغب بذلك، والتواصل الدبلوماسي والبرلماني والشعبي مع دول العالم ومنظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، لاستمرار دعم الأونروا في تقديم خدماتها، دون انتقاص دورها باعتبار هذا الدعم جزءًا من المسؤولية القانونية والإنسانية للمجتمع الدولي، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وتنبيه دول العالم والمنظمات الدولية إلى الأخطار الإنسانية والسياسية المترتبة على تخفيض خدمات الأونروا، باعتبار ذلك سيكون مدعاة إلى مزيد من عدم الاستقرار والتطرف في المنطقة. لهذا فإن مهمة الأونروا، بحسب الدراسة، كانت حيوية وستبقى حيوية للاجئين لحين عودتهم، وأن بقاء الأونروا والحفاظ عليها يشكل عاملًا حيويًّا في الحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، بما فيها حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. محمود العلي، باحث مختص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى