أقلام وأراء

حسن عصفور يكتب – كيف تصبح “مؤامرة شارون” إنجازا للبعض الفلسطيني!

بقلم حسن عصفور – 13/9/2020

تصر حركة “حماس” ان تحتفل سنويا بما تسميه انتصار “المقاومة”، الذي أجبر دولة الكيان على الخروج من قطاع غزة، وتعمل بكل سبلها الإعلامية، مع تحالف سري لترويج تلك “النظرية” ضمن سياق البحث عن “مكاسب وهمية”، لزراعة فكرة الوريث الشرعي للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

التسويق الحمساوي لتلك النظرية لا يأتي من فراغ، أو عن جهل سياسي، بل هي قبل غيرها تدرك ان الأمر ليس كذلك أبدا، لكنها تعتمد نشر ما يمكنها نشره من تلك “الأفكار الواهمة” في إطار حملة منظمة متلاحقة، وعبر كل الوسائل الممكنة، حتى أن بعض من قياداتها وكتبتها يروجون أنه النصر الأول الذي أجبر جيش الاحتلال الانسحاب من أرض عربية منذ العام 1984.

طبعا ليس بالضرورة نقاش “مكذبة” الانسحاب الأول منذ 1984، لأن القضية المركزية التي تستحق النقاش علها تضع نهاية لتلك الأكذوبة، التي تحاول تزوير وقائع تاريخية مشبوهة، وتحويلها الى “مكاسب” وهمية لغاية تكريس “البديل الشرعي” لهد الثورة والمنظمة، وتعزيز فكرة “الكيان الغزي المستقل”.

كل وقائع التاريخ، تشير أن خطة الفصل الإسرائيلي عن قطاع غزة، وردت في أكثر من مشروع إسرائيلي مقابل التركيز على تهويد الضفة والقدس، لاعتبارات توسعية وتوراتية، ولم يكن يوما قطاع غزة بكتلته البشرية ضمن شريط جغرافي ضيق “مطمعا للفكر الصهيوني”.

ولقد عرضت دولة الاحتلال خلال مفاوضات أوسلو السرية عام 1993 أن تنسحب كليا من قطاع غزة، كـ”بادرة حس نوايا”، لكن تم رفض الفكرة دون ربطها بانسحاب مواز من مناطق الضفة، وهو ما لم يوافق عليه الوفد الإسرائيلي، فرفضت فكرة الانسحاب لمخاوف استخدامها غطاء لتعزيز “المشروع التوراتي” في الضفة والقدس، حيث مركز الصراع الحقيقي.

وفي يوليو عام 1995 التقى الرئيس محمود عباس، (كان يشغل رئيس دائرة شؤون المفاوضات) مع شارون القيادي اليميني، والذي تقدم بمشروع لحل سياسي بديل لاتفاق أوسلو، الذي اعتبره شارن كما اليمين الإسرائيلي وثيقة غير عملية ولا مستقبل لها، مشروع شارون يقوم على الخروج الكلي من قطاع غزة ومنح 40 % من أراضي الضفة كتلة مستقلة وتصبح الدولة الفلسطينية بين قطاع غزة وجزء من الضفة، مقبل تقاسم اقتصادي في مناطق من الضفة وضم ما يقارب الـ 10 % لإسرائيل، مع تهويد غالبية منطقة البراق.

وفي عام 2003 عرض شارون، خلال المواجهة الكبرى التي قادها الشهيد المؤسس الخالد ياسر عرفات مع الجيش الإسرائيلي، فكرة الخروج من قطاع غزة، وتم نقاشها مع وزير الخارجية الأمريكية كولن بأول عام 2004، وقبل اغتيال أبو عمار، خطة تؤدي الى فصل القطاع.

ومع استلام الرئيس عباس رئاسة السلطة، ورغم الترحيب الإسرائيلي وشارون تحديدا بذلك، لكنه تجاهل كليا أي عملية تنسيق مع السلطة الفلسطينية في عملية الخروج من قطاع غزة، التي أعلنها من طرف واحد، ليفتح الباب أمام حماس بأن ترى في الحدث “نصر سياسي”، كمقدمة لخطة إشراكها في النظام السياسي، التي عرضتها قطر على حماس نهاية 2005 بعدما فرضت أمريكا وأوروبا وإسرائيل إجراء انتخابات تشريعية جديدة للسلطة.

وبشكل مفاجئ أعلنت حماس مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي 2006، رغم موقفها الرافض لاتفاق أوسلو ومنتجاته، وتخوين كل ما نتج عنه، لتكشف قطر لاحقا عن سبب تلك الموافقة، على لسان حمد بن جاسم حيث تم بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل ودعم أوروبي لها.

خروج شارون من قطاع غزة، كان المقدمة الأولى لصناعة الانقسام بعد الانتخابات ثم الانقلاب الحمساوي يونيو 2007، في إطار تنفيذ المشروع التهويدي العام بالضفة والقدس، القائم على ضم ما يقارب من الـ 10 % – 15 % من أراضي الضفة والقدس، وفرض السيادة عليها، فيما تبقى “السيطرة الأمنية” على كل الضفة والقدس، ونسبيا قطاع غزة.

الخروج الأحادي من قطاع غزة كان جزءا من مؤامرة سياسية كاملة الأركان، لخطة الضم وصفقة ترامب لاحقا، ولذا أي حديث أو ترويج بأنه “نصر” ليس سوى تحويل التآمر الى إنجاز وتلك هي المصيبة الكبرى، وفقط من أجل ترويج ربح فصائلي مقابل خسارة وطنية كبرى!

المفارقة الأهم، ان قيادة حماس بترويج تلك الأكذوبة تمنح دولة الكيان ذريعة أنها لم تعد تحتل القطاع، ولذا فهي لا تحاصره، وتلك مسألة قانونية تذكرها أحد شخصيات حماس لمرة واحدة في أزمة كورونا لا أكثر.

نصيحة الى القيادة الحمساوية، حذار من البحث عن انتصارات وهمية على حساب القضية الوطنية…فقطاع غزة لا زال جزءا محتلا، والخروج لم يكن انسحابا شاملا بل إعادة ترتيب أوراق سياسية لتنفيذ مشروع التهويد.

يبدو أن البعض يصر على سلوك العمى السياسي كمنهج حزبي، بحثا عن ربح وهمي!

ملاحظة: في 13 سبتمبر 1993 تم توقيع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) على طريق حل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي…اتفاق تم اغتياله من تحالف يميني رأسه في أمريكا وأداته في إسرائيل وبعض فلسطين والعرب… على الرئيس عباس تأبينه بتعليق الاعتراف المتبادل!

تنويه خاص: تصريحات البعض الرسمي – الفصائلي لخروج فلسطين من الجامعة العربية هو مطلب إسرائيلي كامل النقاء…”البعبعة الثورية” دوما تخدم العدو بعيدا عن “نوايا أصحابها” فجهنم مبلطة بأمثالهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى