أقلام وأراء

حسن عصفور يكتب – “كورونا” لم ينقذ إسرائيل من وبائها السياسي!

حسن عصفور/

انتهت المهلة الزمنية المحددة التي منحت لرئيس تحالف أزرق أبيض بيني غانتس، بفشله في تشكيل حكومة مع حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، رغم انه قدم كل “المغريات السياسية” من أجل ذلك لخصمه المتهم رسميا بالفساد، بل وكان على وشك أن يصبح سجينا برتبة رئيس وزراء.

فشل التفاوض، رغم ما أقدم عليه أزرق أبيض من كسر “فكفكة” اركان تحالفه الانتخابي، وخيانته لمن صوت له تفويضا لتشكيل الحكومة، الليكود ونتنياهو قدما درسا له ولغيره من المراهنين على “تحالف في زمن الوباء”، يمنح دولة الكيان “مكانة” مختلفة عن واقعها، بأنها تبحث “وحدتها” رغم تمزقها السياسي العامودي، بان “الانتهازية السياسية” لا حدود لها، وأن مركزية التحالف لهم ليس انقاذ إسرائيل بل لإنقاذ الجوهر العنصري لها.

كل التقديرات سارعت بعد “خيانة غانتس وبعض عسكريي حزبه” لحركة التفويض، الى ان “حكومة وحدة طوارئ ” في طريقها لحكم إسرائيل، وأن ذلك سيكون درسا لمفهوم إعلاء “المصلحة العليا” على “المصلحة الحزبية”، حتى كاد الأمر ان يصبح مثالا للاستخدام الفلسطيني في زمن الانقسام الذي أصبح الوباء الأخطر لتدمير القضية الوطنية، وقاطرة عبور المشروع الصهيوني لتهويد ما يمكن تهويده من الأرض الفلسطينية.

بعيدا عن تفاصيل القضايا الخلافية، والتي منعت الوصول الى تشكيل تلك الحكومة، فالمسألة المركزية فيها، اعادت الى الواجهة المبدأ الجوهري لشخصية نتنياهو وسمته التي حكمت مسيرته منذ الصعود المفاجئ عام 1996، الفوز بالانتخابات وتشكيل حكومة يمنية خالصة، نتيجة ترتيبات معقدة بين تحالفات داخلية في الكيان ودولية وإقليمية وأدوات فلسطينية ضمن “تحالف إسقاط أوسلو”، بدأت باغتيال اسحق رابين.

في عام 1998 استضاف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون “مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية” في واي ريفر، ورغم كل ملامح عداء نتنياهو لتحقيق أي “تقدم” لتنفيذ بعض مراحل اتفاق أوسلو فيما عرف بتطبيق إعادة الانتشار، وتحويل مناطق من “ب” الى “أ” والتوقيع المبدئي على ذلك، لكن ما أن وصل نتنياهو الى مطار تل أبيب أعلن وهو على سلم الطائرة رفضه لتطبيق ما تم الاتفاق عليه.

نتنياهو لم يرفض تفاهم “واي ريفر” لذاته، بل أدرك تماما أن تنفيذه بما كان يشمل تسليم مناطق الى السلطة الفلسطينية في سياق أتفاق أوسلو، هو اعتراف عملي ابلاتفاق الذي اقام تحالفه الحكومي رفضا له، ولذا جاء ذلك الموقف الذي أهان الرئيس الأمريكي شخصيا قبل اهانته الإدارة الأمريكية، سببا للتحضير لاسقاطه.

نتنياهو، اعتقد في حينه أن ذلك الموقف سيضمن له الفوز مجددا بأي انتخابات قادمة، بعد أن أظهر تحديا لرفض أوسلو رغم “هزالة المطوب تنفيذه في حينه”، وأقدم على حسبة سياسية لم تأخذ بالحسبان جيدا قيمة “الغضب الأمريكي” عندما يصبح حقيقة، لذلك كانت خسارته الانتخابية 1999، وانتخاب يهودا براك وهو عدو آخر لاتفاق أوسلو خدع الرئيس الأمريكي كلينتون بإعلانه الموافقة على تنفيذ “واي ريفر”، لكنه لم يف بذلك.

نتنياهو، اعتقد انه تمكن من “هزيمة تحالف غانتس” وتحطيمه فبدأ التلاعب بهم، انتظارا الى لحظة الصفر، خاصة بعد ان أعلنت نائب جديد انحيازها له، فبدا يخطط للقفز من جديد لرئاسة الحكومة عبر قاطرة “أزرق أبيض” اعتقادا أن “سذاجتهم السياسية” ولا خبرتهم العملية سلاحه الذي سيقوده الى حيث يريد.
وكاد أن يقف ثمار مخططه فعلا، لكن شرطا قد يبدو غريبا تقدم به تحالف غانتس حول ضرورة ان يكون نيل “الثقة البرلمانية” يشمل مسألة التناوب، بحيث يحدد ذلك لتصبح إلزامية، وعل تلك كشفت ان نتنياهو لا يخطط لتنفيذ القسم الثاني من “التناوب”، وسيخترع أسبابا عدة للهروب من تلك “الشراكة” نحو انتخابات تعيده أقوى.

الحديث عن مسألة “القضاء” والاختلاف على من يتولاها قد تكون عنصرا مركزيا من عناصر العرقلة، لكن الجوهري شخصية نتنياهو الانتهازية، ولن يسمح لغيره استبداله ليفتح له لاحقا باب السجن مجددا، خاصة بعد أن حقق هدفه بتحطيم “تحالف أبيض أزرق”، وقفز تكتله في استطلاعات الرأي الى مكانة فاقت كل ما يتوقع بنيله 40 مقعدا…

انتهازية نتنياهو السياسية تراهن أيضا على عقد صفقة تبادل أسرى مقبولة” مع حماس، يمكن استخدامها لتعزيز مكانته في حال فرضت انتخابات رابعة، الأمر الذي أصبح يعرقل تشكيل “حكومة طوارئ موحدة”.

الدرس السياسي الأهم من هذه التجربة ان من يراهن “خيرا” على نتنياهو يوما فهو مصاب بفقدان القدرة العقلية، بل وقد يكون أداة لخدمة تحقيق أهدافه العامة بتمرير المشروع التهويدي، وخاصة بالهروب من حتمية السجن والبقاء حاكما الى ما لا يعلمون.

ملاحظة: في ذكرى استشهاد القائد خليل الوزير “أبو جهاد”، نستذكر أنه جسد تواضع الثائر في مسيرته ليكون نموذجا فريدا في تكريس قيم كانت سبيلا لتلاحم الشعب مع قيادته…أول الرصاص أول الحجارة وأول المتواضعين..سلاما أبو جهاد.

تنويه خاص: يد إسرائيل تطول في لبنان ضد حزب الله، اغتيال مسؤول في الجنوب ومحاولة اغتيال آخر على الحدود مع سوريا…أعمال عدوانية لم تدفع الحزب بالرد بل والتعليق عليها…سؤال ليش طيب “حكمة” ام “…”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى