أقلام وأراء

حسن عصفور: عن تطبيع دولة الاحتلال مع السعودية الممكن وعكسه

حسن عصفور 26-5-2023: عن تطبيع دولة الاحتلال مع السعودية الممكن وعكسه

مع انتهاء أعمال القمة العربية في جدة وإصدار إعلانها، فتحت وسائل الإعلام العبرية صفحاتها لنشر حملة مكثفة حول مسألة “التطبيع” مع العربية السعودية.

أطلق رصاصة الحملة العلنية وزير خارجية دولة الكيان كوهين يوم الجمعة (افتتاح القمة) 20 مايو 2023 في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية باللغة الإنجليزية، تحدث على أن قضية التطبيع لم تعد مسألة “إذا” أي مبدأ، بل “متى”، أي انه يذهب الى كونها قادمة، ولكن زمنها لا زال غير محدد، في إشارة ترويجية لأن الأمر بات محسوما من الناحية السياسية، ولا عقبات مركزية أمامها.

وبعد أيام، نشرت وسائل إعلام عبرية، عن قيام البحرين بدور الوسيط لإجراء محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء السعودي ولي العهد محمد بن سلمان مع رئيس وزراء حكومة دولة الكيان نتنياهو مساء يوم 22 مايو 2023، ولم تنف الرياض أو المنامة صحة ذلك الخبر، ما يؤكد أنه تم فعلا، فليس ممكنا ابدا نشره ثم يتم الصمت عليه لو لم يكن حدث فعلا.

ويوم 24 مايو 2023، نشر موقع أمريكي خبرا من صحفي في تل أبيب، عن قيام وفد من حكومة نتنياهو يضم وزير الشؤون الاستراتيجية (كان سفيرا في واشنطن) رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي بزيارة الى الولايات المتحدة، لبحث ملفي “التطبيع” مع العربية السعودية و”إيران”.

كثافة تناول مسألة “التطبيع” مع السعودية، توافق مع ذكرى عقد ملتقى النقب الذي تأجل عقده على أمل حدوثه في شهر يونيو 2023، تعتقد تل أبيب وواشنطن انه مسار بديل لبحث ترسيخ الحضور الإسرائيلي في المنطقة، دون تقديم ثمن سياسي في القضية المركزية فلسطين، بل وربما على حساب جوانب رئيسية فيها.

بالتأكيد، وبلا مواربة حقق ملف “التطبيع” غير مدفوع الثمن اختراقا هاما، مع بعض الدول العربية، وخطوة واسعة مع العربية السعودية فيما يتعلق بفتح المجال الجوي لطيران دولة الكيان، والحديث عن رحلات مباشرة بين مطار اللد وجدة تحت “نقاب” أداء فريضة الحج على طريق انتقالها لجوانب مدنية أخرى، مع تمريرها بأنها قد تخدم مواطني فلسطين.

موضوعيا، نجحت دولة الاحتلال في تحقيق مكاسب سياسية واسعة، واختراقا في الجدار الذي كان حديديا ثم حجريا على طريق أن يصبح ترابيا، في زمن كان شعاره مواجهة “التهديد الإيراني”.

والسؤال المركزي، ومع تطورات ملف العلاقات السعودية الإيرانية بعد اتفاق بكين، وتحمل الرياض وحاكهما العام مسؤولية ملف القمة العربية ورئاستها، وما صدر من قرارات في “إعلان جدة”، هل يمكن لقاطرة “التطبيع” بينها وبين دولة العدو الاحتلالي ان تسير دون حسابات سياسية، تختلف عما حدث في اتفاقات التطبيع السابقة عربيا، وخاصة أطراف “مؤتمر النقب”؟!

من الصعب الاعتقاد أن العربية السعودية وحاكمها الطموح جدا، والباحث عن دور إقليمي يضع بلاده في مكانة تختلف جوهريا عما عاشته منذ التكوين الأول، ان تذهب نحو “التطبيع العام” دون ارتباط بالقضية الفلسطينية أو بعض جوانبها، ليس فقط تأكيدا لـ “زعامة تحت الطلب”، و”مكانة” لم تكن يوما في تاريخ المنطقة، بل رسالة سياسية أنها من وضع فلسطين شرطا، تعزيزا لجوهر مبادرة السلام العربية، والتي هي بالأساس كانت مقدمة من ولي العهد السعودي الأمير الراحل عبد الله، في قمة بيروت عام 2002، وأعاد تأكيدها “إعلان جدة” الأخير، وهو من يفترض ان يكون “حارسه الأول”.

ربما أصاب وزير خارجية دولة الكيان في اعتباره أن قضية “التطبيع” مع العربية السعودية مسألة لم تعد مبدئية عامة، بعدما انكسر جزء من جوانبها، بل تحولت الى مسألة زمنية مشروطة، وهنا جوهر الأمر المستحدث، وخاصة بعد “اتفاق بكين” مع إيران، ما فتح الباب لـ “تطبيع” وتهدئة والذهاب لـ “فك عقد” مرتبطة بالتوتر السابق بينهما، وخاصة في اليمن وانعكاساته على لبنان وسوريا.

ولآن الأمر انتقل من الرفض العام الى القبول الممكن المشروط، يجب أن تفكر “الرسمية الفلسطينية”، بشكل مختلف جذريا في آلية تعاملها مع تطور العلاقة السعودية بدولة الكيان، ووضع قواعد عمل مشتركة، بعيدا عن “عموميات” قرارات القمة الأخيرة و “إعلان جدة”، وأن تحدد البعد السياسي الممكن.

بقاء “الرسمية الفلسطينية” على طريق الانتظار ومسار التطبيع يزحف وبعلانية صارخة، لن يكون خادما لما تريد، بالحد الأدنى للممكن الوطني، فالطامحون لا يكترثون لفاقدي “الإحساس السياسي”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى