حسن عصفور: ردح نتنياهو ونيويورك تايمز حَول فكري ورائحة عنصرية

حسن عصفور 2022-12-21: ردح نتنياهو ونيويورك تايمز حَول فكري ورائحة عنصرية
في سابقة، ربما، هي الأولى منذ قيام دولة الكيان العنصري الاحلالي عام 1948، تخرج “نيويورك تايمز”، صحيفة أمريكية منحازة تاريخيا لها، بافتتاحية يوم السبت 17 ديسمبر 2022، تحت عنوان “المُثل العليا لدولة اليهود في خطر”، بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أنتجت تحالفا مركبا بقوة تأثير “الفاشية الدينية”، والتي أصبحت عمليا صاحبة القيادة السياسية في الحكومة القادمة.
الصحيفة الأمريكية، والتي يمثل أبرز صحفييها المختصين بالكتابة عن الشرق الأوسط والمنطقة هم من يهود أمريكا ولهم تأثير كبير على سياستها التحريرية، اعتبرت انتخابات نوفمبر في الكيان، “خروجا نوعيا ومثيرا للقلق مع جميع الحكومات الأخرى في تاريخ إسرائيل الممتد لـ 75 عامًا.”، وأن “حكومة نتنياهو تشكل تهديدا كبيرا لمستقبل إسرائيل وتوجهها وأمنها، وحتى فكرة الوطن اليهودي”. وأوضحت أن سياسة الحكومة المقبلة في الضفة الغربية والقدس ينذر بإثارة “جولة جديدة من العنف والتصعيد”.
سريعا رد نتنياهو، بلغة كشفت، أن الصحيفة الأمريكية اصابته بمقتل سياسي، بعدما قال إنه سيتجاهل “نصائحها لأنها اعتادت على “شيطنة إسرائيل وتدعو بشكل مخجل إلى تقويض الحكومة الإسرائيلية المنتخبة”.
موضوعيا، جاء الهلع الكبير الذي انتاب الصحيفة الأمريكية، انطلاقا من زاوية واحدة بشكل أساسي هو الخوف من انتصار اتجاهات دينية متطرفة، تفتح الباب أمام تغيير جوهري لصالح فئات “غير علمانية”، ما يصيب الكيان بخطر على “مٌثل اليهود وديمقراطية دولتهم”، التي تفاخروا بها طويلا، بل أن أحد الصحفيين اليهود في ذات الصحيفة توماس فريدمان كتب قبل ذلك بأيام، ان “هذه الدولة لن تمثله بعد اليوم”.
الخوف على “المُثل العليا لدولة اليهود”، تلك هي القضية المركزية التي دفعت الصحيفة لإطلاق الصرخة بصوت عال جد، وبشكل غير مسبوق، لكنها تعاملت مع القضية الرئيسية في الصراع العالم بالمنقطة، القضية الفلسطينية بشكل عابر، ومن زاوية “الحرص على دولة اليهود”، وليس انطلاقا من حق شعب في أن ينال حريته من احتلال أصبح هو الأطول في التاريخ المعاصر.
لم تنطلق الصحيفة الأمريكية في مخاوفها من حقيقة ان دولة الاحتلال، ترتكب جرائم حرب شبه يومية، مع نتنياهو وقبله، فحكومة الثلاثي الراحل قتلت من الفلسطينيين في عام واحد ما تجاوز ما سبقها منذ جرائم حربها بين 2000 – 2004، بينهم حوالي 52 طفلا، تستدعي بعضها إرسال مرتكبيها الى “الجنائية الدولية” فورا، رغم أنها نشرت في مايو 2021 صورا لأطفال قطاع غزة الذي تم قتلهم في حربها التدميرية في حينه.
تجاهل الصحيفة الأمريكية جوهر البعد الاحتلالي لدولة الكيان، يكشف أن الأمر الذي أصابهم بهلع على “مُثل الدولة التي يريدون”، انطلق من زاوية عنصرية خاص بـ “اليهود”، فيما غيرهم كان استخداما وتحذيرا جزئيا على مستقبلهم من “عنف”، وليس من حق لشعب في تقرير مصيره، ودولة تحتل أرض دولة أخرى.
وجاء رد نتنياهو، انعكاسا لحالة ارتعاش كبرى، مما ينتظره، وخاصة ما يتعلق بفرض قوانين من منطلق ديني نحو إقامة “دولة الهالاخا”، كما أصبح يستخدم من ساسة وإعلاميين “علمانيين”، خوفا على “قيم الـ75 عاما اليهودية” كما يدعون، رغم ما يتظاهر به خلافا.
ورغم “الحول الفكري المزمن ورائحة العنصرية” التي تطل من بين كلمات افتتاحية الصحيفة الأمريكية، وخوفها على “دولة اليهود”، لكنها كشفت أن ما سيكون قادما سيهز كثيرا ما روجوه كذبا منذ 1948، حول “النموذج الديمقراطي” في الشرق الأوسط.
كيف يمكن الاستفادة السياسية – الفكرية من التطورات المتلاحقة لفوز “تحالف الفاشية اليهودية المستحدث”، لصالح فلسطين القضية والوطن..فذلك هو أصل الحكاية.