أقلام وأراء

حسن عصفور: تقرير أمريكي يفضح جرائم إسرائيل..لمحاسبة نتنياهو أم إبتزازه!

حسن عصفور 2-11-2025: تقرير أمريكي يفضح جرائم إسرائيل..لمحاسبة نتنياهو أم إبتزازه!

في سابقة نادرة، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” يوم الخميس 30 أكتوبر 2025، تقريرا سريا صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية الأميركية، تناول ما وصفه بانتهاكات خطيرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، التي تدخل ضمن نطاق ما يعرف بـ “قوانين ليهي”، وهي تشريعات تمنع تقديم المساعدات الأمنية الأميركية للوحدات العسكرية الأجنبية المتورطة بشكل موثوق في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

تقرير حمل تفاصيل مهمة، ليس فيما تم ارتكابه من جرائم حرب، خاصة مقتل العاملين في برنامج الغذاء العالمي ومنتظري المساعدات الإنسانية، بل يمثل ردا مباشرا على محاولات الإدارة الأمريكية نفي قيام جيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، أو انتهاكات خطيرة.

التقرير الرسمي الأمريكي، أي كان زمن التحقيق الذي سيكون به، لكنه قدم وثيقة إثبات مضافة للجنائية الدولية التي تبحث قيام دولة الكيان بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي خلال حربها على قطاع غزة، وثيقة لا يمكن لإدارة ترامب التشكيك بها، ولن تجرؤ حكومة نتنياهو وصفها بـ “معاداة السامية” أو “الكراهية لليهود”، كما كل ما أدانها.

التقرير الأمريكي، الذي يمثل سابقة سياسية قبل أن يكون قانونية، كشف دور إدارة بايدن في التغطية على جرائم دولة الاحتلال، قبل أن تكملها إدارة ترامب، ليؤكد المؤكد، أن “الحماية الأمريكية” لدولة الكيان ليست رهينة بلون أزرق أو أحمر (ألوان الحزبين الديمقراطي والجمهوري)، بل هي مركز الاستراتيجية في الإقليم، ورأس الحربة الذي لن تتخلى عنه، من أجل مصالحها الاستراتيجية.

بالتأكيد، السؤال الذي يقفز مع قراءة التقرير لماذا الآن، وما الذي تغير، وهذه الإدارة الأكثر دعما لدولة الاحتلال، سؤال يفرض التفكير بتفاصيل متعددة، بها جوانب مختلفة، وأقلها إنه بحث عن تطبيق “العدالة الإنسانية” أو “القانون الدولي الإنساني”، في ظل حرب واشنطن على المحكمة الجنائية الدولية، وتهدد بوقف الدعم المالي لها، فيما لو واصلت محاكمة تل أبيب.

توقيت تسريب التقرير لصحيفة “معارضة” لترامب، هروبا من المسؤولية المباشرة، لكن ذلك لن يمنع من استخدامه كرسائل متعددة الجوانب، خاصة مع حكومة نتنياهو التي تحاول في أعمال محددة أن تتصرف دون اعتبار للمصلحة الأمريكية العليا، وتحرجها في محطات مختلفة، ولذا فنشر التقرير لم يكن عفويا.

بعد “إعلان اتفاق السلام” في شرم الشيخ تحاول إدارة ترامب استخدم ذلك لصياغة ترتيبات إقليمية، بما يخدم مصالحها في ظل التغيرات الدولية، وخاصة تنامي الدور الروسي والصيني، وفتح علاقات تعاون خاصة مع دول الخليج، ما يهدد ما كان لها من “امتيازات حصرية”، ولذا لن تترك مفتاح المشهد وفقا لرغبة حكومة دولة الاحتلال.

إدارة ترامب، تضع حكومة نتنياهو راهنا أمام ضغط خاص، كونها تمتلك تقريرا رسميا بارتكابها جرائم أو انتهاكات خطيرة تستوجب المحاسبة، ومنها وقف المساعدات العسكرية وفق “قانون ليهي”، ما يدفعها محاصرة أي سلوك قد يربك مخططها الخاص.

إدارة ترامب تعلم جيدا، إن نتنياهو وحكومته أصبح “عقبة حقيقية” أمام ما تعمل له منذ سنوات تحت يافطة توسيع “الاتفاقات الإبراهيمية”، والهدف المركزي لها هو العربية السعودية، والرياض حددت موقفها دون غموض، بأن “التطبيع رهن بحل قضية فلسطين”، مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية وفق قرار الأمم المتحدة 19/67 عام 2012، وهو ما يتناقض كليا مع رؤية تحالف نتنياهو، الذي يرى دولة فلسطين “خطر وجودي”.

احتمالات نشر التقرير الأمريكي متعددة، ولكنه سلاح يمكن للفلسطيني أن يستخدمه بقوة في كل المحافل راهنا، تعزيزا للرواية التي تلم بتفاصيلها الجنائية، وقبلها أن يكون قوة فعل في المسار السياسي، خاصة ما يرتبط بتحالف “حل الدولتين”.

تقرير الخارجية الأمريكية السري حول انتهاكات جيش الاحتلال في قطاع غزة، يجب التعامل معه بكل أهمية كسلاح سياسي وقانوني في المعارك المتعددة مع دولة العدو الاحلالي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى