أقلام وأراء

حسن عصفور: القضية الفلسطينية في ظل تطورات إقليمية من المركز الى الهامش!

حسن عصفور ١٧-٦-٢٠٢٢م

تسير التطورات الإقليمية بأسرع من “آلية التفكير” النمطي التقليدي، خاصة فيما يتعلق بالصراع العام في المنطقة، وما كان يعرف تاريخيا بـ “الصراع العربي – الإسرائيلي”، تغيرت قواعده ورؤيته بشكل قد يكون “جذريا”، ولعل تعبير إسرائيل دولة عدو قومي لم يعد موجودا في غالبية وسائل الإعلام العربية، وبالتأكيد المسؤولين الرسميين، بل تحولت الى ما يشبه “تحالف وصداقة”، دون أدنى حد من حسابات رد فعل ما من غضب ما قد يحدث هنا أو هناك.

عشية زيارة الرئيس الأمريكي الى المنطقة، بدأ الترويج الى أن الهدف الرئيسي لتلك الزيارة هي بناء “تحالف ما” بين دول عربية وبالأخص الخليجية ودولة الفصل العنصري في مواجهة “الخطر الإيراني”، في عملية استبدال “تاريخية” لحقيقة الصراع في المنطقة منذ عام 1948، لينتقل الصراع مع “عدو قومي إسرائيلي” الى “عدو فارسي”.

قد لا ينجح الرئيس الأمريكي في الوصول الى غايته النهائية ببناء “حلف علني صريح”، لأسباب ما، ولكن جوهره بدأ يتأسس في أكثر من جانب يؤكد تماما، أن الصراع في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، لم يعد مركزيا مع الكيان، وما تبقى من آثاره “الجانب الاحتلالي”، غادر القيمة التاريخية له وتحول الى مكان متأخر من “جدول الأعمال القومي”.

 منذ اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات في نهاية أطول مواجهة عسكرية شعبية مع قوات العدو القومي الاحتلالي ما بين (2000 – 2004) في 11 نوفمبر 2004، اعتقدت الفاشية اليهودية الحاكمة في الكيان، أن مرحلة تاريخية انطلقت مع الثورة، وبدأت تأسيس الكيان الفلسطيني الأول فوق أرض الوطن، نحو دولة غابت من الخريطة الجغرافية دون أن تغيب من خريطة التاريخ، قد انتهت.

وموضوعيا، حققت الفاشية الحاكمة ما يمكن اعتباره “انتصارات خارج الممكن”، بترسيخ مشروعها التهويدي التوراتي في الضفة والقدس، وهو حلمها الخاص، الذي اضاعه نص اتفاق إعلان المبادئ عام 1993 بين منظمة التحرير وإسرائيل، فكان لا بد من اغتيال أطرافه كي تغتال نصه.

وبدأت رحلة ترسيخ مشروعها، من زاوية أخرى، عندما توافقت مع الإدارة الأمريكية وبعض أطراف عربية لعبت دور “المحلل الترويجي” لتقسيم التمثيل الفلسطيني، والذي كان هدفا مركزيا منذ اعتبار منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا، فشلوا بكل السبل لكسر ذلك، الى أن نجحوا نجاح خارج كل الحسابات السياسية، عبر لعبة “ديمقراطية” بإجراء “انتخابات ثانية” لسلطة تم تكسير اقدامها خلال المواجهة الكبرى، ودمروا قاعدتها المؤسساتية الوطنية، كان هدفها الحقيقي “إدخال حركة حماس” الى بنية النظام العالم، دون توافق سياسي على قاعد العمل، بل دون أي التزام من الحركة “الإخوانية” بأسس القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية القائمة، وخارج الاتفاقات التي اعتبرتها مرحلة انتقالية تنتهي بخمس سنوا، فأطالوا أمدها لتخريب مضمونها الأساس الذي تأسست من أجله استقلالا..

كل متابع كان يدرك أن “الطرق” مهدت بكاملها لهزيمة فتح وليس انتصار حماس، كونها تمثل العامود الفقري للوطنية الفلسطينية، ثورة وكيان، وكان لهم ما أرادوا بربح حمساوي خارج التوقعات، بعدما تمكنوا من “بث فتنة داخل فتح”، وما قبلها قطع كل سبل الدعم والأموال عن السلطة، مقابل فتح خزائن المال لـ “البديل المنتظر”.

نتائج مهدت لخلق القاطرة السريعة لتحقيق “الحلم الصهيوني”، عبر انقسام عامودي، فصل جناحي الكيان الأول، وخلق عنوانًين للتمثيل الفلسطيني، يتم التعامل مع هذا وذاك أو كليهما وفقا للخدمة السياسية التي يقدمها كل منهما لصاحبها.

نعم، الانقسام الفلسطيني شكل “قاطرة الاختراق الكبير” الذي حدث في المنطقة، وأعاد ترتيب الجدول لتصبح دولة الفاشية اليهودية ركنا مركزيا في الحضور السياسي – الأمني والاقتصادي عربيا، ولم يعد يعتبرها “عدوا” سوى شعوب تمتلك “ذاكرة الانتماء والوعي العام” يفوق وعي نظم وحكام.

الانقسام الفلسطيني، كان صناعة كاملة الأركان أمريكي – إسرائيلي وبعض “الخدم السياسيين لهم عربيا”، ودونه ما كان بالإمكان تغيير ترتيب أولويات الواقع وكسر أسس الصراع، بما يؤسس لملامح عهد جديد وكأن الشعار الصهيوني “حدودك يا إسرائيل من النيل الى الفرات” بدأ يتحقق بطرق مختلفة.

ترتيبات الإقليم الجديد التي تعمل لتأسيسها الإدارة الأمريكية ورئيسها جو بايدن في رحلة يوليو 2022 الى المنطقة، جوهرها تعميم التطبيع وشرعنته جماعيا بعدما كان فرديا ثنائيا، وخاصة بعد نجاح “قمة النقب” التي منحت الكيان بعدا إقليميا خاصا، وأسست لمرحلة جديدة من “الشرعنة الاندماجية” لـ “دولة الأبرتهايد”، وتقرر أن يكون اللقاء “منتدى” سنوي.

كي لا يستمر الوهم العام، انتهى زمن أن “القضية الفلسطينية هي المركزية” وأن “الصراع العربي الإسرائيلي مركزي”، الأولى تهمشت الى ما دون ثانوي، تستخدم حينا لتمرير ما يخدم من يريد الاستخدام، فيما الصراع العربي الإسرائيلي انتقل الى مرحلة متقدمة “من التعاون والاستيعاب” على طريق التكامل.

لم يكن العمل لولادة “الانقسام” حدثا طارئا بسبب اختلاف رؤية سياسية بين الحركة الوطنية الجمعية وموازيها فصيل الجماعة الإخوانية في فلسطين “حماس”، بل كان هدفا مركزيا وجوهريا لترتيبات إقليمية جديدة، تعيد تحديد الأولويات من صراع الى لا صراع فتنسيق الى تعاون كمقدمة الى “تكامل”.

اللطم السياسي على تهميش القضية الفلسطينية لن يؤخرها ابدا، ما دام الانقسام على قيد الحياة ويجد الدعم المطلق من صانعيه، فموته يعني “خرابا لهيكلهم السياسي” الذي وضع حجره الأساس واقترب من الاكتمال.

عدو القضية الفلسطينية المركزي راهنا، وقبل العدو التاريخي، ما يعرف إعلاميا بـ “الانقسام”، دون قطع رأسه ودفنه ستدفن القضية الوطنية، ويعود الفلسطيني الى تابع بنقاب كياني خال من الوطنية وملامح “حلم التأسيس”.

ملاحظة: مشروع قانون في برلمان العدو يبحث فرض “سيادة الكيان” على الضفة، رغم أنه فرض كثيرا منها “واقعيا”..الغريب ان الخبر لم يستفز الرسمية الفلسطينية، وطبعا الحركة الانقسامية..واحد مشغول بجامعة النجاح وتاني مشغول بجامعة فلسطين..وسلاما لفلسطين..كل بصق الكون قليل عليكم!

تنويه خاص: إخفاء شرطة الاحتلال وقائع أحداث جنازة “الشهيدة” شيرين تأكيد اثبات لجريمة كانت على الهواء..هل تستفيد “الرسمية الفلسطينية” من هيك اعتراف، أم يمر كعشرات الأخبار التي مرت وهي مشغولة بترتيب أوراق “الوراثة السياسية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى