أقلام وأراء

حسن عصفور: العقدة الألمانية، المسألة الفلسطينية، والمكذبة اليهودية

حسن عصفور 2022-08-20

ارتكب المستشار الألماني خطيئة سياسية وتحريضية في آن، ضد فلسطين الشعب والدولة والرئيس، عندما قام بشكل غير ديبلوماسي، وأقرب للوقاحة بالرد على ما أشار له الرئيس محمود عباس، حول سياسية دولة الكيان بالفصل العنصري والتطهير العرقي التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، وتهويد جارف للواقع القائم ضمن نظريتها العنصرية الخاصة.

رد شولتز، شكل انكارا للحقائق التي تشهدها الضفة والقدس وأهل قطاع غزة، ليس فقط ما يتعلق بسياسة “الفصل العنصري”، بل بجرائم حرب ممتدة مع بداية الوجود الصهيوني في فلسطين بعد أول مستوطنة في بلدة الشجرة بصفد 1881 خلال الحكم العثماني.

أن يتجاهل الحاكم الألماني جرائم دولة الكيان، رغم انها جزء من وثائق الشرعية الدولية، مسجلة نصا وصورا وفيديوهات، لم تنكرها الطغمة التي نفذتها، وإن هربت من الاعتراف بها كجرائم حرب في العصر الحديث، فذلك يتعلق به، ولكنه لا يملك الحق القانوني والأخلاقي ان ينكر ذلك علانية، وخلال لقاء أمام العالم بحضور رئيس دولة فلسطين، كسابقة تضع كل علامات “النقص الذاتي” من “المسألة اليهودية”، وأحداث الزمن الهتلري ما اسموه “هولوكوست، بعيدا عن الأرقام ومدى دقتها من عدمها، علما بأن شعوب الاتحاد السوفيتي في حينه، قدمت ما يقارب الـ 20 مليون مواطن كضحايا لتلك الحرب، لم نسمع يوما هزة ضمير كتلك المتعلقة باليهود.

سلوك المستشار الألماني خلال المؤتمر الصحفي، شجع بعض الصحافيين الذهاب الى محاولة استفزاز الرئيس عباس بالطلب منه ادانة عملية ميونيخ سبتمبر 1972، بشكل غير لائق ووقح، ما أدى الى ذهاب الرئيس عباس بكسر كل “بروتوكوله الخاص”، والحديث بحدة وغضب عما ارتكب من مجازر وجرائم حرب نفذتها عصابات صهيونية ثم دولة الكيان…ما لم يتوقعه الألماني والحضور، الذين ظنوا أنهم سيمررون كذبتهم تحت غطاء صمت الرئيس عباس، ولو حدث ذلك لسقط الى نهاية التاريخ من ذاكرة الشعب الفلسطيني.

ولم تمض لحظات حتى بدأت حرب من كل لون يهودي وألماني وأمريكي على الرئيس عباس، ليس تناولا لما قال، بل لما لم يقل، حساب على التفكير كما فعلوا مع اغتيال القائد في الجهاد وسرايا القدس تيسير الجعبري في معركة غزة الأخيرة، اغتيال على التفكير بأنه سينفذ عملية ما في يوم ما.

وتلاحقت حرب الكذب والتشويه لأقوال الرئيس عباس، ولهولها أصدر توضيحا حول الموقف من الهولوكوست بأنه لم ينكره أبدا في التصريح، ورغم ان أقوال الرئيس مصورة وترجمت بكل اللغات لم يقل حرفا بنكران ما حدث من النازية القديمة تجاه اليهود، بل أنه استخدم لفظا حولها لما يحدث للشعب الفلسطيني علهم يدركون، ما أصابهم بجنون له سبب مباشر، ان وصف ما يقومون به يربك كل روايتهم الخادعة، بأنهم دون غيرهم من تعرض لذلك.

وسقطت ألمانيا الدولة بكل تاريخها وحضورها في النظام العالمي أمام “غوغائية” إعلامية يهودية صهيونية قادها المهرج الصحافي يائير لابيد، رئيس الطغمة الفاشية الحاكمة في تل أبيب، وهو من قال عند فوز تحالفهم في الانتخابات الأخيرة لن يلتقي الرئيس عباس لأنه “فاسد” و”غير ذي صلة”، قرار مسبق بفتح ملف التدخل الصريح في تشكيل النظام الفلسطيني وفقا لغياب أي “رؤية إسرائيلية” لحل سياسي، فلجات الفاشية الجديدة الى تلك “الحيل السياسية”، وحاولت استغلال كذبا اقوال لم تقال.

ولاحقا سمحت الدولة الألمانية، لشرطتها، بكسر كل الأعراف بأن تعلن أنها ستبدأ التحقيق فيما قاله الرئيس عباس، حيث لا يمكن لجهاز أمني شرطي القيام بذلك دون موافقة حكومته، كونه ليس قطاعا خاصا بل هو خاضع كليا للحكومة والحكم، الحديث عن فتح تحقيق مع الرئيس عباس حول ما نسب اليه من أقوال، رغم مناورة الخارجية الألمانية حول الحصانة، لكنها سمحت بالسقوط السياسي – الأخلاقي قبل “التعديل”.

سلوك دوني أمام واقع لم يحدث أبدا، لكن الرئيس عباس وضع حقائق نادرا ما يشار لها في مثل هذه المناسبات..حرب عنصرية نادرة هدفها الحقيقي خدمة مخطط دولة الكيان بالهروب من رد على ما يحدث من جرائم متتالية في الضفة والقدس وقطاع غزة، فهربت الى “وهم جريمة برلين”.

“العقدة الألمانية” لن يكون شعب فلسطين ضحيتها، ولعل ما حدث يمثل قاطرة صحو فلسطينية لقراءة حجم المخطط وابعاده، وما حدث مع الخالد المؤسس ياسر عرفات، لم يكن سوى جزء من مخطط صهيوني – تهويدي لتدمير الكيانية الفلسطينية الحديثة، التي انطلقت من بين ركام سياسي.

الحرب على تصريحات الرئيس عباس ليس لما قال صوابا، بل لمنع الذهاب الى الحقيقة السياسية القادمة في الأمم المتحدة، بالانتقال من مرحلة الاعتراف بفلسطين دولة عضو مراقب الى الاعتراف بها دولة كاملة العضوية ما سيضع الكيان العنصري وأمريكا أمام مأزق تاريخي…فكانت حرب العنصرية الحديثة تحت مكذبة “إنكار الهولوكوست”.

“المهزلة الألمانية” ورد فعل “الفاشية الجديدة” في الكيان مع ملاحقهم الصهيونية تأكيد رعب سياسي قادم حول فلسطين الدولة التي ستطل برأسها قادم الأيام.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى