أقلام وأراء

حسن عصفور: التطبيع السعودي ليس مقابل تحسين شروط الاحتلال يا رسمية فلسطينية

حسن عصفور 1-9-2023: التطبيع السعودي ليس مقابل تحسين شروط الاحتلال يا رسمية فلسطينية

لم يعد هناك “أسرار كبيرة” حول آلية ذهاب العربية السعودية نحو صياغة علاقاتها “الإقليمية”، وفقا لرؤية حاكمها الفعلي محمد بن سلمان، والذي تمكن من وضع قواعد كسرت جذر الحركة “الظلامية السياسية – الفكرية والاجتماعية” التي سادت المملكة منذ تأسيسها، متجهة لعهد سعودي بعيدا عن “قواعد محمد بن عبد الوهاب” ليرسم ملاح قواعد محمد بن سلمان، (السلمانية مقابل الوهابية).

من ضمن تلك الانطلاقة الجديدة، بحث آفاق علاقة مع دولة الكيان الاحلالي في فلسطين، والتي بدأت تشق طريقها بأشكال مختلفة، تم تنفيذها، وفتحت قناة تفاوضية عبر واشنطن، وحدث اتصال بين وزير خارجة أمريكا وبن فرحان السعودية، بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة “الفاشية اليهودية” دريمر، والذي أعلن أثره أن إسرائيل لن تعارض حق الرياض بامتلاك مفاعل نووي مدني، ما آثار غضب المعارضة قبل الموالاة، فتراجع نتنياهو سريعا.

لم يعد النقاش، هل سيكون هناك “تطبيع” سعودي – إسرائيلي أم لا، فتلك مسألة تم حسمها منذ زمن بعيد، وليس الان، ولكن الأمر يتعلق بالمقابل السياسي لتلك الصفقة الكبرى، التي لو حدثت ستعيد رسم خريطة المنطقة بكاملها، لما للسعودية ثقلا، سياسيا متسارعا، ماليا يزداد قوة، ودينية للمسلمين بكافة طوائفهم، ولذا التطبيع معها سيكون محوريا في علامات الوجود الإسرائيلي.

ولأن الرياض تدرك ذلك جيدا، ولكنها تدرك قبله، ان موقفها التطبيعي ليس كدول غيرها، بما لها من مكانة دينية، ولذا هي تعمل على قواعد الانطلاق مستخدمة الرسمية الفلسطينية كقاطرة تزيل بعض مطبات تراها خطرا عليها.

وجاء اعلان تعيين سفير سعودي غير مقيم في رام الله، رصاصة الإعلان أن قاطرة التطبيع انطلقت، ومعها بدأت مفاوضات فلسطينية مع الرياض لبحث ما يمكن أن يكون دافعا لـ “تبرير – تمرير ” صفقة التطبيع”، وسريعا نشرت وسائل إعلام أمريكية وعبرية ملامح الرؤية التي يتم مناقشتها كـ “ثمن مقابل” أو “ترضية للرسمية الفلسطينية”.

جوهر العناصر التي تم الإشارة لها، تمركزت على استمرار المرحلة الانتقالية، مع تحسين شروط الاحتلالية فيها، وخطوات مالية اقتصادية واستثمارات، والحديث عن قنصلية أمريكية في القدس، والتي كانت قبل 2017، وقنصلية سعودية في القدس، ما يشير الى قبول مبدئي فلسطيني بشرعنة القدس الغربية عاصمة لدولة الكيان، وتلك سقطة سياسية كبرى، تستوجب شطبها من جدول النقاش.

الحديث عن “تحسين شروط الاحتلال” وتمديد المرحلة الانتقالية على حساب “فك الارتباط” نحو الاستقلالية الوطنية وإعلان دولة فلسطين، يمثل جريمة سياسية كبرى، وتخلي رسمي عن كل قرارات الشرعية الفلسطينية منذ قرارات المجلس المركزي عام 2015، حتى أخر لقاء فصائلي عقد في العلمين.

وكي يخرج بعض جهلة السياسة، بالحديث عن انه التطبيع يسير شاءت فلسطين أم لم تشأ، ويبرر ما يتم بحثه اطالة للزمن الاحتلالي على حساب الزمن الاستقلالي، ففرق كبير أن يذهب البعض دون مباركة فلسطينية (كما حدث) ، وأن يذهب بغطاء فلسطيني، والرياض لم تكن تجهل تلك المسألة، ولذا مارست ذكاءا سياسيا فيما أرادت.

القبول بمبدأ مناقشة ماذا يكون مقابل الصمت – الموافقة الفلسطينية، يجب أن ينطلق من قاعدة الاستقلالية الجديدة، بمعني نقل مفهوم الاعتراف المتبادل بين الطرفين، من منظمة مقابل دولة الى دولة مقابل دولة، وتبدأ مفاوضات مباشرة بين الدولتين حول القضايا العالقة ومستقبل العلاقات بينهما، وألا يتم الحديث أبدا حول تهدئة استيطانية وفتح مشاريع في جزء من أرض فلسطينية، فذلك منطق تكريس للسلطة الاحتلالية على حساب الكيانية الفلسطينية.

جوهر المفاوضات الذي يجب ان يكون هو الخروج كليا من “ثوب المرحلة الانتقالية”، وخاصة أن دولة فلسطين باتت عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، وهناك فرصة سياسية كبرى لأن يعلن الرئيس محمود عباس من الرياض، عن استبدال المشهد الكياني من سلطة فلسطينية الى دولة فلسطينية.

وأي حديث ما دون ذلك سيكون منح شرعية رسمية فلسطينية للمخطط التهويدي بكل أشكاله، مقابل “امتيازات حكم” على حساب القضية الوطنية، ما سيفتح الباب مجددا لاعتبارها سلطة خرجت عن إطارها الشرعي، ومنحت دولة الكيان ومشروعها التهويدي – الاستيطاني في الضفة والقدس “شرعية رسمية”.

إن كان الخيار بين موافقة فلسطينية على تطبيع سعودي مقابل “مكاسب خاصة” تخدم جوهريا مخطط دولة العدو، ورفض فلسطيني مقابل خسارة “امتيازات خارج النص الوطني العام”، لتخسر امتيازا على ان تخسر وطن وقضية.

خيار الموافقة على التطبيع السعودي أو رفضه ليس خيارا مرنا أبدا، وربما هو الأصعب منذ وجود قيادة الرسمية الفلسطينية الراهنة، فهو الاختبار الذي سيكون جزء من سجل تاريخي، وطنية القرار أم ذيلية قيادة، لا وسط بينهما!

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى