أقلام وأراء

حسن عصفور: إسرائيل تعيد صياغة “الوصاية الاحتلالية” على قطاع غزة

حسن عصفور 9-12-2025: إسرائيل تعيد صياغة “الوصاية الاحتلالية” على قطاع غزة

يوم 17 نوفمبر 2025، وافق مجلس الأمن بشبه إجماع (13 دول مع وبامتناع روسيا والصين) على قرار 2803 الخاص بوقف الحرب على قطاع غزة، ومنح دولة الاحتلال كثيرا مما طالبته على حساب الموقف الفلسطيني، بما فيه إدخال تعابير كانت تمثل حراما سياسيا مطلقا، بوصفه عمل فصائل بـ “إرهابية” وتدمير “البنية التحتية للإرهاب”، ونال ترحيبا واسعا عربيا ودوليا، بما فيه الرسمية الفلسطينية.

ورغم ما حمل قرار مجلس الأمن من إدانة غير مباشرة للعمل المسلح في قطاع غزة، وارتضته الفصائل بصمت تحت ذرائع مختلف، عملت دولة الاحتلال مبكرا من التهرب التنفيذي لما عليها من بنود تبادلية بعد مضي 72 ساعة، خاصة وأن حماس وتحالفها الفصائلي قدمت الكثير فيما لم تفعل دولة العدو سوى القليل، لسبب غياب أي رقابة حقيقة أو آلية تنفيذ قادرة على عدم الهروب من التطبيق، وموقف أمريكي معها دون غبار.

ويبدو أن دولة العدو الاحلالي وجدت أن “الطريق سالك” لفرض رؤيتها الكاملة وتعديل مسار القرار الأممي، لتعيد صياغة المسار العام، استباقا لما عليها مع طرق المرحلة الثانية باب التنفيذ، والتي تتوجب استحقاقات يجب القيام بها، بدأت في الترويج لعدم القيام بالتنفيذ تحت ذرائع عجيبة، وكأنها اكتشفتها فجأة.

جوهر موقف دولة الكيان، وقبل زيارة رئيس حكومتها، المطلوب للعدالة الدولية نتنياهو لواشنطن ولقاء ترامب خلال أيام، تحدد في “عجز القوة الدولية” عن القدرة بنزع سلاح قطاع غزة، بما فيها حماس وتحالفها، وتدمير البنية التحية للعمل العسكري بشكل كامل، وضمان “أمن إسرائيل”، الذي بات له تعريفات جديدة.

ولكن المفاجأة السياسية الأخطر، جاءت من رئيس أركان جيش الاحتلال، والذي تحدث لأول مرة حول اعتبار الخط الأصفر هو حدود دولة إسرائيل الجديدة، في لغة واضحة بأنها ليست محتلة، بما يشير مقدما أن ما يتم ترويجه حول “مناطق بلا فصائل”، أو بلا “خطر أمني” في المنطقة التي تساوي نسبة 60% من قطاع غزة أصبحت جزءا من “حدود الأمن الإسرائيلي الجديد”، ورسم خريطة جديدة، أمنية سياسية، تؤشر لمنع وجود كيانية فلسطينية لزمن طويل.

سياسة دولة الاحتلال صياغة مضمون قرار مجلس الأمن وفقا لرؤيتها الأمنية – السياسية الكاملة، جاءت بعد قياس مواقف الأطراف الراعية للاتفاق، ومعها الأطراف العربية وكذا الدولية، خلال المرحلة الأولى من التطبيق، حيث لم يكن هناك ما يمكن اعتباره قوة ضغط أو تأثير قادرة على فرض منطق القرار الأممي، بما فيه فتح معبر رفح، والذي كان يجب فتحه بعد 72 ساعة.

دولة الاحتلال انتقلت من “مواءمة” موقفها مع طلب قبول القرار الأممي إلى فرض رؤيتها الكاملة من طرف واحد، كونها تدرك جيدا غياب أي قوة فعل قادرة على كسر ما تريده في المرحلة القادمة، وأن وجودها داخل قطاع غزة ليس مؤقتا أو محدودا، بل هي اللاعب المركزي في التحكم بتفاصيل المشهد الغزي القادم لزمن غير محدود.

دولة الاحتلال، ومن قطاع غزة الجديد، ترسل رسالتها أن الضفة والقدس لن تكون يوما خارج سيطرتها الأمنية بين الضم الممكن والتهويد الخاص، واليد العليا على “جزر سكانية خاصة”، ولن تسمح بوجود كيان فلسطيني موحد ليس بين قطاع غزة والضفة والقدس، لكنها لن تسمح به في الضفة الغربية، كما في قطاع غزة.

دولة الاحتلال بدأت عمليا في إعادة صياغة المشهد الفلسطيني بين وصاية احتلالية في قطاع غزة واحتلال مستحدث في الضفة والقدس، بعدما أدركت أنه لا رادع لها، ولا يوجد في المدى المنظور، وموات كفاحي للرسمية الفلسطينية ومكوناتها، بعدما قدمت حماس وتحالفها الهدايا التي ما كانت يوما جزءا من “حلم هرتسل”.

السؤال، ما الذي يمكن أن يدفع الرسمية الفلسطينية لبعض غضب وطني، وان تعلن ولو “همهمة” للأشقاء العرب، خاصة مصر، السعودية وقطر، بتحرك يحمي “بقايا الكيانية السياسية” قبل أن يقال يوم لا ينفع ندما وطنيا.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى