أقلام وأراء

حسن البطل يكتب – الحاجة لإصلاح جذري سلطوي

حسن البطل – 29/6/2021

عاش الشعب الفلسطيني، بين أيار النكبوي وحزيران النكسوي، شهراً حافلاً ودراماتيكياً، ففي مطلع أيار كنا سنذهب إلى حسم ديمقراطي للحسم الحمساوي العسكري، الذي حصل في حزيران 2007، أي رأب الصدع الفصائلي ـ الوطني. الانتخاب المأمول لذلك، تم تأجيله بصيغة أقرب إلى الإلغاء، لأسباب تبدو مقنعة للبعض وغير مقنعة للبعض الآخر.

طيلة سنوات، بين التشريعي الثاني، الذي اكتسحته حركة حماس، وانتخابات التشريعي الثالث الملغاة، كان السؤال المطروح هو تفعيل منظمة التحرير، أينوعا من الفصل بين السلطة، ابنة المنظمة، وبين المنظمة الأم.

الذي حصل، بعد مقتل الناشط نزار بنات، أن علاقة حركة فتح بالسلطة الوطنية، طرحت سؤالاً عن تحديد علاقتها بسياسة السلطة وحكوماتها، وكيف انتقلت علاقتها من الفصيل القائد للمنظمة التي عقدت اتفاق مبادئ أوسلو، وبين صيرورتها، عملياً، الحزب الحاكم في السلطة.

حركة الاحتجاج على مقتل الناشط نزار بنات، كانت تعبّر عن خيبة قسم كبير من الشعب من تصور السلطة الوطنية عن صلب وثيقة إعلان الاستقلال، التي أقرها المجلس الوطني العام 1988، وكذلك عن القانون الأساسي، الدستور المؤقت، الذي صدر عن المجلس التشريعي الأول، ذي الغالبية الفتحاوية الكاسحة، حول حقوق الإنسان ـ المواطن، والحق في التظاهر الشعبي السلمي، وبدا أن الفلسطينيين يؤسسون لديمقراطية عربية أولى.

كلا الوثيقة والدستور المؤقت، صدرا ولم تكن حركة حماس عضواً في المجلس الوطني القومي، أو عضواً في المجلس التشريعي، لكنها صارت الفصيل الثاني وحكومة الأمر الواقع في غزة.

مع تأسيس أول سلطة وطنية فلسطينية في التاريخ، نظمت الدول المانحة دورات لتثقيف قوات الأمن، من خرّيجي معارك الثورة وحروبها، حول كيفية التصرف مع حقوق المواطن، وتشكلت الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، وكان تقريرها السنوي عن مخالفات وتجاوزات أجهزة الأمن، موضع نقاش واعتبار، خاصة في السنوات الأولى لصدور تقريرها السنوي.

في المنفى، والزمن الثوري، كانت علاقة أجهزة الأمن الثلاثة: قوات الـ 17، وجهاز أمن أبو إياد، وجهاز أمن أبو الهول، علاقة أخوية، وكان جهاز «الكفاح المسلح» أقرب إلى شرطة عسكرية للانضباط الفصائلي، وشرطة مدنية لفض الخلافات المدنية بالتراضي دون تأثيرات عشائرية مثلاً.

مع ذلك، انتقد أبو عمار في مؤتمر «فتح» الخامس أداء أجهزة الأمن، وقال: هل «يلزمنا أمن على الأمن»، علماً أنها كانت فتحاوية غالباً، كما هو حال أجهزة أمن السلطة حتى الآن. تشكلت منذ العام 2003، عدة حكومات سلطوية، والحكومة الحالية هي الـ 18. ماذا جرى في العام 2003؟ لأول مرة تم فصل سلطات بين رئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير، وبين أول حكومة سلطوية. كان هذا أول إصلاح سلطوي، وكان محمود عباس أول رئيس حكومة سلطوية، وحصل هذا تحت ضغط دولي.. لكن ذلك انتهى باستقالة مبكرة أولى لتنازع الصلاحيات.

حتى الحكومة الحالية برئاسة محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لـ«فتح» لم تسقط أي من الحكومات السلطوية تحت ضغط حركات احتجاج شعبية أو تصويتات الثقة في البرلمان كالتي اندلعت هذا الشهر، تحت مطالبات ليس فقط باستقالتها، بل مع مطالبات باستقالة النظام.. وحتى رئيس السلطة!

بدلاً من رأب صدع انقسام فصائلي غزّي، عبر صناديق الاقتراع، حصل نوع من الانقسام الشعبي، وعلينا في بحر أيام وأسابيع أن نرى هل ستؤدي لجنة تحقيق أخرى، إلى إقناع حركات الاحتجاج بإصلاح جذري في أجهزة الأمن، وفي المبنى السلطوي برمّته، وفي علاقة «فتح» كحزب قائد بالسلطة؟

لي وجهة نظر وهي أن الإصلاح السياسي الجاري لا يبدأ بـ»تفعيل» وإحياء منظمة التحرير، بل بإصلاح السلطة الفلسطينية. لماذا؟ المنظمة «ختيرت»، وهي تتوكّأ على ابنتها الشابة السلطة، وعمادها حركة فتح، أي إصلاح علاقة الحركة بالسلطة، وعلاقة السلطة بحكوماتها.

أي إصلاح جذري ليس بالمسألة السهلة، ما دام رئيس السلطة الحالي هو رئيس المنظمة والدولة المعلنة، ورئيس حركة فتح، وتتألف الحكومات السلطوية بمراسيم رئاسية، في غياب الثقة أو سحبها منها في المجلس التشريعي.

عندما استقال أول رئيس مؤسس لمنظمة التحرير، أحمد الشقيري، وكان منتخباً من المجلس الوطني، ترأس المنظمة يحيى حمودة، حتى انتخاب ياسر عرفات من المجلس الوطني، الذي صار حسب انتخابات شعبية أول رئيس مؤسس للسلطة الفلسطينية، أيضاً.

عندما رحل ياسر عرفات تم ملء الفراغ الكبير حسب نصوص الدستور المؤقت، وكان روحي فتوح رئيس التشريعي الأول، إلى أن تم انتخاب أبو مازن من الشعب العام 2006. نظامنا السياسي رئاسي برلماني.

يمكن ملء الفراغ إذا كان رئيس الحكومة السلطوية الحالي استنتج العبر من تقرير لجنة التحقيق، وأسهل من ذلك إجراء تغييرات في أجهزة الأمن، لكن أي رئيس للسلطة لا يمكن إسقاطه بشعار «ارحل» في غياب نائب للرئيس، والأهم في غياب انتخابات شعبية عامة. «فتح» المنفى الثوري غير «فتح» بعد السلطة.

المسألة أن نقابة المحامين لن تشارك في عضوية لجنة التحقيق، وأن نقابة الصحافيين ستقاطع تغطية نشاطات السلطة، لاحتجاجها على قمع أعضائها خلال قمع حركات الاحتجاج، ومشاركة محازبين لـ»فتح» بالزي المدني في ذلك.

إذا توصلت لجنة التحقيق إلى خلاصات، صريحة ومباشرة، حول علاقة تجاوزات أجهزة الأمن بمقتل الناشط، وعلاقتها بالحكومة، قد يمكن إخماد حركات الاحتجاج، وإبعاد شبح الانقسام الثاني بين قسم من الشعب يحتج ويعارض وقسم آخر يدافع عن الحركة والسلطة والحكومة.. ورئيس «النظام» السياسي الفلسطيني الحالي.

مع ذلك، فعلى رئيس «النظام» أن يبادر، مهما كانت توصيات لجنة التحقيق، إلى تحديد أقرب موعد خلال ستة شهور لإجراء الانتخابات، وخلالها تعيين نائب للرئيس.

الوضع الفلسطيني ليس «على كفّ عفريت» بعد، لكن يحتاج إلى إصلاح جذري سلطوي، لا بدّ منه لعلاقة السلطة بالحزب الحاكم، وعلاقة السلطة بالمنظمة.. وعلاقة أجهزة الأمن بحقوق المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى