أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – شرق المتوسط لن يلتهب

حافظ البرغوثي *- 18/8/2020

عاد التوتر إلى شرق البحر المتوسط بعد حادث تصادم بين فرقاطتين تركية ويونانية قبالة جزيرة كريت إثر إرسال أنقرة سفينة مسح للتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري اليوناني الذي اعتبرته أنقرة ضمن حدودها البحرية، وفقاً لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج الموالية لها في ليبيا. وقللت أثينا من أهمية الحادث الذي لم يسفر عن أضرار، لكن أنقرة اعتبرته استفزازاً يونانياً.

وكانت تركيا اشتد غضبها بعد توقيع مصر واليونان على اتفاقية ترسيم الحدود بينهما، وإخراج مناطق ادعت سيادتها عليها من نطاق الحدود البحرية التركية، وهي جغرافيا تابعة لليونان ومصر. وقد أعربت تركيا عن استعدادها للحوار، ووقف عمليات المسح في البداية، لكنها صعدت موقفها من اليونان بعد ذلك. وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أطلق تصريحات عبر «تويتر» أعرب فيها عن دهشته للموقف المصري المؤيد لليونان، إلا أنه كشف أن الاتصالات بين الجانبين مستمرة على مستوى رئيسي المخابرات في مصر وتركيا.

وقال في مقطع فيديو نشره الحساب الرسمي لتركيا الآن: «أستصعب فهم موقف مصر، الشعب المصري والتركي، موقفهما من بعضهما البعض ليس كتضامن الشعب المصري مع الشعب اليوناني، فحضاراتنا ومبادئنا أقرب لبعضنا البعض من اليونان، وعلى الحكومة المصرية أن تعي ذلك»، على حد قوله. وقال أردوغان: إن الاستخبارات المصرية والتركية تقول أشياء أخرى، فهي تتحدث عن مجرد سوء تفاهم، ولا بد من إصلاحه. ولكنه لم يشر إلى أسباب سوء الفهم هذا، وهو التدخل في الشؤون المصرية، ودعم الإرهاب في مصر، ومحاولة الوصول إلى حدودها الغربية عبر ليبيا.

وكشف أردوغان: «أن الاستخبارات المصرية والتركية تتواصل في هذا الشأن، وسنجعل هذا التواصل مستمراً!»، وكأنه هنا يحاول استمالة مصر إلى جانبه، وفتح حوار معها، وخاصة بعد الإنذار المصري للقوات التركية والمرتزقة التابعين لها في ليبيا من مغبة تجاوز الخطوط الحمر في سرت وجنوب ليبيا، وفهم الأتراك أن مصر لا تمزح بشأن أمنها القومي، فكانت اللهجة الناعمة من قبل أردوغان الذي بات يواجه عزلة أوروبية وإقليمية.

وكانت اليونان أكدت عدم رضوخها للابتزاز التركي، وقالت بعد تهديد أردوغان لها: إن أمام أنقرة إما التفاوض أو الذهاب إلى المحكمة الدولية، للبت في النزاع حول الحدود البحرية.

وكانت مصر قد وقعت، مؤخراً، اتفاقية مع اليونان لترسيم الحدود البحرية بسبب انتهاكات تركيا في شرق المتوسط، وإصرارها على استمرار أعمال التنقيب والمسح الزلزالي، وأثارت هذه الاتفاقية حفيظة الرئيس التركي الذي وصف الاتفاقية المصرية اليونانية بأنها «لا قيمة لها»، ورد عليه وزير خارجية اليونان بأن اتفاق أردوغان مع حكومة السراج مصيره «سلة المهملات». كما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس، رفض باريس لخطوات تركيا «الخطيرة وأحادية الجانب».

وأعربت فرنسا عن قلقها البالغ إزاء التوترات التي تسبب بها القرار التركي الأحادي بالتنقيب في منطقة شرق المتوسط. وكانت باريس قررت تعزيز حضورها العسكري في منطقة شرق المتوسط بشكل مؤقت، حرصاً على احترام القانون الدولي. ودعا ماكرون إلى فتح «حوار سلمي» بين تركيا والدول المجاورة لها وشركاء حلف الناتو.

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، عزم بلاده الرد على أي استفزاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث قال: إنه رداً على نشر تركيا لأسطولها في المنطقة، بأن اليونان قامت بنشر أسطولها هناك أيضاً، ووضعت القوات المسلحة «في حالة تأهب».

وأضاف ميتسوتاكيس: «نأمل أن يسود التعقل في نهاية المطاف لدى جارتنا، حتى نتمكن من الشروع بحوار صادق».

وأعلن الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن جوزيب بوريل، بعد اجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، عن تجديد تضامن دول الاتحاد مع قبرص واليونان، داعياً تركيا إلى التهدئة واستئناف المفاوضات.

ومن المقرر أن يبحث قادة الاتحاد الأوروبي الوضع في شرق المتوسط في قمة مرتقبة الشهر المقبل، لكن حتى الآن ما زال الموقف الأوروبي ناعماً تجاه تركيا، حيث إن أردوغان يمسك بورقة فتح باب الهجرة للاجئين السوريين في بلاده نحو أوروبا، وهو إجراء يرهب أوروبا كما حدث قبل سنوات، لكن موقف أردوغان هو الآخر ليس قوياً، لأنه فقد تأييد الدول الإقليمية والكبرى أولاً، كما أن علاقاته مع العراق وسوريا سيئة جداً، ويواجه مشاكل أمنية هناك بعد تدخله عسكرياً، ووضعه في ليبيا ليس مثالياً بعد إعادة فرض أوروبا حظر السلاح على ليبيا، إضافة إلى أن الرافعة النفطية التي يبحث عنها أردوغان لإنقاذ اقتصاده تحتاج إلى سنوات من العمل بينما ينهار الاقتصاد يومياً.

لكن أغلب المحللين يستبعدون تطور الوضع إلى حرب بين اليونان وتركيا، لأن الموقف التركي في حالة ضعف دبلوماسياً وقانونياً، وأوروبا تسعى إلى التهدئة في خضم الأزمات الصحية والاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى