أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – القرصنة الدولية في ظل الجائحة

حافظ البرغوثي – 7/4/2020

أظهرت كارثة كورونا المستمرة، مدى استهتار أغلب الأنظمة السياسية بأرواح مواطنيها في بداية الجائحة، حيث قللت من مخاطر الفيروس المستجد ومدى أنانية بعض الأنظمة التي تتغنى بالحضارة والديمقراطية والرقي، فهل كنا نتخيل هذا الاندفاع الفوضوي على المتاجر، وهل تخيلنا أن تعمد دول كبرى إلى سرقة معدات طبية من بعضها وأن تلجأ دول إلى عصابات الإجرام لتوفير معدات طبية!. فقد شهدنا خلال الأسابيع الماضية مظاهر تدخل في باب البلطجة السياسية مارسها سياسيون في بلدانهم، أشرنا إلى بعضها في مقالات سابقة، لكن المشين أن تعمد بعض الدول إلى أعمال قرصنة وسرقة لمعدات طبية وهو ما حدث فعلاً.

ففي بداية انتشار الفيروس في الولايات المتحدة سارع الأمريكيون إلى متاجر بيع الأسلحة فأفرغوها من السلاح باعتبار أنه في الأزمات تحدث أعمال نهب وسلب وقتل، ولذلك سعى كلٌ إلى امتلاك سلاح للدفاع عن نفسه بينما تعرضت بعض المتاجر إلى النهب. وتابعنا الاندفاع الفوضوي في المتاجر لشراء المواد الضرورية وتخزينها في أغلب دول العالم من أستراليا حتى كاليفورنيا، حيث خرجت الأنانية الفردية من قمقمها ونحّت جانباً كل الأخلاقيات التي تفاخر بها بعض المجتمعات الغربية، وصار همّ الفرد حماية وإطعام نفسه، ولهذا رأينا كيف أن الرئيس الأمريكي ترامب استعان بالحرس الوطني والجيش لضبط الأمن في بلاده ومنع انزلاقها إلى الفوضى.

لكن الوجه الآخر وهو القرصنة الدولية للمعدات الطبية كان صارخاً وواضحاً ومؤلماً أيضاً لأن كل دولة تريد الاستحواذ على المعدات لإنقاذ مرضاها ولا تهتم بمصير مرضى الدول الأخرى، وهكذا شاهدنا جمهورية التشيك تصادر كمامات صينية مرسلة عبر أراضيها إلى إيطاليا، بينما سيطرت إيطاليا على سفينة تنقل كحولاً طبيا إلى تونس من الصين، واتّهم وزير التجارة التونسي محمد المسيليني، إيطاليا، بالاستيلاء على الباخرة. وقال إن «ما حدث لهذه الباخرة شبيه بسرقة التشيك لشحنة كمامات أرسلتها الصين إلى إيطاليا للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا».
وأضاف أن كلّ الدول الأوروبية تعيش اليوم حالة من الهستيريا وجميعها تسرق المعدّات خوفاً من هذا الفيروس.

وكشف مسؤول فرنسي كيف أن مسؤولين أمريكيين توجهوا إلى الصين في طائرة خاصة وأقنعوا الصين بتحويل وجهة كمامات كانت قد اشترتها فرنسا ودفعت ثمنها مسبقاً، لينتهي بها المطاف على الأراضي الأمريكية بدل نظيرتها الفرنسية بعد أن دفع الأمريكيون ثلاثة أضعاف السعر. وتابع المسؤول الفرنسي: لدينا مشكلة… الصينيون في أزمة ونحن ندفع بالتقسيط… والأمريكيون يدفعون المبلغ كاملاً ونقداً.

مع أن فرنسا كانت هي السباقة في تقديم الدعم للصين، وأرسلت في شهر فبراير الماضي 17 طناً من المعدات الطبية إلى مدينة ووهان الصينية حيث ظهر الفيروس. وفي السياق نفسه أعلنت الخارجية الإسبانية أن السلطات التركية استولت على شحنة من أجهزة التنفس الاصطناعي اشترتها إسبانيا من الصين وتمت مصادرتها من طائرة شحن في إسطنبول. وفي سياق ذي صلة، اختفت شحنة تضم 6 ملايين قطعة من الكمامات للحماية من فيروس كورونا، كانت معدة للنقل إلى ألمانيا من مطار بكينيا اشترتها وزارة الدفاع الألمانية من إحدى الجهات دون تحديدها. وفي موازاة ذلك نشط عملاء جهاز الموساد «الإسرائيلي» في العالم لتوفير معدات وأدوية وأجهزة تنفس اصطناعي من السوق السوداء، حيث وضع تحت تصرفهم مليار دولار، وبالطبع استعان الموساد بعصابات من اللصوص والمافيا لسرقة المعدات.

فالدول تحولت فجأة إلى البلطجة والقرصنة دون وخز من ضمير.

وتجرّأ لصوص على سرقة عشرات آلاف الكمامات بمدينة كولونيا، حيث أعلنت الشرطة أن لصوصاً سرقوا 50 ألف كمامة من مخزن تابع لمستشفيات في المدينة الواقعة غربي ألمانيا.

وقالت متحدثة باسم المستشفيات لوكالة الأنباء الألمانية إن هذا «نوع جديد من السرقات، فنحن نتحدث هنا عن أشياء جرت العادة أن تتراوح قيمتها في نطاق السنت، لكن يبدو أن هناك سوقاً لهذه الأشياء حالياً».

وكانت بداية القرصنة عندما عرضت واشنطن على الرئيس التنفيذي للشركة الألمانية «اجي كيور فاك» شراء امتياز لقاح ضد الكورونا كانت الشركة في طور تجربته لكن إدارة الشركة رفضت وأقالت رئيسها التنفيذي قائلة إن ألمانيا ليست للبيع.

فكما نرى، فإن فيروس كورونا كشف فيروسات الأنانية والنرجسية بين الدول، وجعل دولاً كبرى تعمد إلى السرقة وتستعين بالمجرمين لتوفير معدات طبية من السوق السوداء، وكأن العالم يستحق هذا الموت الأسود بسبب غطرسة كباره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى