أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب –  القدس لب الصراع

حافظ البرغوثي *- 29/5/2021

نتنياهو مسؤول عن المعركة الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فالرجل لم ينجح بعد أربع انتخابات متتالية في حسم تشكيل حكومة مستقرة، واستفز أهل القدس بالممارسات الاستيطانية؛ لأنه تاريخياً يعلم أن المساس بالمقدسات وسياسة التطهير العرقي لا بد أن تثير الفلسطينيين، وهو ما حدث فعلاً، لأن أي إجراء احتلالي في القدس تاريخياً؛ يفجر هبة أو انتفاضة. 

 كان نتنياهو يبحث عن إنجاز ما؛ يتيح له خلط الأوراق الإسرائيلية، ويعرقل تشكيل حكومة جديدة من خصومه؛ لأن مصيره السياسي مرتبط ببقائه رئيساً للوزراء حتى يبقى خارج المساءلة القانونية بتهم الفساد. فيما الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة كان لا بد لها أن تدخل المعركة من منطلق وحدة الشعب والأرض والمصير، فاتسعت المواجهة. من جانبه تبين أن نتنياهو لم يستفز المقدسيين فقط؛ بل خطط لاستفزاز عرب ال48 الذين كانوا يمرون بمرحلة من التمييز والتضييق؛ من خلال سن قوانين كثيرة ضدهم وتهميش وضعهم المعيشي، وتسهيل تغلغل الجريمة في أوساطهم وانتشار جرائم القتل شبه اليومية؛ نتيجة عدم متابعة الشرطة للجرائم وتسهيل انتشار السلاح بينهم لأهداف إجرامية تحت نظر الشرطة.

 وتبين بعد إنهاء المعركة الأخيرة أن من قاموا باستفزاز عرب ال48 هم أعضاء من جماعة حزب القومية الصهيونية  وشبيبة الليكود سواء في القدس أو غيرها، فهم من هاجموا مسجد اللد، وسيطروا عليه قبل طردهم وعادوا بحماية الشرطة مسلحين وتم قتل شاب من المدينة برصاص الشرطة، فاتسع نطاق التظاهرات في مدن وقرى ال48. كما تبين أيضاً أن قائد الشرطة تم تعيينه من قبل نتنياهو؛ لأسباب سياسية لينفذ أوامره؛ وهو أمر يحقق فيه القضاء الإسرائيلي حالياً، ويخضع مباشرة لوزير الداخلية أمير روحانا الذي كان نتنياهو عينه وزيراً قائماً بأعمال وزير القضاء، وتم رفض تعيينه من قبل الوزير جانتس؛ لأن نتنياهو أراد إجراء تغييرات في النظام القضائي تتيح إسقاط كل التهم عنه.

 عملياً إنها معركة من أجل رجل واحد؛ لكنه لم يحقق أي إنجاز عسكري أو سياسي على الرغم من المهلة الطويلة التي طلبها من الرئيس بايدن؛ لإكمال مهمته؛ لذا سعت واشنطن لعرقلة انعقاد مجلس الأمن لهذا الهدف. وتبين أيضاً أن الجيش الإسرائيلي نفسه فوجئ باندلاع المواجهات؛ لأنه لم يكن مستعداً لها كما ورد على لسان كبار القادة العسكريين، ولم تكن له خطة للمعركة؛ بل اضطر إلى تحديد أهداف لقصفها بسرعة، ونقل قوات وآليات من الحدود اللبنانية إلى حدود غزة، فيما كان الفلسطينيون في قرى الجليل يرجمون ناقلات الجنود بالحجارة أثناء مرورها.
انتهت المواجهات عملياً الآن، لكن الوضع ما يزال معقداً، واحتمالات تجددها ما تزال قائمة؛ لأنها باتت معركة كسر عظم بين الفلسطينيين وإسرائيل، فنتنياهو ما يزال قادراً على استئنافها. فإعمار غزة الذي بدأ منذ عدوان 2008 لم ينتهِ بعد فما بالك بعدوانين بعده؛ أي سنة 2012 ثم 2014 .

 الآن عاد الوضع إلى تعقيداته، فالمجتمع الإسرائيلي ما يزال منقسماً بحدة، والمجتمع الفلسطيني عاد إلى انقسامه، وعادت القدس إلى الاشتعال مجدداً؛ حيث يواصل الإسرائيليون مخططاتهم في التطهير العرقي؛ لأن نتنياهو منذ بداية المعركة طلب منه الرئيس الأمريكي التهدئة في غزة والقدس، فرد نتنياهو أنه مستعد للتهدئة مع غزة؛ لكن القدس عاصمته الأبدية ولا تراجع فيها. فالصراع مع الاحتلال هو على الضفة والقدس ولم تكن قضية فلسطين هي غزة فقط، التي تعرضت لأبشع الاعتداءات؛ وإلا لما انسحب الاحتلال أُحادياً منها سنة 2005.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى