أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – الانتخابات.. وحسابات الوعي الفلسطيني

حافظ البرغوثي – 12/3/2021

فرضت السلطة الفلسطينية إغلاقاً شاملاً على مدن الضفة لكسر حدة تفشي السلالة البريطانية من الفيروس كورونا التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ورفعت نسبة الإصابات من معدلها نحو ألف إصابة إلى ما فوق الألفي إصابة يومياً أحياناً مع مضاعفة عدد الوفيات التي بدأت تصل إلى أكثر من عشرين وفاة يومياً. وفي الوقت نفسه خففت السلطات الإسرائيلية من قيود الإغلاق وعادت لفتح المتاجر والمقاهي والمطاعم والمدارس بعد تطعيم أغلب السكان وتجاوز اللقاح الثاني عتبة نصف الملقحين لمرة واحدة. إلا أن الأرقام الإصابات في إسرائيل تبقى فوق 3 آلاف يومياً.

واكتظت المشافي الفلسطينية بالمرضى؛ بحيث تجاوزت طاقتها القصوى على الرغم من تجهيز أقسام جديدة وشمول الإصابات للشباب في ظاهرة لافتة من حيث شراسة الفيروس المتحور. وتم حتى الآن تسجيل قرابة مئتي ألف إصابة في الضفة الغربية وغزة والقدس وبلغ عدد الوفيات 2170 بما فيها القدس المحتلة التي تخضع للسلطات الإسرائيلية وتلقى أغلب سكانها اللقاح. بينما بلغت الإصابات في إسرائيل 805 آلاف حالة والوفيات قرابة ستة آلاف.

وحالياً لا تجد السلطات الطبية حلاً للاكتظاظ في المشافي؛ حيث ينتظر المرضى وفاة مرضى آخرين ليحلوا مكانهم، وهي مأساة إنسانية؛ بحيث تضطر فرق طبية لعلاج المرضى في بيوتهم. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت للحصول على لقاحات فإنه لم تصل سوى كمية من دولة الإمارات إلى غزة وبضعة آلاف من برنامج «كوفاكس» للصحة العالمية إلى الضفة، وجرى تلقيح الأطقم الطبية وكبار السن، بينما اضطرت إسرائيل تحت ضغوط دولية لتلقيح الأسرى بلقاح موديرنا وستبدأ بتلقيح العمال على معابر الدخول، وتعثر وصول خمسين ألف لقاح جرى التعاقد عليها مع روسيا، بينما تمكن كبار رجال الأعمال من شراء فايزر الأمريكي لأنفسهم من مصدر إسرائيلي.

الجائحة ستستمر في الأراضي الفلسطينية في غياب حل جذري لأزمة اللقاح العالمية وإيجاد أقسام ومعدات طبية في المستشفيات الحالية التي لم تعد تكفي في حالة عدم كسر حدة الوباء. وفي موازاة ذلك يجري التحضير لانتخابات تشريعية قد تفاقم الجائحة بسبب التجمعات المرتقبة في شهر مايو/أيار المقبل وهي انتخابات غريبة التوقيت وغريبة الإخراج؛ حيث لا يفهم سبب إجرائها في هذا الوقت، خاصة أن السلطات الإسرائيلية وضعت برنامجاً للانتهاء من تلقيح سكانها قبل الانتخابات الشهر المقبل، وهو ما سيتيح الاقتراع بيسر، فيما الوضع الفلسطيني كما هو لا يسمح بتجمعات، كما أن القول إن هناك مطالب دولية لتجديد الشرعيات المنتخبة هو كلام تبريري، فلا أحد من الدول العربية أو الغربية طالب بمثل هذه الانتخابات حالياً، كما أن انتخابات من دون مصالحة حقيقية بين حماس وفتح وتولي سلطة واحدة الإشراف عليها لن يكتب لهذه الانتخابات أن تؤتي ثمارها، فلا يجوز إجراء انتخابات تحت سلطتين غير متفقتين على الأرض أيديولوجياً وسياسياً. وقد قال البعض إن هذه الانتخابات ستجري تحت إشراف آلاف من المراقبين الدوليين وهذا كلام غير دقيق فلا الوضع الوبائي في العالم يسمح بالتنقل ولا بالحركة لمثل هذا العدد. خصوصاً إذا علمنا أن فريق كرة قدم يحتاج كي ينتقل من دولة أوروبية إلى أخرى وعلى طائرة خاصة إلى أذونات كثيرة بعضها مستحيل، فيضطرون لإجراء المباريات في غير أماكنها، فهل سيسمح لآلاف المراقبين بالتنقل وكيف وأين؟

لو كانت هناك حسابات للوعي السياسي لدى الفصائل الفلسطينية لتم تأجيل الانتخابات إلى وقت مناسب، وصب الجهود نحو إيجاد مصالحة حقيقية تنتشل الشعب الفلسطيني من جائحته السياسية وجائحته الوبائية قبل الذهاب إلى المحاصصة في الحكم وتوزيع الحقائب. أعتقد بأنه بالإمكان اللجوء إلى منظمة الصحة العالمية من قبل منظمات حقوقية لكي توصي بتأجيل الانتخابات باعتبار أنها ستؤدي إلى كارثة إنسانية وصحية لا طاقة للشعب الفلسطيني بتحملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى