أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – أردوغان يرتب أوراقه لمرحلة بايدن

حافظ البرغوثي – 8/12/2020

يعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترتيب أوراقه مجدداً في مواجهة فقدانه حليفه الشخصي دونالد ترامب، الذي غفر له كل نزواته ومغامراته العسكرية خارج تركيا من توغل في سوريا والعراق، إلى تدخل عسكري في ليبيا، إلى مشاركته في حرب أذربيجان ضد أرمينيا. ولعب أردوغان بأوراقه في الحرب الأخيرة رغم التباعد المذهبي وليس العرقي مع أذربيجان على قاعدة العداء التاريخي بين الأذريين والأرمن. واستفاد من المرتزقة في شمال سوريا لزجهم في المعركة ومن دعم إسرائيلي بالسلاح لأذربيجان. وفي هذا المعمعان أقام أردوغان قناة سرية مع إسرائيل يقول فيها عكس ما يصرح به من كلام ناري للاستهلاك الإعلامي وكأنه يستعد لمرحلة الرئيس بايدن، وأعطى إيحاءات عن علاقات قائمة أمنياً مع مصر وعن علاقات مع دول خليجية وكأنه يقفز إلى الأمام.

فالرئيس التركي الذي اشتهر بتقلب مواقفه وعدم الثبات على موقف لخدمة مصالحه في البقاء في الحكم قد يحاول استغلال عودة مرتزقته من أذربيجان إلى شمال سوريا للدفع نحو فرض وقائع جديدة على الأرض، وتثبيت وجوده العسكري كورقة مساومة مع واشنطن؛ لأنه يعلم أن الإدارة الجديدة تختلف في تعاطيها معه ومع الملف السوري عن إدارة ترامب، وأنها لن تتجاهل الدور التركي في ليبيا؛ حيث ما زالت تعرقل المحاولات للتوصل إلى تفاهمات مستقبلية بين الأطراف الليبية، إذ أوقف أردوغان سحب المرتزقة من ليبيا كورقة أخرى في الملف الليبي. لكن المبعوث الأمريكي إلى سوريا جويل رايبرن قال إن الولايات المتحدة تعمل على تحقيق ثلاثة أهداف في استراتيجيتها للتعامل مع الأزمة السورية؛ وهي القضاء بشكل كامل على تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى، ودفع الجيش الإيراني والميليشيات التابعة له خارج سوريا، فيما يتمثل الهدف الثالث في السعي بجد نحو تحقيق حل سياسي للصراع بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وانتقد رايبرن إرسال المرتزقة السوريين إلى مناطق النزاع خارج سوريا، ووصفه بنشاط مزعزع للاستقرار. بالطبع المبعوث الأمريكي ما زال ملتزماً بسياسة الإدارة الحالية الناعمة تجاه تركيا، لكن سياسة بايدن تختلف من حيث الأسلوب، ولهذا يجتهد النظام التركي لتحسين وضعه المستقبلي. وهو هنا يحاول إبراز قدراته الواسعة في الشرق الأوسط والقوقاز في مواجهة الرئيس بايدن، الذي لن يتهاون مع السياسة التوسعية والتدخلات التركية في شرق المتوسط. ويبدو أنه يريد الآن أن يلعب بالورقة الروسية؛ لأن العلاقات الروسية -الأمريكية لن تكون مريحة في عهد بايدن كما كانت في عهد ترامب الذي يقيس الأمور وفقاً لمصالحه الشخصية، وكان بمثابة المحامي لأردوغان أمام مطالب الكونجرس بفرض عقوبات على تركيا لشرائها أنظمة صاروخية روسية.

وقد تعرض الرئيس الأمريكي المنتخب لحملة إعلامية تركية، في مؤشر على أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن ستكون متوترة، خاصة أن الرئيس بايدن أفصح عن موقفه المؤيد لقبرص في مواجهة تركيا. وقد كان بايدن على اطلاع مسبق على طبيعة الوضع التركي في شرق البحر المتوسط وسوريا وليبيا منذ أن كان نائباً للرئيس أوباما، وزار كلاًّ من أنقرة ونيقوسيا وأثينا، وأطلق على نفسه اسم «جو بايدنوبولوس» خلال لقاء له مع أمريكيين يونانيين، وسبق أن وصف أردوغان بأنه مستبد يجب أن يدفع ثمن أفعاله.

فالرئيس الأمريكي المنتخب يرى أن تركيا باتت عنصر عدم استقرار في البحر المتوسط، وتناكف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وتهدد اليونان وقبرص، وتخترق الحدود البحرية لقبرص واليونان للتنقيب عن الغاز، إلا أنه لن ينغمس فوراً في هذه القضايا بسبب مشاكله الداخلية وعلى رأسها مواجهة جائحة «كورونا» والوضع الداخلي المنقسم بحدة والاقتصاد الأمريكي، لكنه سيدعم الاتحاد الأوروبي في مواقفه تجاه تركيا، فقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل يوم الجمعة، الرابع من ديسمبر/ كانون الأول أن دول الاتحاد الأوروبي مستعدة لفرض عقوبات على تركيا بسبب استمرار «أفعالها الأحادية وخطابها العدواني»، مشيراً إلى أن أنقرة لم تخفّض التصعيد في أزمتها مع اليونان استجابة للتواصل الدبلوماسي. ومن المنتظر أن تنعقد القمة الأوروبية في العاشر من هذا الشهر لتتخذ مثل هذه القرارات.

ويرى البعض أن أردوغان المناور قد يحاول تكييف سياساته وفقاً للظروف الأمريكية الجديدة، ولن يقدم على خطوات دراماتيكية مثل ضم قبرص التركية كما هدد؛ لأنه يدرك أنه لا توجد خلاقات بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس إزاء قبرص واليونان وأنه مطالب بالتهدئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى