ترجمات أجنبية

جيوبوليتيكال فيوتشرز – هلال خاشان – الإمارات تهدد السياسة الخارجية العمانية.. ومسقط ستتخلى عن حيادها

جيوبوليتيكال فيوتشرز –  هلال خاشان  – 7/11/2020

عندما نصب “قابوس بن سعيد” نفسه سلطانا لعُمان عام 1970، سعى إلى تحديث البلاد وفصلها عن المشاكل السياسية والدينية في الشرق الأوسط.  وفي عهده رسخت عمان نفسها كوسيط في النزاعات الإقليمية وبوابة لدبلوماسية القنوات الخلفية، ودعت إلى الاعتدال، وامتنعت عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وأقامت علاقات مع الكثير من الدول حول العالم. وفي يناير/كانون الثاني، توفي “قابوس” بعد 50 عاما في السلطة.  وقبل وفاته، اختار “قابوس”، الذي لم يكن لديه أبناء، ابن عمه “هيثم بن طارق”، لخلافته. لكن صعود الحاكم الجديد تزامن مع تغيرات عميقة في البيئة الجيوسياسية التي تجد عُمان نفسها فيها الآن، ما يمثل تحديا لقدرته على الحفاظ على الدور الفريد للبلاد في المنطقة العربية.

“قابوس”.. سياسة فريدة

في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يرق النظام الإقليمي العربي  لسلطنة عمان، التي كرهت ما يسمى بالجمهوريات العربية التقدمية، وكانت حذرة من استبداد المملكة السعودية.  ورسم “قابوس” مكانة خاصة لعمان كمفاوض سلام دولي، وهو دور مناسب تماما للعمانيين، المعروفين بأنهم محافظون ومتواضعون وكارهون للأضواء. وتبنى “قابوس” نهجا دقيقا ومتوازنا في السياسة الخارجية؛ حيث بنى الثقة مع الدول الأخرى وتجنب الانضمام إلى التحالفات غير العقلانية والمدمرة.  وكان لديه سياسة الباب المفتوح مع زعماء العالم الآخرين، واتسم بالحكمة واللياقة والمثابرة. 

لقد رأى “قابوس” عُمان كدولة عربية إسلامية مستقلة وذات سيادة. ولم يكن حاكما أيديولوجيا، ولم يدعم بشكل خاص قضية القومية العربية أو قضية بناء خلافة إسلامية. وحافظ  “قابوس” على العلاقات مع الصين والاتحاد السوفيتي، بالرغم من دعمهم لمتمردي “ظفار” خلال تمردهم في الفترة 1962-1975، معتقدين أن المصالح المشتركة تحل محل العداء المزمن.

وتركزت سياسة “قابوس” الخارجية على الواقعية السياسية والحياد. فقد رحب بحضور الرئيس المصري “أنور السادات” محادثات السلام في “كامب ديفيد” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيجن”، التي أسفرت عن اتفاق اختراق في سبتمبر/أيلول 1978. وأوضح “قابوس” أنه يدعم بحماس أية محاولة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وعلى عكس العديد من الدول العربية الأخرى، لم تقطع عُمان العلاقات مع مصر بعد معاهدة السلام عام 1979 مع (إسرائيل)، أو مع العراق بعد غزو “صدام حسين” للكويت عام 1990.

كما حافظت عمان على علاقاتها مع النظام السوري في أعقاب انتفاضة 2011، وعارضت الإطاحة بنظام رئيسه “بشار الأسد”، فيما اتخذت موقفا حازما ضد حركات المعارضة المسلحة. ولم ينحز “قابوس” إلى أي طرف في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وقبل المساعدة العسكرية من إيران في الصراع ضد متمردي “ظفار”، وحافظ على علاقات ودية مع طهران بعد الثورة الإسلامية عام 1979.  كما أرسل قوات للانضمام إلى التحالف الأمريكي بعد غزو العراق للكويت وساعد واشنطن في نقل الرسائل إلى طهران بعد تدهور العلاقات بينهما بعد أزمة الرهائن عام 1979.

ورفض “قابوس” إشراك عُمان في الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وحذر الملك السعودي “سلمان” من الوقوع في شرك صراع لا يمكن الفوز به. وعلى عكس السعودية والإمارات، لم تنقل عُمان سفارتها من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى عدن بعد اندلاع الحرب. كما حث “قابوس” الملك “سلمان” على التواصل مع إيران وتحديد المجالات ذات الاهتمام المشترك بدلا من استنزاف الموارد السعودية في حرب يمكن تجنبها. لقد كان “قابوس” عازما على تأمين السلام والاستقرار في الخليج العربي واليمن لأنهما يؤثران بشكل مباشر على عُمان.

التحديات الإقليمية:

لم ترتح السعودية والإمارات قط لسياسة “قابوس” الخارجية المستقلة، لا سيما لعلاقاته الودية مع إيران.  وبالرغم من أنه فتح البلاد ببطء على المنطقة العربية وانضم إلى جامعة الدول العربية عام 1971، إلا أنه فضل إبقاء عُمان بعيدة عن عدم الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، حتى أنه بنى جسورا مع إسرائيل.  وفي عام 2018، دعا “قابوس” رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” لزيارة مسقط.

ويبدو أن “هيثم بن طارق” عازم على اتباع نهج “قابوس”.  لكن من المرجح أن تحاول أبوظبي والرياض تصعيب الأمر ضده. ولا يزال “محمد بن سلمان” يعتبر السعودية حاملة لواء مجلس التعاون الخليجي، ويطمح “محمد بن زايد” إلى تحويل الإمارات إلى قوة بحرية. ولم يغفر الزعيمان لسلطنة عمان لعب دور في تسهيل الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.

ويشكل صعود الإمارات تهديدا لسياسة عُمان الخارجية، بل حتى لوحدة أراضيها. وتحاول أبوظبي منذ أعوام بسط سلطتها على “مسندم” العمانية، التي تطل على مضيق هرمز، ما يجبر مسقط على فرض حظر على بيع الأراضي في المناطق الحدودية للأجانب. وفي محافظة المهرة اليمنية، المتاخمة لسلطنة عمان، قدمت الإمارات الغذاء والإمدادات الطبية والمال لزعماء القبائل وأنشأت قوة عسكرية موالية. وتزعم أبوظبي أن أفعالها هناك تهدف إلى منع عُمان من تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. ونفت عُمان التهمة واتهمت الإمارات بمحاولة الإطاحة بالحكومة في مسقط أو إجبارها على الخضوع. وعلى مدى العقد الماضي، أبلغت عُمان عن اكتشاف خليتين للتجسس تابعتين للمخابرات الإماراتية. وخلال تمرد “ظفار”، استخدم المتمردون أسلحة مصدرها “المهرة”.

ثغرة في السياسة الخارجية

ومنذ انتخاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عام 2016، تضاءلت إلى حد ما قيمة أوراق السلام لدى عُمان، منذ أن أعطى “ترامب” السعودية والإمارات حرية التصرف في شبه الجزيرة العربية وتسامح مع مشاريع أبوظبي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر وليبيا. وفي الوقت نفسه، تواجه عُمان أيضا انخفاضا في عائدات النفط، وتجاوزت البطالة بين الشباب 13%، ولديها عجز مالي يصل إلى 20%. وسوف يحد نقص السيولة في الدولة التي تعاني من ضائقة مالية من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويقوض شرعيتها. وبعد تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر/أيلول، أعربت عُمان عن دعمها للاتفاق وجنت الفوائد على الفور، حيث وافق بنك إماراتي على قرض بقيمة 2 مليار دولار إلى بنك مسقط.

لقد كان “قابوس” مهندس السياسة الخارجية لسلطنة عُمان ودورها الفريد كوسيط للسلام. ومع ذلك، فإن أسلوبه الشخصي في القيادة لم يدعم إنشاء مؤسسات الدولة. وفشلت الدولة في إنشاء وزارة خارجية مهنية وتدريب موظفين أكفاء. وتركت بذلك وفاة “قابوس” فجوة في السياسة الخارجية للسلطنة سيجد “هيثم” صعوبة في سدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى