ترجمات أجنبية

جيوبوليتيكال فيوتشرز –  لم يتم تعريف الهوية العربية بشكل جيد

جيوبوليتيكال فيوتشرز –  بقلم  هلال خاشان  *  –  14/10/2021

أعادت الانتفاضات العربية إحياء فكرة القومية العربية لفترة وجيزة. خلال دورة الألعاب العربية لعام 2011 في قطر ، غنى المتفرجون النشيد الوطني العربي غير الرسمي ، الذي تروج كلماته لفكرة أنه لا يمكن فصل العرب عن حدود مصطنعة أو دين لأن اللغة العربية توحدهم جميعًا. لكن نشوة اللحظة  ،  مع ظهور حقيقة “الفصائلية”. وبالرغم من المحاولات المختلفة للوحدة، فشلت الدول العربية مرارا وتكرارا في العمل بشكل جماعي أو الاتفاق على المصالح المشتركة.

بدايات خاطئة

وانطلقت أول حركة قومية عربية في بيروت عام 1857. وكان إنشاء الجمعية العلمية السورية إيذانا بنهضة ثقافية وفكرية عربية قصيرة العمر. وفشلت الجمعية في جذب جمهور عريض، وتلاشت مع بدء الحرب العالمية الأولى. وكانت الجمعية في الأساس منظمة نخبوية من مسيحيين سوريين ولبنانيين وقليل من الأمريكيين والبريطانيين الذين يعيشون في المنطقة. وخاطبت القومية العربية المسيحيين لأنها تعني أنه يمكن دمجهم كمواطنين كاملي الحقوق.

وبعد عقود، تم تأسيس جمعية “العربية الفتاة” في باريس في أعقاب انقلاب “تركيا الفتاة” عام 1908 ضد السلطان العثماني “عبدالحميد الثاني”. وطالبت المجموعة بانتقال ديمقراطي واستقلال إداري للعرب وتخصيص اللغة العربية كلغة رسمية على قدم المساواة مع التركية.

وأدت السياسات القمعية للحاكم العسكري العثماني لسوريا إلى مطالبة الشباب العرب باستقلال المقاطعات العربية في غرب آسيا، ما مهد الطريق للثورة العربية الكبرى المدعومة من بريطانيا عام 1916. وقد مكن النظام العالمي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى صعود دول الشرق العربي الحالية، بينما ظهرت دول شمال أفريقيا المستقلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وأنشأت الدول الإمبريالية الغربية الدول العربية في صيغتها الحالية لضمان استمرار هشاشتها واعتمادها على الغرب من أجل أمنها.

ولا تعد العربية عرقا خاصا، وقد صعدت خلال الخلافة العباسية كخط سياسي فاصل بين الخلفاء العرب ورعاياهم الفارسيين. ولكي تعتبر عربيا، يكفي أن تدعي أنك عربي وأن تتحدث اللغة العربية. واقتصرت القومية العربية في الغالب على الاعتزاز بإنجازات المجتمع، خاصة انتشار الإسلام واللغة العربية خارج شبه الجزيرة العربية. لكن هوس الأنظمة العربية بالبقاء في السلطة منعها من التعاون، الأمر الذي كان يعني أن تحل الدولة قومية محل القومية العربية.

أسطورة العالم العربي الكبير

وتم تقديم فكرة العالم العربي، وهي منطقة تمتد من المحيط الأطلسي في الغرب إلى الخليج العربي في الشرق والمحيط الهندي في الجنوب، في أوائل القرن الـ20 من قبل “ساطع الحصري”، وزير التعليم العراقي خلال عهد الملك “فيصل الأول”. وفي ذلك الوقت، ظل تصوره للقومية العربية مرتبط عاطفيا بالدين واللغة. وفي الواقع، كان العرب يفتخرون بهويتهم وثقافتهم المشتركة لكنهم لم يترجموا ذلك إلى تعاون في المجال الاقتصادي أو السياسي.

وفي عام 1920، أسس “فيصل” المملكة العربية السورية. وبعد بضعة أشهر، هزمت قوة فرنسية، ضمت أيضا سلاح فرسان مغربي وكتيبتين جزائريتين، القوة السورية سيئة التجهيز وقليلة الأعداد في معركة “ميسلون” بالقرب من دمشق، وتم إعلان سوريا تحت الانتداب الفرنسي. وقد كان ذلك ضربة قاصمة للقومية العربية، حيث منع دمشق من أن تصبح مركزا لها، وقضى على قدرتها في العمل كدولة مركزية قادرة على التأثير على العرب في كل مكان.

وعلى عكس القومية في أوروبا، لم تتطور القومية العربية بسبب طفرة تكنولوجية في الإنتاج أدت إلى عصر صناعي، ولم ينتج عنها مجتمع سياسي شامل يحل محل الهويات الطائفية والقبلية والعشائرية. وساهم الفكر القومي العربي في إحياء العقيدة الدينية. وفي السودان، على سبيل المثال، تحول الرئيس “جعفر النميري” من قومي عربي علماني إلى متعصب ديني، وأدخل الشريعة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في المنطقة الجنوبية غير العربية وغير الإسلامية.

الافتقار إلى العمل الجماعي

وقد منع هذا الانقسام والمصالح الذاتية أي محاولات لتحقيق تماسك حقيقي. وتم إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 من قبل 6 دول عربية، وهي السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت وعمان، ظاهريا لدمج اقتصاداتها وقدراتها الدفاعية. لكن المجموعة فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، وشاب الصراع العلاقات بين الدول الأعضاء. وما تزال السعودية والإمارات يختلفان حول قضايا حدودية مستمرة حتى اليوم. وفي عام 2017، فرضت 3 دول أعضاء في المجلس، بالإضافة إلى مصر، حصارا على قطر لمدة 3 أعوام.

وظهرت فكرة إنشاء اتحاد المغرب العربي، وهو تحالف بين المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا، عام 1956 بعد استقلال تونس والمغرب عن فرنسا. لكن فشل ذلك أيضا في إلهام الشعور بالوحدة. وبدأ الغزو المغربي للأراضي التي كانت تحت سيطرة الجزائر عام 1963 في “حرب الرمال”، التي أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين بشكل دائم. وزاد نزاعهما بشأن الصحراء الغربية من حدة التوترات، وقطعت الجزائر الشهر الماضي العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وعقدت الدول الـ 5 قمتها الأولى عام 1988، لكن رؤساء الدول لم يلتقوا منذ أن أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب في عام 1994. وتوصل اتحاد المغرب العربي إلى 30 اتفاقية متعددة الأطراف، لكن تم التصديق على 5 منها فقط.

وأدت اتفاقية “سايكس بيكو” لعام 1916، والتي قسمت أجزاء من الهلال الخصيب بين الانتداب الفرنسي والبريطاني، إلى إضعاف النزعة القومية العربية. وعلى عكس إيران وتركيا، حيث عزز كل منهما دولة مركزية متماسكة، لم يكن لدى القومية العربية دولة ملتزمة بالنهوض بقضيتها وإنشاء كيان عربي موحد. وقد فشلت القومية العربية بشكل رئيسي لأن الدول العربية الأساسية كانت منشغلة بمشاكلها مع الفساد والاستبداد والركود الاقتصادي والمغامرات العسكرية.

وانشقت الحركات القومية العربية، ما أدى إلى ظهور أحزاب سياسية يسارية وماركسية متناقضة. على سبيل المثال، نأى الحزب الشيوعي اللبناني بنفسه عن المشاركة في حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. أما “جورج حبش”، مؤسس الحركة القومية العربية عام 1951، فقد أعاد تسميتها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ودبرت هذه الحركة الماركسية اللينينية هجمات مسلحة بارزة في إسرائيل وسلسلة من عمليات اختطاف الطائرات في الستينات والسبعينات.

وتنبأ كتاب “صحوة الأمة العربية” الذي ألفه المسيحي الماروني “نجيب عازوري” عام 1905، بحدوث صدام بين القومية العربية والصهيونية لن ينتهي حتى تهزم إحداهما الأخرى. وتحققت نبوءة “عازوري” عام 1967، عندما حطمت حرب الأيام الـ6 (النكسة) كل الآمال في قيام دولة عربية موحدة، حيث تحولت الجهود إلى استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل. وسمحت الهزيمة للأقليات العرقية والدينية في المنطقة العربية بالضغط من أجل الحكم الذاتي. وتحولت هذه الأقليات للعمل المسلح وعرضت مطالب سياسية بعيدة المدى في الجزائر والسودان والعراق وغيرها.

ولا تزال الهوية العربية موجودة بالمعنى الضيق كتذكير بمجد الماضي والثقافة المشتركة دون أن تتضمن آلية للعمل الجماعي عبر المنطقة. وبعد أن عاش العرب في ظل سلسلة من الإمبراطوريات الدينية، لم يتبن العرب التحولات الضرورية لتسهيل انتصار القومية. ويظل الدين هو القوة الاجتماعية الحاسمة والمحرك الأول للعمل الجماعي في المنطقة العربية.

* هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت. وهو كاتب ومحلل محترم في شؤون الشرق الأوسط . 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى