ترجمات أجنبية

جيوبوليتيكال فيوتشرز – بقلم جورج فريدمان – بايدن سيركز على الداخل ولن تكون سياسته الخارجية نشطة

جيوبوليتيكال فيوتشرز –  بقلم جورج فريدمان – 12/11/2020  

انتهت انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبغض النظر عن الحديث عن تزوير الأصوات أو حدوث أخطاء إجرائية، سيكون “جو بايدن” الرئيس القادم للولايات المتحدة.

وبدأ “بايدن” كمرشح ضعيف، في بلد منقسمة عمليا، وقد صوت ما يقرب من نصف الناخبين ضده، وسيكون العداء تجاهه بالتالي مماثلا لذلك الذي واجهه “دونالد ترامب” على مدى الأعوام الأربعة الماضية.

ويعد الكونجرس منقسما بشدة هو الآخر، وقد يأتي مجلس الشيوخ متعادلا، ما يجعل صوت نائبة الرئيس المنتخبة “كامالا هاريس” هو الصوت الحاسم.

وفي مجلس النواب، تقلصت أغلبية الديمقراطيين إلى 14 مقعدا فقط، وخلال إدارة “ترامب”، كانوا يميلون إلى التصويت بإجماع شبه كامل، ومع وجود أغلبية صغيرة، قد لا يفعلون ذلك، نظرا لظهور جناح تقدمي داخل الحزب.

ومع رحيل “ترامب”، قد يزول سبب الإجماع أيضا، وبمجرد أن تمر نشوة النصر، لن يكون لدى “بايدن” مساحة كبيرة للمناورة، ويجب على “بايدن” إنشاء أساس قوي لرئاسته بسرعة.

وعندما تولى “باراك أوباما” منصبه، كانت القضية المهيمنة هي حرب العراق، وقد قام على الفور بالتواصل مع العالم الإسلامي لإعادة تشكيل التصورات هناك، وبالرغم أن تأثيره كان محدودا في العالم الإسلامي، لكنه كان له تأثير كبير في الولايات المتحدة، التي كانت منهكة بعد عقد من الحرب في المنطقة.

لقد كان يمثل شيئا جديدا في وقت كان ينظر فيه كثيرون إلى القديم على أنه لم يقدم شيئا سوى الخراب.

وبالنسبة لـ”بايدن”، لا توجد مشكلة كبيرة في السياسة الخارجية، لكن هناك بالطبع قضيتان محليتان بارزتان، هما أزمة “كوفيد-19” والاقتصاد، وإلى حد ما، كلما تم استخدام إجراءات أكثر حزما لمكافحة الفيروس، زاد الضغط على الاقتصاد.

ولإنعاش الاقتصاد، يحتاج “بايدن” أن يكون أقل هوسا بالمرض، وربما تكون هذه نظرة قاصرة للوضع الراهن، لكنها معقولة إلى حد ما.

واعتبر “ترامب” الفيروس ثانويا بالنظر إلى الاقتصاد.

ويعد النهج المعقول، هو التعامل بجدية متساوية وإيجاد حلول منطقية لكليهما، ولكن الأمر صعب، حيث تفرض الحلول لأحدهما التكاليف على الجانب الآخر.

ولن ينجح خطاب “الدم والعرق والكدح والدموع” الذي يحفز البلاد على التضحية على الجبهتين.

وفي محاربة الفيروس، أنت لا تطلب من الناس فعل شيء صعب؛ بل تطلب منها الامتناع عن فعل أشياء عادية.

على أي حال، قد يتمتع “بايدن” بالعديد من الفضائل، ولكن لا يبدو أنه سيكون كـ”تشرشل”.

ووعد “بايدن” بتوحيد البلاد، لكن من غير المرجح أن يفي بالوعد، لأنه عالق في معضلة سلفه.

وفي ظل الظروف الحالية، حيث الخيارات الاقتصادية المحدودة لـ”بايدن”، وعدم خبرته في التعامل مع المرض، ستأتي بعض الحلول من أطباء غير معنيين بالعواقب الاقتصادية لقراراتهم، وسيأتي الضغط من الجانب الآخر من الاحتياطي الفيدرالي والشركات الذين يتوقعون أن يحل النظام الطبي مشكلة التراجع الاقتصادي.

ومثل “ترامب”، سيكون لدى “بايدن” قائمة محدودة من الخيارات وسيدفع الثمن السياسي لأي شيء يختاره.

واختار “ترامب” ما اعتقد أنه ملائم سياسيا، وقد كان على خطأ، ولكن إذا كان قد اختار بشكل مختلف، فسيكون قد أخطأ أيضا!

وتزامنت رئاسة “أوباما” مع انحسار الحروب ضد “التنظيمات الجهادية”، وبالنسبة لـ”أوباما”، كانت هناك 3 مبادئ: سحب أقصى عدد من القوات من الشرق الأوسط، وإعادة هيكلة العلاقات الأمريكية الصينية، ومنع روسيا من الهيمنة على أوكرانيا ودول أخرى.

وكانت سياسة “ترامب” الخارجية تتمثل في الاستمرار في الحد من وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، مع الإشراف على نظام جيوسياسي جديد يربط إسرائيل بالعالم العربي، وزيادة الضغط بشدة على الصين لتغيير سياساتها الاقتصادية، وزيادة الوجود الأمريكي بشكل متواضع في بولندا و رومانيا لموازنة الموقف أمام روسيا.

وسيفتتح “بايدن” رئاسته ببعض التحركات السهلة، مثل العودة إلى اتفاقية باريس، ويتطلب هذا أن تضع الدولة خططا لتحقيق أهداف المعاهدة، وإنشاء خطط للتنفيذ، وتنفيذها في النهاية.

وبالنسبة لـ”بايدن”، فإن وضع خطة يمكن تمريرها من خلال الكونجرس أمر صعب، وكذلك فإن تنفيذها سيكون أصعب بالتأكيد.

ولم تف العديد من الدول بالتزاماتها وفق الاتفاقية، لكن الانضمام سهل وسيبدو جيدا لحزب “بايدن” المنقسم، كما أنه سيعيد إحياء العلاقات الأطلسية من خلال الظهور بمظهر جيد في الاجتماعات التي لا تنتهي ولا تحقق شيئا.

وبصرف النظر عن بولندا ورومانيا، وهما امتداد لقضية روسيا، والقضية الدائمة حول الإنفاق الدفاعي، فإن واشنطن لديها القليل من القضايا الحقيقية مع أوروبا.

وما يهم “بايدن” أكثر هو ما كان يهم “أوباما” و”ترامب”، ألا وهي الصين وعلاقتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، إلى جانب حماية غرب المحيط الهادئ من غزو صيني غير محتمل على الأرجح، مع استمرار سحب القوات من الشرق الأوسط، ودعم الوفاق العربي الإسرائيلي، والمحاولات المستمرة للحد من الجهود الروسية للتوسع من خلال نشر القوات والعقوبات.

وتمثل هذه القضايا استمرارا لنهج أسلافه، لكن الأهم من ذلك أنها لن تقدم شيئا لحل التحديات المحلية الأساسية التي سيواجهها “بايدن”.

وتوجد بالطبع قضايا أخرى، لكن تغيير وضعها يتطلب التعامل مع الحلفاء الذين استثمروا بعمق فيها.

على سبيل المثال، من الممكن تغيير السياسة تجاه إيران، لكنه سيخلق توترات هائلة مع إسرائيل والعالم العربي السني، وبالمثل، فإن التحول في السياسة الخاصة بكوريا الشمالية من شأنه أن يخلق مشاكل مع اليابان وكوريا الجنوبية.

لذا سيكون هدف إدارة “بايدن” هو التركيز على القضية التي دمرت “ترامب”، ألا وهي “كوفيد-19” والاقتصاد.

وللقيام بذلك، سيكون من الضروري تقييد أو تجنب مبادرات السياسة الخارجية التي قد تضعف موقف “بايدن” في الكونجرس والبلاد.

ولا يعني هذا أن الدبلوماسية الأمريكية لن تتغير، بل سيحضر “بايدن” الاجتماعات التي لا تعد ولا تحصى، وسيقدم نغمة جديدة بدلا من النغمة القديمة.

ويعتمد هذا النهج، بالطبع، على تصرفات الآخرين، فلم يتوقع “جيمي كارتر” انتفاضة في إيران، ولم يكن “جورج بوش” الأب ينتظر التعامل مع سقوط الاتحاد السوفييتي، ولم يتوقع ابنه أن تدور إدارته حول تنظيم “القاعدة”.

وبالنظر إلى تركيز الولايات المتحدة على السياسة المحلية، فإن فرصة البلدان الأخرى للاستفادة من هذا الانشغال قد تكون كبيرة.

لذا فالحقيقة هي أنه في الوقت الحالي، لن تتخذ الولايات المتحدة الخطوات الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى