أقلام وأراء

جيمس زغبي يكتب – زمن كورونا .. والاستجابة لنداء الخير

جيمس زغبي – 31/5/2020

أزعجني للغاية رد الفعل السياسي المتنامي الرافض للقيود التي تفرضها كثير من الولايات والإدارات المحلية بغرض وقف انتشار فيروس كورونا، والأكثر إثارة للقلق هو أن الجائحة أصبحت إلى حد بعيد مباراة كرة قدم أميركية حزبية، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» منقسمون في هذه القضايا، على غرار انقسامهم في القضايا السياسية الساخنة الأخرى.

وشعرت باليأس بسبب تقارير تتحدث عن محتجين مسلحين، يطالبون حكام الولايات بعودة النشاط لسابق عهده، وعن إصرار زعماء كنسيين محافظين على أنهم قادرون على إعادة فتح دور العبادة أمام الجمهور، وعن قاعدة شعبية من «الجمهوريين» ترفض وضع الكمامات في أماكن العمل أو في الفعاليات العامة، متهكمين على تصرف الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس، وبدأت أشعر كما لو أن «ملائكة الخير فينا» بلا صوت.

ومثل كثير من القراء، أعمل من المنزل، فقد أصبحت الاجتماعات تجرى عبر برامج مثل زووم وجوجل، ويعقد الكثير منها عبر هذه البرامج وغيرها، وعلى سبيل المثال، مع استعدادنا لانتخابات نوفمبر وحشد قوتنا، لنضمن حصراً كاملاً للعرب في إحصاء عام 2020، نظمت في الأسابيع القليلة الماضية مكالمات مع نشطاء عرب أميركيين في عدة ولايات، وساهمت في تنظيم اجتماعات مع زعماء عرقيين بشأن إصلاح الهجرة، وأجريت مكالمتين قوميتين عبر برنامج زووم لتدشين أحدث كتبي، وكل هذه الجهود أثبتت أنها مثمرة، وتوضح قدرة التكنولوجيا الجديدة على الجمع بين الناس.

وكان لإحدى المكالمتين أهمية خاصة، بسبب جدتها ودرس الأمل الذي تعلمته منها كمشارك، فلأننا لم نستطع الاجتماع في جماعات، نظمت جماعة «آمفوت AMVOTE» التي مقرها شيكاغو، والتي أشارك في مجلس إدارتها «إفطاراً افتراضياً»، وكان هذا جديداً في حد ذاته، ولأنه لا يمكننا الاجتماع معاً- بأبداننا- استغلت «AMVOTE»، أفضل ما في الوضع الصعب، وكانت النتيجة مفيدة معرفياً وملهمة.

وشارك في «الإفطار الافتراضي» عبر برنامج «زوم»، حاكم ولاية أيلينوي، ورئيس بلدية شيكاغو، ورئيس مجلس مفوضي مقاطعة كوك، وممثلي عشرات المؤسسات الأميركية العربية والمسلمة، وتأثرت كثيراً حين استمعت لوصف هذه المنظمات لعملها المهم في الاستجابة للجائجة، كما استمعت لإشادة حاكم الولاية ورئيس البلدية بها بسبب مئات المتطوعين، الذين حشدتهم هذه المنظمات لخدمة حاجات آلاف الأسر والأفراد في منطقة شيكاجو.

ولأنه كان من المقرر أن أدلي بكلمة ختامية في الإفطار، لا يسعني إلا أن أذكر مدى تأثري لما علمت بكل العمل المهم الذي تقوم به هذه الجماعات، وكيف فتحت عيوني على واقع كنت أعلم أن الجماعات السكانية عبر البلاد تقوم به، لكن لم أوليه الانتباه الذي يستحقه، فالواقع أن هناك ملايين الأميركيين- وأنا متأكد من أن هذا يحدث على امتداد العالم- يستمعون ويستجيبون لنداء ملائكة الخير فيهم.

صحيح أن تغريدات الرئيس ترامب الغاضبة، أو سلوك النشطاء المسلحين، أو المطالب التي تخدم مصالح الوعاظ المحافظين، ربما تتصدر عناوين الأنباء، لكن وسط الجماعات السكانية على امتداد البلاد، هناك أطباء وممرضون يضعون أنفسهم في طريق الخطر لتقديم الرعاية للمرضى والمحتضرين، وآلاف الشبان يتطوعون لشراء احتياجات كبار السن من المواد الغذائية وغيرها، وهناك عدد لا يحصى من الكنائس والمساجد والمعابد ووكالات الخدمات الاجتماعية تقدم خدمات أساسية للمحتاجين.

وصحيح أن رد الفعل الصاخب على الجائحة يسيطر على وسائل الإعلام، وربما يكون هذا محبطاً، لكن من المهم الإشادة بكل جهود الأبطال الصامتين، رغم عدم ترابطها وعدم تصدرها عناوين الأنباء، والمطلوب هو إلقاء الضوء على هذه الجهود والربط بينها، والنظر إليها باعتبارها رداً جماعياً على أزمة نواجهها.

وبعد أيام قليلة من تفتح عيوني بفضل «الإفطار الافتراضي»، استمعت إلى موعظة لكاهن من أصدقائي، وهو الأب بيرسي دي سيلفا، واختتم الأب كلمته التي تحدث فيها عن القضية نفسها- المتعلقة بالإيثار الذي يخدم به البعض الملايين- موعظته بطريقة غير تقليدية مقتبساً كلمات أغنية «نحن العالم»، التي أداها عدد من الفنانين لجمع التمويل لمكافحة المجاعة في أفريقيا عام 1985، فقد ردد الكاهن كلمات الأغنية التي تقول: «يأتي وقت نلتفت فيه إلى نداء معين، حينها يتعين على العالم أن يتحد، حين يكون هناك أشخاص يحتضرون، حينها نقدم الدعم للحياة التي هي أعظم النعم، نحن العالم، نحن الأطفال، نحن الذين نصنع يوماً أكثر إشراقاً، لذا لنبدأ العطاء، إننا نختار، إننا ننقذ حياتنا، إننا، أنا وأنت، نصنع يوماً أفضل».

هذا التصور عن رجال ونساء يتصرفون بلا أنانية لخدمة المحتاجين، هو ما يحدث كل يوم في مدن وبلدات عبر البلاد، وبإلقاء الضوء على هذه المساعي والاحتفاء بها، فإننا نرسم الطريق الممتد إلى الأمام، ليس لنكسب المعركة ضد فيروس كورونا فحسب، بل لنخرج من هذه الحرب بلداً أقوى وأكثر تعاطفاً.

* رئيس «المعهد العربي- الأميركي» في واشنطن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى