أقلام وأراء

جيمس زغبي يكتب التطهير العرقي .. تاريخ حافل بالإنكار

جيمس زغبي  *- 7/5/2021

اعتراف الرئيس جو بايدن بالتطهير العرقي للأرمن في عهد الامبراطورية العثمانية. خطوة كانت متوقعة من الأميركيين الأرمن. لكن الاعتراف دون تصفية الحساب لا يعني الكثير.

فبين عامي 1915 و1917، قتل أكثر من مليون أرمني وتم تدمير وجودهم المادي إلى حد كبير في المنطقة. وظهر في بداية الأمر مسعى لتحديد المسؤولين مع ظهور الدولة التركية الحديثة، لكن الإنكار المنهجي هو الذي هيمن على الموقف.

التاريخ البشري حافل بحالات التطهير العرقي أي السعي لإبادة شعب ومحو تاريخه وطمس حضارته وتدمير وجوده المادي. وكثير من هذه الفظائع يقر بها الضحايا والأمم الأخرى التي تؤيدهم. لكن بخلاف الاستثناء الملحوظ المتمثل في الاعتراف الألماني بالهولوكوست، نادراً ما يقبل مرتكبو هذه الجرائم تحمل المسؤولية أو تقديم تعويض. وبعض الأمثلة قد توضح هذا.

فمن الناحية التاريخية، قد تم تأسيس الولايات المتحدة على تطهيرين عرقيين: مذابح السكان الأصليين للبلاد والإزالة القسرية لهم، واستعباد الأميركيين الأفارقة. فقد قُتل ملايين الأميركيين الأصليين ومن بقي منهم على قيد الحياة طُرد قسرياً من أرضه ليفسح الطريق للمستوطنين، وانتهى بهم المطاف إلى الانتقال للإقامة في محميات. والسود تم تحريرهم، بـ «إعلان تحرير العبيد» (1863) لكنهم ظلوا دون ممتلكات وتم إفقارهم ووقعوا في نهاية المطاف لقوانين قاسية تنكر عليهم الحقوق الكاملة كمواطنين. ومنذئذ، تحققت بعض الحقوق المدنية للأميركيين السود، لكنهم مازالوا ضحايا معاملة تمييزية. ولم يجرؤ رئيس أميركي على الاعتذار وجبر الخواطر عما حدث من العبودية أو التطهير العرقي ضد الأميركيين الأصليين.

والسلوك البريطاني في أيرلندا يجب تصنيفه كعملية تطهير عرقي. فقد صادرت بريطانيا الأراضي وجلبت مستوطنين موالين لها وحاولت محو الثقافة الأيرلندية ولم تساعد إلا قليلاً ضحايا المجاعة الكبرى (1845-1852) التي أودت بحياة ثلث السكان الأيرلنديين تقريباً، وأجبرت ثلثاً آخر على الهجرة. وبينما كان الجوع ينهش الأيرلنديين، واصل البريطانيون استيراد الطعام من إيرلندا. وبعد قرن تقريباً من استقلال أيرلندا، يحتفظ البريطانيون بسيطرتهم على الجزء الشمالي من الجزيرة. وباستثناء اعتذار رئيس الوزراء السابق توني بلير، لم تعترف بريطانيا قط بمسؤوليتها عن أفعالها أثناء وبعد حكمها الاستعماري.

وكان سلوك فرنسا في الجزائر تطهيريا أيضاً. فأثناء الغزو الفرنسي، قُتل نحو ربع سكان البلاد من العرب أو راحوا ضحية الأمراض والجوع. وقُتل كثيرون آخرون أثناء الحكم الاستعماري الفرنسي. واستولى الفرنسيون على الأرض والموارد وفرضوا سياسات تمييزية شبيهة بسياسة الآبارتايد وصادروا الممتلكات والموارد وجلبوا مستوطنين من فرنسا تمتعوا بامتيازات خاصة، ومنعوا الأطفال العرب من الحصول على فرص التعليم وقللوا من شأن ثقافة البلاد العربية والإسلامية.

صحيح أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أصدر تصريحاً يعترف بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» في الجزائر لكن التصريح قوبل بفتور من الناخبين، وتراجع الرئيس لاحقاً عن تصريحه. والمهاجرون العرب يُعاملون كأنهم طبقة دنيا في فرنسا اليوم ويعانون من معدلات مرتفعة من الفقر والتمييز. اعتراف بايدن بالتطهير العرقي للأرمن أمر محمود، لكن العدل لن يتحقق ما لم يصفِّ ورثة ثمار السياسات التطهيرية حساب الجرائم التي ارتكبت باسمهم.

* جيمس زغبي – رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى