أقلام وأراء

جيمس زغبي: الحكومة الأميركية.. عندما يسفر الإصلاح عن تداعيات خطيرة

جيمس زغبي 8-9-2025: الحكومة الأميركية.. عندما يسفر الإصلاح عن تداعيات خطيرة

لقد اتخذت الإدارة الأميركية خطوات جذرية لتقليص القوى العاملة الفيدرالية، وحجب مليارات الدولارات من المنح البحثية المخصصة للتعامل مع قضايا الصحة في الولايات المتحدة الأميركية ومختلف القضايا العلمية الأخرى، وإلغاء برامج المساعدات الخارجية والجهات التي تنفذها، وتفكيك المؤسسات الصحية الحكومية، وتقليص البرامج التي توفر الرعاية الصحية والغذاء للفقراء وذوي الإعاقة، وإحداث توتر بالعلاقات التجارية الدولية من خلال فرض الرسوم الجمركية ثم سحبها ثم إعادة فرضها. يمكن بسهولة الإقرار بأن الإصلاح كان مطلوباً في العديد من هذه المجالات.

فلا مفر من وجود هدر أو تكرار في البرامج أو الوكالات التي مضى على وجودها عقود. كما أن هناك تردداً في إنهاء برامج إمّا لتجاوزها الزمن المحدد لها أو لأنها لم تحقق أهدافها المنشودة. لكن الإصلاح المطلوب يجب أن يتم دائماً بحنكة، لا بمطرقة ثقيلة. وباتباع هذا النهج قوّضت الإدارة ثقة الجمهور.

ولا يُمكن للإدارة القادمة أن تُعالج بسهولة التقليص الشامل للموظفين، وخفض منح الأبحاث، وإلغاء البرامج، والمزاعم المُبالغ فيها لتشويه هذه البرامج. لقد فُقدت الخبرات، وستتضاعف الاحتياجات غير المُلباة، وسيتردد بعض المسؤولين المُنتخبين في إعادة تأسيس أو توفير التمويل لبرامج أقنعت هذه الإدارة عدداً كبيراً من الناخبين بأنها مهدِرة. انظر إلى ما فُقد: بمحاولتها تقويض فعالية اللقاحات وزعزعة ثقة الجمهور في أهميتها، قد نشهد عودة أمراض الطفولة التي كانت قد تم القضاء عليها إلى حد كبير.

وبإلغاء برامج توفير الغذاء للفقراء، لن يتضرر هؤلاء فقط، بل سيُصاب المزارعون الأميركيون بالأذى، إذ كانوا غالباً مستفيدين مباشرين من هذه الجهود. وستجعل الرسوم الجمركية السلع المستوردة أكثر تكلفة على المستهلك الأميركي وتؤدي إلى تآكل الثقة في الولايات المتحدة كشريك تجاري موثوق. وقد أدى فقدان الولايات المتحدة لما تتمتع به من رصيد الثقة في العديد من مناطق العالم إلى توجه الحكومات بشكل متزايد نحو الصين. وتتجلى الخسائر أيضاً في الانتكاسات بمجالات البحث العلمي، والقدرة على التنبؤ بالأحوال الجوية وأنماطها، والأضرار التي لحقت بالجهود المبذولة لتحقيق أهداف تغير المناخ.

وعندما ينتهي هذا الكابوس، سنجد أنفسنا أمام ركام وفوضى ومهمة جسيمة لإعادة البناء. ما يحدث حالياً يعيد إلى الأذهان النهج الذي اتبعه الرئيس جورج بوش الابن في الشرق الأوسط. ففي أعقاب كابوس هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، فقدت إدارة بوش السيطرة على عملية صنع القرار لصالح مجموعة من الأيديولوجيين المحافظين الجدد من داخل الإدارة وخارجها. ولأن هؤلاء كانوا مقتنعين بأن إصلاح أو تعديل المشاكل القائمة في الشرق الأوسط لن يصل إلى جذور الأزمة، فاختاروا استخدام «المطرقة» لتفجير المنطقة. كانوا يريدون نسف الواقع ثم إعادة بناء «شرق أوسط جديد».

لقد استندت سياسة بوش إلى الأيديولوجيا لا إلى الواقع. فقد قرروا إزالة صدام، وتنصيب حكومة تلبي معايير الولايات المتحدة، وكما وصفوها بشاعرية، «تكون منارة للديمقراطية تضيء الشرق الأوسط بأسره».

وعندما اتضح أن شيئاً من ذلك لم ينجح، لجؤوا إلى مصطلح «الفوضى الخلّاقة» لتفسير «المنطق» الكامن وراء سياستهم الخارجية في المنطقة. كان ذلك جهداً لإقناعنا بأن الفوضى التي صنعوها كانت مقصودة وضرورية، وأن العنف المتصاعد وعدم الاستقرار الذي أعقبها لم يكن سوى «مخاض الولادة» لـ «الشرق الأوسط الجديد» الذي كانوا يزعمون المساعدة في ولادته.

لكن لم يكن هناك منطق، ولا كان هناك شيء «خلّاق» في تلك «الفوضى». فنتاج ذلك «المخاض» كان «داعش» وتوترات زعزعت استقرار المنطقة. ونحن اليوم بعد ما يقارب ثمانية أشهر على وصول هذه الإدارة، فإن الأضرار المتوقعة هائلة، وربما سيستغرق الأمر جيلاً أو أكثر لإعادة البناء.

وحتى هذه اللحظة، لم يشعر فريق ترامب بالحاجة إلى صياغة تفسير ذكي لما فعلوه. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تأثير الضرر بدأ يظهر للتو، وأن جزءاً كبيراً من قاعدة ترامب لا يزال خاضعاً لسيطرته ومستمر في الاعتقاد بأنه يمكن بسهولة إصلاح ما قد يقع من أضرار.

لكن، كما حدث في سنوات بوش، ستظهر الحقيقة في النهاية، ستُطرح الأسئلة وتُوجَّه أصابع الاتهام. عندها يمكن أن تبدأ عملية إعادة البناء، سيستغرق الأمر وقتاً لاستعادة الثقة المفقودة. لكن ذلك ممكن.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى