جيمس زغبي: إسرائيل في الرأي العام الأميركي.. بوادر التغيير

جيمس زغبي 8-12-2025: إسرائيل في الرأي العام الأميركي.. بوادر التغيير
لقد تغيّرت مواقف الناخبين الأميركيين تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لكن المعلقين في وسائل الإعلام والمستشارين السياسيين لم يدركوا ذلك بعد. فهم ما زالوا عالقين في الماضي، يعتمدون على افتراضات قديمة حول الناخبين، ويواصلون العمل وفق قواعد لعبة منتهية الصلاحية.
يقدم مقال رئيسي في صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي بعنوان «شخصيات تستحق المتابعة مع انطلاق سباقات التجديد النصفي لعام 2026» أفضل دليل على مدى ابتعاد المحللين عن الواقع. وقد تناول المقال ستة سباقات انتخابية ترى الصحيفة أنها تستحق المتابعة العام المقبل.
كان من أبرز السباقات ترشح الدكتور عبد السيد، الأميركي العربي، لنيل ترشيح الحزب «الديمقراطي» لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية ميتشيجان. وبعد إطلاقه وصف «التقدمية الجريئة»، على سياسات يتبناها عبد السيد – أي دعمه لبرنامج الرعاية الصحية الشاملة وفرض ضرائب أعلى على المليارديرات، وقد أيده السيناتور بيرني ساندرز – يوجه الكاتب هذه الضربة:«ربما تكون آراؤه في السياسة الخارجية هي الأكثر إثارة للجدل. فقد وصف أفعال إسرائيل في غزة بالإبادة ، ويؤيد قطع المساعدات العسكرية عن الدولة اليهودية».
ما يُثبت أن الكاتب «منفصل» عن الواقع السياسي الراهن هو تأكيده أن اتهام إسرائيل بارتكاب عمليات قتل جماعية أو الدعوة إلى قطع المساعدات العسكرية عنها هي مقترحات سياسية مثيرة للجدل. ربما كان هذا صحيحاً قبل بضع سنوات، لكن حرب إسرائيل على الفلسطينيين أثّرت سلباً على شعبية إسرائيل لدى الناخبين الأميركيين، وعلى السياسات التي يريد هؤلاء الناخبون من حكومتهم اتباعها لكبح جماح السلوكيات الإسرائيلية. وينطبق هذا بشكل خاص على «الديمقراطيين» – وهم الناخبون الذين سيحتاجهم عبد السيد للفوز في الانتخابات التمهيدية العام المقبل.
وقد أثبتت مجموعة واسعة من استطلاعات الرأي مدى اتساع نطاق التغييرات في المواقف. أجرت مجلة «الإيكونوميست» أحدث وأشمل استطلاعات الرأي العام الأميركية في أغسطس 2025. وفيما يلي بعض ما توصلت إليه: يؤيد 43% من الناخبين خفض المساعدات العسكرية لإسرائيل، بينما يرغب 13% فقط في زيادة هذه المساعدات. وتبلغ نسبة الخفض/الزيادة بين «الديمقراطيين» 58% مقابل 4%. أما بين المستقلين، فالنسبة متقاربة.
وتُظهر استطلاعات أخرى أن الناخبين يُؤكدون أنهم أكثر ميلاً لدعم المرشحين الذين يتبنون مثل هذه المواقف، وأقل ميلاً للتصويت لمن يدافعون عن السياسات الإسرائيلية ويرغبون في الحفاظ على المستويات الحالية للمساعدات العسكرية لإسرائيل.
الاستنتاج الواضح هو أن المرشحين الذين يتبنون مواقف مشابهة لموقف عبد السيد ليسوا مثيرين للجدل إطلاقاً. بل هم في الواقع جزء من التيار الأميركي السائد الجديد.
وكدليل إضافي على هذا التحول، وقبل أقل من عام على انتخابات التجديد النصفي، من اللافت للنظر أن أكثر من عشرين مرشحاً للكونجرس قد أعلنوا بالفعل عن نيتهم رفض مساهمات لجان العمل السياسي من الجماعات المؤيدة لإسرائيل. ويشمل ذلك ثلاثة أعضاء حاليين في الكونجرس، جميعهم كانوا في السابق من أشد مؤيدي إسرائيل، وحصلوا في الانتخابات السابقة على ملايين الدولارات من مصادر مؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك لجان العمل السياسي وأموال الإنفاق غير المشروعة المستقلة. وأحد هؤلاء الأعضاء ألقى كلمة مؤخراً في متحف الهولوكوست الأميركي، وشن انتقادات قوية ضد أفعال إسرائيل في غزة، وأعلن تأييده لخفض الأسلحة العسكرية الأميركية لإسرائيل.
كان يُقال سابقاً إن انتقاد إسرائيل يشبه لمس «السلك المكهرب» في السياسة الأميركية – إمّا تتجنبه أو تتعرّض للحرق. ولكن بطريقة ما، لا يزال الأمر كذلك، ولكن في الاتجاه المعاكس. كان دعم إسرائيل في السابق أمراً أساسياً لمرشحي الكونجرس. تُظهر استطلاعات الرأي الآن أن الناخبين أقل ميلاً للتصويت للمرشحين الذين يرفضون انتقاد إسرائيل أو الذين يتلقون تمويلاً من لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل.
ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، نتوقع أن ينأى المزيد من المرشحين بأنفسهم علناً عن السياسات الإسرائيلية. كما نتوقع أن تُصاب الجماعات المؤيدة لإسرائيل بالذعر وتُصعّد من ضغوطها بضخ عشرات الملايين لهزيمة المرشحين الذين ينتقدون إسرائيل. وأرى أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، لأن ما سيكون مثيراً للجدل في عام 2026 هو السياسات الإسرائيلية ومساهمات الحملات الانتخابية المؤيدة لإسرائيل، وليس العكس. كلما أسرع المحللون والمستشارون ووسائل الإعلام في إدراك ذلك، كان أداؤنا السياسي أفضل.



