ترجمات عبرية

جيروزاليم بوست – بقلم سيث فرانتزمان – هل يمكن لدبلوماسية ترامب “المعاملاتية” أن تحقق انتصارات أكثر في الشرق الأوسط ؟

جيروزاليم بوست  – بقلم  سيث فرانتزمان – 28/9/2020

أن دبلوماسية المقايضة ليست دخيلة تمامًا على طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية على مدار المائتي عام الماضية. هناك شعور متزايد في الشرق الأوسط بأن العلاقات مع إسرائيل يمكن أن تكون سببًا في تغيير قواعد اللعبة من وجهة نظر الدول التي تحتاج إلى مزيد من النفوذ في واشنطن، أو يمكن تحويل هذه العلاقات إلى عديد من الاتفاقات والصفقات، ولهذا الشعور أهمية محورية في عقيدة ترامب الحالية. ويمثل ملمح «المقايضة» هذا الخاص بالإدارة الأمريكية الحالية حالة فريدة من نوعها في التاريخ الأمريكي.

وربما لم يحدث مثل هذا التركيز المنفتح على «المتاجرة» بوصفها طبيعة للسياسة الأمريكية منذ حكم الرئيس الأمريكي كالفين كوليدج (الرئيس الثلاثون للولايات المتحدة). ويُعد التركيز الأخير على التطبيع المحتمل للعلاقات بين السودان وإسرائيل جزءًا من هذه المقايضة التي تستهدف النهوض بالمصالح الأمريكية وتحقيق مكاسب لإدارة ترامب، في مقابل تحقيق مكاسب ثانوية تساعد إسرائيل أيضًا في تحسين علاقاتها مع المنطقة برمتها.

المقايضة ليست دخيلة على السياسة الخارجية الأمريكية

إن دبلوماسية المقايضة هذه ليست دخيلة تمامًا على طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية على مدار المائتي عام الأخيرة. لقد كان يُنظر إلى حرب الخليج على نطاق واسع بأنها صراع على المصالح الأمريكية في النفط، بينما ارتبط التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى بقضايا مثل التجارة الحرة.

وكرَّست «دبلوماسية الدولار» الأمريكية (التي كانت شكلًا من أشكال السياسة الخارجية الأمريكية لتقليل استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، خاصة أثناء حكم الرئيس ويليام هوارد) قبل الحرب العالمية الأولى وميثاق الأطلسي الصادر عام 1941م (إعلان مشترك أصدره رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 14 أغسطس (آب) 1941م) للمفاهيم ذاتها. وبعد عقود من الحديث الراقي عن «النظام العالمي الجديد»، والتدخل الإنساني (استخدام دولة ما للقوة العسكرية ضد دولة أخرى بهدف إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدولة المستهدفة)، أدَّى تركيز إدارة ترامب على مزيد من السياسة الخارجية النفعية إلى أن دولًا في الشرق الأوسط تحاول اكتشاف دوافع المقايضات التي ستدخل السرور على قلب واشنطن.

السودان يحاول استرضاء الشعب

السودان، الذي لديه حكومة جديدة نسبيًّا، ومرَّ بمرحلة انتقال سياسي في العام الماضي، يريد تحقيق انتصار يمكنه تقديمه إلى شعبه. وتستهدف الخرطوم رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية الخاصة بالدول الداعمة للإرهاب. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإشاعات المثارة على مدار الشهر الماضي، رفضت البلاد ربط هذا الأمر بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ولا يعني ذلك أنه يمكن حدوث المسألتين في الوقت ذاته.

ومع ذلك، يبدو من المثير للشك بعض الشيء بالنسبة لحكومة بلد مثل السودان أن تزعم أنها تاجرت بهاتين القضيتين. ويبدو أن مسألة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حق مكفول للخرطوم؛ إذ إنها لم تعد تدعم الإرهاب. وتُعد العلاقات مع إسرائيل مسألة مثيرة للجدل في بلد كان في الماضي معاديًا لإسرائيل.

هناك عديدًا من العوامل في هذا الصدد، وأبرزها الأجندة المعادية لإسرائيل التي دفعتها تركيا التي تُعادِي البلدان التي تُطبِّع علاقاتها مع إسرائيل. وتقيم تركيا علاقات مع إسرائيل، لكنَّ نظامها الحالي يُعد أحد أكثر الأنظمة عداءً لإسرائيل في العالم. وكانت تركيا تأمل حتى وقت قريب أن يكون بإمكانها أن تكون البلد الذي يقرر مستقبل السودان، نظرًا إلى الاستثمارات الضخمة واستئجار جزيرة في البلاد، وإرسال مستشارين عسكريين. وذلك جزء من دعم تركيا الشامل للمجموعات المتصلة بجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. وربما تكون قطر متورطة في إفساد العلاقات بين السودان وإسرائيل أيضًا. ونشرت مؤسسة «بروكنجز» تقريرًا خلال عطلة نهاية الأسبوع يؤكد أن «تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل الآن لعبة خطرة».

المعاملات لا تحدث في فراغ

إن إحدى المسائل المتعلقة بدبلوماسية المقايضة، هي أن الصفقات لا تحدث في فراغ. إن إدارة ترامب تواجه إجراء انتخابات رئاسية في غضون شهر ونصف. ويجب أن تراهن البلدان على ما إذا كانت الإدارة ذاتها ستكون في سدة الحكم بعد عام لتقدِّم إليها دوافع المقايضات. ويجب على هذه الدول أن تراهن أيضًا على بقاء إداراتها في الحكم في الداخل، وعلى العلاقات الخارجية في المنطقة. لذلك، تُعد دبلوماسية المقايضة أكثر تعقيدًا من الصفقة التجارية. وينقسم الشرق الأوسط اليوم إلى عديد من معسكرات التحالف، وللاتفاقيات مع الولايات المتحدة وإسرائيل تداعيات على نطاق أوسع.

والولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يمارس «دبلوماسية الدولار» هذه الأيام في المنطقة؛ إذ تساعد إيران أيضًا في تمويل الجماعات وتسليحها في جميع أنحاء المنطقة. كما تعقد اتفاقيات مع النظام السوري، على سبيل المثال. وتسعى إيران أيضًا إلى الحصول على دعم من الصين وروسيا من خلال صفقات تجارية جديدة، في ظل العقوبات الأمريكية والحظر المفروض عليها. ولكن حتى النظام الإيراني يتعرض للانتقاد من الداخل على أساس أنه ربما يتاجر بالحقوق لتحرير المناطق التجارية في بعض الجزر مقابل الاستثمار الصيني.

نشاط روسي في الشرق الأوسط

وفضلًا عن ذلك، تسعى روسيا التي تغرِّد خارج السرب إلى إغراء تركيا، من خلال تقديم الصفقات إليها لسحبها بعيدًا عن الولايات المتحدة، كما تعمل روسيا في جميع أنحاء الشرق الأوسط على بيع الأنظمة الدفاعية المختلفة. ويمثل الاهتمام الروسي، إلى جانب اهتمام إيران وتركيا، باستخدام الدبلوماسية مقرونةً بالأعمال التجارية في طول الشرق الأوسط وعرضه عاملًا مهمًّا لإدراك أن تركيز إدارة ترامب على «الاتفاقيات» ليس أمرًا سريًّا أو يقتصر على فئة دون غيرها، وإنما جزء لا يتجزأ من المعركة بالنسبة للمنطقة.

وهناك تساؤلات بشأن الصفقات الأخرى التي يمكن لترامب المقايضة بها حتى يحقق مزيدًا من الانتصارات في المنطقة. وقد ذُكِرت عمان، والكويت، وقطر، والمغرب بوصفها من البلدان التي يمكن أن تمضي قُدُمًا نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفضلًا عن ذلك، ربما تكون هناك فرص في آسيا وأفريقيا، حيث لا توجد علاقات لإسرائيل إلا مع قليل من الدول. ومع ذلك، ليس من الواضح بوجه عام ما الذي ربما تريده بعض البلدان، وما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن.

التطبيع في مقابل طائرات إف-35

وتذكر تقارير إعلامية، كما يفيد الكاتب، أن التساؤلات المتعلقة بإمداد الإمارات بطائرات من طراز إف-35 كانت متصلة باتفاقية التطبيع مع إسرائيل. وينكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذا الأمر، ولكن التقارير الصحفية في إسرائيل تستمر في التلميح إلى ذلك. وحتى إن مُرِّرت صفقة طائرات إف-35 كما يُعتَقَد، فسوف يستغرق إنهاء الصفقة ووصول أول طائرة إلى أبوظبي سنوات عديدة.

ويعني ذلك أنه عندما ينظر المرء إلى دبلوماسية المقايضة، فمن المهم أن يعترف بأن ما يبدو صفقة بسيطة ينطوي على تبعات طويلة المدى. وبمجرد أن تدخل البلدان في علاقات مع إسرائيل، فنادرًا ما تتراجع عن هذه العلاقات أو تقطعها. وإيران فيما بعد الثورة الإيرانية مثال على ذلك. ويعني هذا أن البلدان تحتفظ بعلاقاتٍ طويلة الأمد مع إسرائيل. ويُعد رفع اسم دولة من قائمة الدول «الراعية للإرهاب»، كما في حالة السودان، أيضًا استثمارًا طويل المدى في مستقبل البلاد.

ماذا تستفيد واشنطن؟

ويظل هناك سؤال مهم فيما يتعلق بدبلوماسية المقايضة في الشرق الأوسط، وهو: ماذا تستفيد واشنطن من ذلك؟

دفع ترامب بصفقات أسلحة في نقاشاته مع المنطقة في عام 2017م. وأراد أيضًا أن يُظهِر أنه يمكنه إنجاز كثير مما فشلت الإدارة السابقة في إنجازه. وكانت بعض هذه الإنجازات رمزية، من بينها شن غارات جوية على سوريا، والادِّعاء بإنهاء الحرب على داعش. والرغبة في إبرام «صفقة القرن»، التي يمكنها إعادة كتابة عقود عديدة من الجمود في «عملية السلام»، هي بالتأكيد على رأس قائمة الإنجازات المنشودة لإظهار قوة واشنطن وأهميتها، ويبدو أنها بمثابة مكسب بالنسبة للإدارة.

على المدى الطويل، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الدبلوماسية ستؤمِّن تأثير واشنطن ضد خصومها الكبار مثل روسيا والصين. ومع ذلك، إذا تلاحمتْ وأنتجتْ نظام تحالف إقليميًّا جديدًا، وهو ما جسدته الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، فسيكون بإمكان ترامب التلويح بنجاحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى