ترجمات أجنبية

جيبوليتكال فيوتشرز–  بقلم هلال خاشان –  ماذا تعني عودة طالبان للعالم العربي

جيبوليتكال فيوتشرز–  بقلم هلال خاشان * –  2/9/2021

كانت هناك ردود فعل متباينة في العالم العربي على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وفي هذا السياق هنّأ مفتي عمان الشعب الأفغاني على ما وصفه بالنصر الباهر على المعتدين. واعتبرت بعض الحركات المسلحة، خاصة في سوريا وغزة، سيطرة “طالبان” على كابل هزيمة غربية في الحرب ضد الإسلام. ورأت “هيئة تحرير الشام” السورية، والتي تعتبر نفسها حركة شقيقة لـ”طالبان”، أن التطورات الأخيرة تمثل انتصارا للجهاد في الدول الإسلامية.

لكن النخبة الحاكمة، خاصة في السعودية والإمارات، بقيت لديها مخاوف عميقة بشأن عودة “طالبان” إلى السلطة. وقد دعا السعوديون حركة “طالبان” إلى تبني نظام سياسي يشمل جميع شرائح المجتمع الأفغاني. وبالمثل، أعربت الإمارات عن مخاوفها الأمنية ودعت “طالبان” إلى التركيز على إحلال السلام والاستقرار. لكن المخاوف والاحتفالات تبدو بعيدة كل البعد عن حقيقة أن “طالبان” لا تمثل تهديدًا خطيرًا للدول الإسلامية خارج أفغانستان.

بداية “طالبان”

“طالبان” حركة محلية لها أساس في المجتمع الأفغاني المحافظ. وعلى عكس “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، فإن “طالبان” ليس لديها تطلعات خارج أفغانستان حيث ينصب تركيزهم فقط على بلدهم ومواطنيهم البشتون في باكستان.

وقد تأسست “طالبان” عام 1994 على يد “الملا محمد عمر” في قندهار بالقرب من الحدود الباكستانية، وكان مشروعه مدعومًا جزئيًا بتمويل سعودي مخصص للمدارس الدينية. وكان “عمر” قد فقد عينه اليمنى في معركة ضد السوفييت، الذين انسحبوا من أفغانستان في عام 1989، وقد أفزعه الفساد المستشري في أفغانستان، فقام بجمع العشرات من الطلاب من المدارس الدينية لمساعدته على إقامة دولة إسلامية. ومع اعتماد “طالبان” كاسم لحركتهم، سيطروا في عام 1996 على كامل البلاد باستثناء إقليم بدخشان في الشمال الشرقي، الذي كان يسيطر عليه تحالف الشمال.

وبعد الغزو الأمريكي في عام 2001، تم طرد “طالبان” من كابل لكنها استمرت في السعي وراء مشروع وطني لإنهاء الاحتلال وإعادة تأسيس نظام سياسي إسلامي. وخلال محادثات السلام في قطر في عام 2020 والتي أدت إلى اتفاق لإنهاء الحرب، أكّدت “طالبان” للولايات المتحدة أنها لن توفر مأوى لمقاتلي “القاعدة” وأنها ستشرك السكان الأفغان في الترتيبات الجديدة للوضع السياسي والاجتماعي.

لكن بالنظر إلى تاريخ الحركة، لم يأخذ الكثير من العرب وعودها على محمل الجد. وكانت “طالبان” قد أبلغت الولايات المتحدة بعد الهجمات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في عام 1998 أنها ملتزمة بمنع “أسامة بن لادن” من شن هجمات على الأصول الأمريكية من أفغانستان، بالرغم أنهم زعموا أيضًا أن الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل على تورط “بن لادن” في الهجومين. وبعد 11 سبتمبر/أيلول، رفضت “طالبان” تسليم “بن لادن” وأفراد “القاعدة” الآخرين، معتبرة إياهم حلفاء ساعدوا في تحرير أفغانستان من الغزاة السوفييت.

حالة الفوضى الجهادية

تأسست حركة “طالبان” لتطبيق القيم التي تحض عليها تعاليم الإسلام. من ناحية أخرى، ركز تنظيم “القاعدة” على محاربة المسيحيين واليهود بالإضافة إلى الحكومات التي تخدم مصالحهم على حساب آلام المسلمين.

في عام 1988، أسس “أسامة بن لادن” وغيره من المجاهدين العرب في أفغانستان “القاعدة” في بيشاور- باكستان، كحركة لامركزية عابرة للحدود. وغادر مقاتلو الجماعة في نهاية المطاف أفغانستان وعادوا إلى بلدانهم الأصلية، في محاولة لإسقاط الأنظمة التي لا تحظى بشعبية في جميع أنحاء العالم العربي. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية، شنوا أيضًا أول هجوم للقاعدة ضد الولايات المتحدة في عام 1993، بتفجير قنبلة في مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك.

وتتمتع القاعدة والجماعات التابعة لها بوجود في أجزاء كثيرة من آسيا وأفريقيا بما في ذلك شبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا والقوقاز والهند وسيناء في مصر والصومال وشمال إفريقيا ودول الساحل. ومع ذلك، لم يتمكنوا من إسقاط أي حكومة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الضربات الجوية الأمريكية وقوات الأمن المحلية أبقتهم تحت السيطرة.

وأدى الغزو الأمريكي لأفغانستان والضربات الجوية الدقيقة، خاصة في اليمن والصومال، إلى تدمير العمود الفقري للقاعدة. ولكن ضعف “القاعدة” مهد الطريق لصعود “الدولة الإسلامية”. وعلى عكس “القاعدة”، التي استهدفت هجماتها الغرب وإسرائيل في المقام الأول، اختارت “الدولة الإسلامية” التعامل مع العدو داخل الدولة القومية. 

وقد ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 واكتسب زخما بين العرب السنة المنعزلين في محافظة الأنبار. وفي عام 2014، سيطر التنظيم على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، بقوات قوامها 1500 رجل فقط مقابل أكثر من 45 ألف جندي عراقي. وأوقفت الضربات الجوية والقوات البرية الأمريكية توسع التنظيم باتجاه بغداد. وبمشاركة البشمركة وقوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، هزم التحالف بقيادة الولايات المتحدة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق بحلول عام 2017 وفي سوريا بعد ذلك بعامين.

وظهر تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان”، الجماعة المسؤولة عن هجوم الأسبوع الماضي على مطار كابل، في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان. وتعد خراسان منطقة تاريخية في آسيا الوسطى تشمل أفغانستان وباكستان والهند وكشمير وشرق إيران وإقليم شينجيانج الصيني الذي يسكنه بشكل أساسي الإيجور المسلمون.

ويضم “تنظيم خراسان” جنسيات وأعراق متعددة تشمل العرب والأكراد والتركمان والشيشان والإيجور والطاجيك والأوزبك والكازاخ. ولدى التنظيم ما يقرب من 1500 عضو نشط ولكن ليس لديه جاذبية واسعة بين السكان الأفغان.

وفي عام 2018، هزمت حركة “طالبان” تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” بشكل حاسم في معركة درزاب. وبالرغم أن تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” أظهر قدرته على تنفيذ عمليات دموية، إلا أنه لا يمتلك القدرة العسكرية لغزو واحتلال الأراضي. ومع ذلك، فإن جيران أفغانستان، مثل الصين، يخشون أن يجتذب التنظيم مجندين شباب من سكانهم.

تراجع الإسلام السياسي

شهدت الثورات العربية صعود الأحزاب السياسية الإسلامية في عدد من البلدان العربية، لكن شعبيتها تراجعت منذ ذلك الحين.

وفي عام 2012، فاز “محمد مرسي” المرشح الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، بالرئاسة في الانتخابات الديمقراطية الوحيدة في مصر منذ الانقلاب العسكري عام 1952. وبعد عام، أطاح الجيش بـ”مرسي” وحظر جماعة الإخوان المسلمين وأصدر أحكامًا قاسية بالسجن على قيادات وناشطي الإخوان.

وفي تونس، التي وصفها مراقبون سياسيون بأنها استثناء من الاضطرابات التي عصفت بالدول العربية، علق الرئيس “قيس سعيد” البرلمان في يوليو/تموز الماضي وركز معظم سلطات الدولة في يديه. وقد بلغت شعبية حزب النهضة الإسلامي ذروتها في الانتخابات العامة عام 2011، حيث حصل على 37% من الأصوات. وفي عام 2014، حصل على 28% ثم انخفضت هذه النسبة إلى 20% في عام 2019. وقد أدت اتهامات الفساد وسوء الإدارة إلى تراجع جاذبية الحزب.

وفي المغرب، استرضى الملك “محمد السادس” مطالب المحتجين بالإصلاحات السياسية من خلال تعيين رئيس وزراء من حزب العدالة والتنمية الذي فاز بنسبة 23% من الأصوات في انتخابات 2011. وفي عام 2016، فاز الحزب بنسبة 27% من الأصوات وظل محتفظا بمنصب رئيس الوزراء. ويمنع القانون حزباً واحداً من الفوز بأغلبية مطلقة في المغرب، وما يزال الملك يمتلك السلطة المطلقة، لذا لم يتم ترجمة نجاح حزب العدالة والتنمية إلى سلطة سياسية حقيقية.

وفي اليمن، فقد حزب الإصلاح (الذي جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2003 بعد حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم) الكثير من نفوذه منذ انتفاضة 2011، حيث جرى تهميشه نتيجة صعود الحوثيين واستيلائهم على معظم معاقل الإصلاح بالإضافة إلى عداء الإمارات للإسلام السياسي.

لقد طغت الثورات العربية وظهور حركات إسلامية متشددة على الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة التي كانت تركز على السياسة وتعارض العنف. ولا يوجد مبرر للمخاوف العربية من أن سيطرة “طالبان” ستجعل أفغانستان ملجأ للحركات الإسلامية وقاعدة لتدريب المسلحين ومنصة انطلاق للأنشطة التخريبية، ف”طالبان” ليست جماعة عابرة للحدود، ولا ينبغي للحركات الإسلامية في المنطقة العربية أن تتوقع تلقي الدعم منها.

يركز تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” على آسيا الوسطى، وليس العالم العربي، لكن لا يزال من المشكوك فيه أن يتمكن من تطوير القدرة على شن هجمات خطيرة على جيران أفغانستان. ولن تسمح “طالبان” ولا دول آسيا الوسطى للتنظيم أن يصبح تهديدًا حقيقيًا.

يميل الأفغان من مختلف التوجهات السياسية للانكفاء على الذات مع نظرة عالمية محدودة. وتشير أحداث العقد الماضي إلى أن التنظيمات المتشددة لا يمكن أن تنتصر.

* هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت. وهو كاتب ومحلل محترم في شؤون الشرق الأوسط .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى