شوؤن عربية

جوزريف ضاهر: “قانون قيصر” الأميركي ازاء سوريا… ما هو؟ ماذا يعني إلغاء عقوباته؟

جوزريف ضاهر، المجلة 12-12-2025: “قانون قيصر” الأميركي ازاء سوريا… ما هو؟ ماذا يعني إلغاء عقوباته؟

أقر مجلس النواب الأميركي في العاشر من ديسمبر/كانون الأول مشروع قانون دفاعي ضخم هو “قانون تفويض الدفاع الوطني” (NDAA)، الذي يجيز إنفاقا عسكريا قياسيا يبلغ 901 مليار دولار سنويا، ويتضمن كذلك إلغاء “قانون قيصر” لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019.

ويُعد هذا القانون من أبرز الإجراءات التي اتخذتها واشنطن ضد النظام السوري السابق وحلفائه، ولا سيما بسبب طبيعته الثانوية التي تتيح معاقبة أفراد ومؤسسات أجنبية تتعامل مع كيانات سورية خاضعة أصلا للعقوبات الأميركية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن خلال اجتماع في السعودية مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في مايو/أيار الماضي، عزمه رفع جميع العقوبات عن سوريا، فيما علقت إدارته العقوبات مؤقتا. غير أن إلغاء عقوبات “قيصر” بصورة دائمة لا يتم إلا من خلال تشريع يصدر عن الكونغرس.

ومن المتوقع أن يحظى مشروع قانون الدفاع بالموافقة النهائية قبل نهاية العام، بعد تصويت مجلس الشيوخ، ليوقعه الرئيس ترمب ويصبح نافذا. كما قُدم في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 مشروع قانون آخر إلى الكونغرس لإلغاء “قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان لعام 2003″، وقانون حقوق الإنسان في سوريا لعام 2012، ومن المرجح أن يُبحث في مطلع العام المقبل.

ما هو “قانون قيصر”؟

يتيح “قانون قيصر” لعام 2019 معاقبة أي حكومة أو جهة خاصة تقدم دعما للنظام السوري السابق أو للكيانات المرتبطة به، أو تسهم في إعادة إعمار سوريا، إضافة إلى أي دعم يقدم لحكومتي روسيا وإيران في سوريا. ويخول القانون الرئيس الأميركي فرض عقوبات على أي شركة أو فرد يستثمر في قطاعات الطاقة أو الطيران أو البناء أو الهندسة في سوريا، وكذلك على من يقدم قروضا للنظام السابق (المادة 102).

كما فتح القانون الباب لاستهداف مصرف سوريا المركزي، بناء على تقرير من وزير الخزانة يحدد ما إذا كانت هناك “أسباب معقولة” للاعتقاد بأن المصرف مؤسسة مالية معنية أساسا بغسل الأموال (المادة 101). وفي ديسمبر 2020، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أعلن البنك المركزي السوري على قائمة الأشخاص والكيانات المحظورة، رغم أنه كان محجوبا قانونيا أصلا بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582 واللوائح الخاصة بالعقوبات السورية.

ويمنح القانون الرئيس الأميركي، بعد تسعين يوما من دخوله حيز التنفيذ، صلاحية تقييم “الجدوى والمخاطر والمتطلبات العملياتية للوسائل العسكرية وغير العسكرية لتعزيز حماية المدنيين داخل سوريا” (المادة 303).

ويختتم القانون بنصوص تتيح للرئيس تعليق العقوبات (المادة 401)، شرط احترام حقوق الإنسان الأساسية في سوريا وبدء مسار للمساءلة.

في هذا السياق، يُرجح أن يسهم إلغاء “قانون قيصر” لعام 2019 في تهيئة ظروف أفضل لمسار التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا. فعلى الرغم من أن السلطات في دمشق وقّعت الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم مع شركات أجنبية، بلغت قيمتها نحو 28 مليار دولار منذ مطلع العام، فإن معظم هذه المشاريع بقي في إطار الإعلان ولم ينفذ فعليا. ومن شأن رفع العقوبات أن يسهل ويُسرع تنفيذ هذه المشاريع، كما من المرجح أن يشجع شبكات الأعمال والمال في الخارج، سواء من السوريين أو من المستثمرين الأجانب، على دخول السوق السورية بعدما كانوا مترددين بسبب تجميد العقوبات مؤقتا وخشيتهم من إعادة فرضها لاحقا.

وإلى جانب رفع عقوبات أخرى مفروضة على كيانات وأفراد وشركات، من المتوقع أن يؤدي إلغاء “قيصر” إلى تخفيف حالة الشك والارتباك التي كانت تقيد عمل المصارف والمصدرين وشركات النقل والتأمين عند التعامل مع سوريا. ما يعني أن القيود المفروضة على التبادل التجاري والمالي ستتراجع، وهو ما يفتح الباب أمام تعزيز اندماج سوريا اقتصاديا في محيطها الإقليمي والدولي. وسيُسهل ذلك أيضا عمليات استيراد السلع والخدمات الأساسية الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، لا سيما في القطاعات المتضررة مثل الإسكان والبنية التحتية والخدمات العامة.

غير أن رفع العقوبات، وكما أشير في مقالات سابقة، لا يعني بالضرورة تجاوز التحديات البنيوية العميقة التي تعيق مسار التعافي الاقتصادي. فالمشكلات الهيكلية في الاقتصاد السوري ما تزال قائمة، بدءا من ضعف القطاعات الإنتاجية الأساسية كالزراعة والصناعة، ومرورا بانهيار منظومة الخدمات العامة، ووصولا إلى غياب الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد وتخصيص الإنفاق العام.

ومن دون اعتماد إصلاحات جذرية تضع تحسين ظروف المعيشة والعمل في صدارة الأولويات الوطنية، وتعيد بناء القطاعات الإنتاجية، وتؤسس لنظام حوكمة اقتصادية قائم على الكفاءة والنزاهة، فإن رفع العقوبات قد يتحول إلى فرصة ضائعة. بل قد يؤدي إلى إعادة إنتاج دوائر التهميش والتخلف، وتفاقم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، نتيجة استمرار الفساد وتغييب المحاسبة واستبعاد فئات واسعة من المشاركة الاقتصادية.

هل هناك تهديد محتمل للسيادة السورية؟

رغم أن إلغاء “قانون قيصر” يُعد خطوة إيجابية تصب في مصلحة سوريا اقتصاديا وسياسيا، فإن ذلك لا يعني أن القرار جاء من دون شروط وضوابط صارمة. فمشروع قانون الدفاع الأميركي ينص بوضوح على أن الرئيس يحتفظ بحق إعادة فرض العقوبات متى رأى أن ذلك يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي، كما يُلزم البيت الأبيض بتقديم تقارير دورية على مدى أربع سنوات، توضح التزام السلطات السورية بجملة من الشروط السياسية والأمنية.

وتتضمن هذه الشروط أن تستمر سوريا في محاربة تنظيم “داعش”، وتواصل انخراطها في التحالف الدولي ضد التنظيم، وأن تضمن حقوق الأقليات الدينية والإثنية، بما في ذلك تمثيلهم في مؤسسات الحكم. كما تُمنع السلطات السورية من القيام بأي عمليات عسكرية أحادية ضد دول الجوار، بما فيها إسرائيل، ويُشترط أن تظهر تقدما في تنفيذ الاتفاقات الأمنية الدولية. كذلك يجب أن لا تمول دمشق أو تؤوي أفرادا أو جماعات تُصنف على أنها تهدد الأمن القومي الأميركي أو أمن حلفاء واشنطن، وأن تتخذ خطوات عملية لإبعاد المقاتلين الأجانب عن المناصب العليا في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية. إضافة إلى ذلك، يُطلب من الحكومة السورية فتح تحقيقات رسمية، والمباشرة بمحاكمات بحق المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ تاريخ 8 ديسمبر 2024، بما يشمل مرتكبي المجازر بحق الأقليات الدينية.

ومع أن المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وضمان المساواة في الحقوق والتمثيل العادل للأقليات الدينية والإثنية عناصر إيجابية ونجاحات مهمة لأنصار سوريا أكثر ديمقراطية وشمولية، فإن هذه المتطلبات تقوّض السيادة الوطنية السورية بطرق مهدِّدة. وإلى جانب ذلك، فإنها تعزز الهيمنة السياسية لواشنطن على دمشق عبر فرض شروط تخدم مصالحها الجيوسياسية ومصالح حلفائها الإقليميين، ولا سيما إسرائيل. فالنصوص القانونية توكل إلى دمشق، بشكل غير مباشر، مهمة حماية أمن إسرائيل، على الرغم من استمرار الأخيرة في شن هجمات على الأراضي السورية، وارتكاب انتهاكات واحتلال مناطق من الجولان. كما يُحتمل أن تستغل هذه الشروط في تجديد المطالب الإسرائيلية بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، ضمن أي اتفاق محتمل لوقف الضربات أو تسوية الصراع على الجبهة الجنوبية.

إن الرسالة الأميركية واضحة، وتتلخص في أن رفع العقوبات وإنهاء العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة على سوريا مشروطان بقبول السلطات السورية توجيهات واشنطن، وضمان مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين. وبذلك، يتحول ملف العقوبات من أداة للضغط السياسي إلى أداة لإعادة صياغة شروط العلاقات الوطنية، وإعادة تشكيل موقع سوريا الإقليمي وفقا لمصالح خارجية قد لا تراعي بالضرورة أولويات الداخل السوري.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى