ترجمات أجنبية

جورج فريدمان يكتب – هذا ما تعنيه خطوات بايدن الأخيرة في الشرق الأوسط

جورج فريدمان – جيوبوليتيكال فيوتشرز 10/2/2021

اتخذ الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في الأسبوع الماضي، خطوتين في الشرق الأوسط؛ أولهما أنه أبلغ الكونجرس بنيته شطب الحوثيين في اليمن من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وثانيهما أنه قال إن الولايات المتحدة ستنهي دعمها للحملة التي تقودها السعودية في اليمن وستراجع علاقتها مع السعودية بسبب مخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان.

ورغم أن هاتين الخطوتين لهما معنى ضئيل في حد ذاتهما، ولكن عند النظر إليها معًا؛ فقد تمثلان تحولًا جذريًا في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

والسؤال هو ما إذا كان هذا التحول سيؤثر على واقع المنطقة، بما أن السياسة شأن، والواقع الجيوسياسي شأن آخر.

يعتبر الحوثيون فصيل رئيسي في الحرب الأهلية اليمنية التي تبدو أبدية، وهم متحالفون مع إيران في مواجهة السعودية والإمارات، في ظل تحول الحرب في اليمن إلى حد كبير من حرب أهلية إلى حرب بين وكلاء الدول الأخرى.

فقد قامت كل من السعودية والإمارات بشن غارات جوية وتقديم بعض الدعم على الأرض في القتال ضد الحوثيين، ومن ناحية أخرى، كانت إيران تقدم صواريخ للحوثيين لإطلاقها على السعودية.

ويعتبر اليمن بلدا استراتيجيا، يمكن من خلاله نشر قوات باتجاه السعودية وسلطنة عمان، أو السماح لمزيد من الحلفاء الأقوياء بالقيام بذلك، كما إن الأهم من ذلك، أنه يمكن لقوة افتراضية أقوى أن تستغل موقع اليمن لإغلاق مضيق باب المندب، وبذلك تغلق البحر الأحمر.

ويعتبر الوصول إلى البحر الأحمر أمرًا حيويًا؛ ففي عام 1967، أغلقت مصر مضيق تيران، ومنعت إسرائيل من الوصول إلى البحر الأحمر، مما أدى إلى اندلاع حرب الأيام الستة.

لكن اليمن ليست في وضع يسمح لها بإغلاق المضيق بنفسها، ولكن يمكن ذلك عبر طرف خارجي يسعى إلى زرع الفوضى الإقليمية.

وإذا حدث ذلك، فقد تتورط مصر وإسرائيل وإثيوبيا في صراع لا يريدونه، ويهدد السعودية وعمان، وبالتالي يضعف الموقف العربي في الخليج.

بالنسبة لإيران على المدى القصير؛ فإن اليمن قاعدة يمكن لإيران من خلالها الضغط على السعودية – التي تعتبرها منافستها الرئيسية – وكذلك على الإمارات، لتجبرها على إنفاق الموارد على عملية ليست في مصلحتها الأمنية الوطنية المباشرة ولكن لا يمكن تجنبها.

أما على المدى الطويل، فإذا انتصر الحوثيون في الحرب الأهلية تحت رعاية إيرانية، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة وإقناع بعض القوى العربية السنية بالاصطفاف مع إيران، وتغيير ميزان القوى في المنطقة على أقل تقدير.

تحالفات المنطقة الجديدة

تعد اتفاقيات “أبراهام” بين إسرائيل والإمارات، والتي تتوسع بسرعة لتشمل دول أخرى، أساسا لتحالف مناهض لإيران، حيث تنظر الدول العربية السنية إلى إيران على أنها تهديد وجودي لها، وهي لا ترى اليمن فقط على أنها ساحة معركة اختبارية مع إيران ولكن أيضًا على أنها هجوم مباشر على المصالح الأساسية في إطار معركة أوسع بدءًا من سوريا إلى العراق.

لا يتعلق خوف الدول العربية السنية من إيران بالأسلحة النووية في المقام الأول، وإنما يرونه مجرد تهديد واحد من بين تهديدات كثيرة، كما يرون أن طهران إذا امتلكت هذا السلاح فسوف تواجهها إسرائيل مباشرة.

ولكن ما يخشونه هو احتمال أن تتحول دول مثل سوريا واليمن إلى دول تابعة لإيران، مما يمنح إيران ما تريده حقًا؛ وهو المركز المهيمن في الشرق الأوسط.

كان موقف إدارة “ترامب” هو التعامل مع الأسلحة النووية في إيران على أنها مجرد جزء من تهديد أوسع.

وبعبارة أخرى، يمكن أن تمنح العمليات السرية إيران موقعًا مهيمنًا في المنطقة، مع الأسلحة النووية أو بدونها.

وتم تصميم العقوبات لشل إيران داخليًا، في حين كانت اتفاقيات أبراهام محاولة لإنشاء تحالف قوي لا يعتمد على التدخل الأمريكي المباشر لعرقلة المغامرات الإيرانية.

مجرد إشارات؟

ولا تعتبر قرارات رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب ومراجعة سجل حقوق الإنسان في السعودية مهمة في حد ذاتها، لكن يبدو أن إدارة “بايدن” إما تشير إلى سياسة جديدة أو تخطط لسياسة جديدة.

فقد وعدت بإحياء الاتفاق النووي مع إيران، لكن هذا الاتفاق جرى توقيعه في شرق أوسط مختلف. بينما في الشرق الأوسط اليوم، أصبح حل المشكلة الإيرانية متمثلًا في تحالف ضخم من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الخليج، شاملًا قوة نووية مهمة (هي إسرائيل) وقوى أخرى مستعدة لتحدي إيران، سواء كانت نووية أم لا.

تشير الإدارة الأمريكية إلى التحرك نحو علاقة عدائية مع السعودية بشأن حرب اليمن وملف حقوق الإنسان، وإذا استمرت في ذلك، فسوف تتحرك أيضًا ضد الإمارات، التي توجد فيها قواعد عسكرية أمريكية، وستتحرك ضد إسرائيل، التي تعتبر السعوديين أساسًا حيويًا في التحالف.

أصبحت السعودية أقل استقرارًا مما كانت عليه في السابق، وصارت قدرة النظام على الارتقاء إلى مستوى مفهوم الإدارة الأمريكية الجديدة لحقوق الإنسان محدودة، وبالتالي فإن هناك تهديدًا حقيقيًا في أن يؤدي ذلك إلى يمن تهيمن عليه إيران.

ولكن، من الصعب تخيل أن إدارة “بايدن” تريد أن تضطر إلى التعامل مع يمن تهيمن عليه إيران أو مع السعودية غير المستقرة. لذلك، من الصعب أن نتخيل أن البادرتين الأخيرتين من قبل الإدارة الأمريكية هما أكثر من مجرد إشارات.

صعوبة التكهن

هناك بالطبع احتمال آخر، وهو أن “بايدن” يعتقد بطريقة ما أنه يستطيع إقناع إيران بتحسين علاقاتها مع العرب السنة.

ولكن العودة للاتفاق النووي سيثير الذعر لبقية المنطقة التي تعود فيها الذكريات إلى قرون، ولا تقوم فيها التحالفات – مثل التحالف الحالي المناهض لإيران – على المودة بل على الحسابات الباردة.

وتعتبر إيران الآن معزولة في صندوق، بينما بقية المنطقة في تحالف غير مسبوق، وأهم شيء تعلمته الولايات المتحدة هو تجنب التدخل العسكري على نطاق واسع في الشرق الأوسط.

ويمكن للولايات المتحدة أن تترك إسرائيل والسعودية والإمارات يتصرفون في الأمر، بما أنه ليس لديهم خيار. ومع إن جميع الإدارات الجديدة تريد أن تترك بصماتها، إلا أن الشيء الجيد في هذه الإدارة أنها تتذكر مدى تدهور الأمر في ليبيا.

وعلى كل حال، فإن الخطوتين الأخيرتين لإدارة “بايدن” ليستا أفعالًا بعد، ومن الصعب معرفة إلى أين يمكن أن تؤديا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى