أقلام وأراء

جواد بولس يكتب –  كم نحن بحاجة إلى لم الشمل

 جواد بولس – 9/7/2021

أثار موقف أعضاء القائمة الموحدة، الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية، في الكنيست، يوم الثلاثاء الفائت، موجة جديدة من التهجم عليهم وانتقادهم بلغة شديدة، حتى ذهب بعض المعقبين نحو وصف تصويت النائبين منصور عباس ووليد طه، لصالح “قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية”، بالخيانة.

لقد شرّع الكنيست الإسرائيلي هذا القانون لأول مرة في سنة 2003، ووصفوه بخبث كقانون مؤقت جيء به، في حينه، لمواجهة “حالة أمنية طارئة” ولمدة عام واحد. ولأننا نعرف كيف تعاملت، وما زالت تتعامل حكومات إسرائيل مع حقوق المواطنين الفلسطينيين، لاسيما ما يتعلق منها بالقضايا السكانية، أحسسنا، من وقتها، بأن الذرائع التي استعملت لتسويغ الضرورة ولتسويق القانون، لم تكن سليمة ولا صادقة؛ فالأهداف من وراء تشريعه كانت كيدية وديموغرافية وتستهدف، في الواقع، حرمان الفلسطينيين، المواطنين داخل إسرائيل، والساكنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من ممارسة حقهم في الزواج من بعضهم بعضا، وبناء عائلات فلسطينية جديدة؛ ومن ثم ممارسة حقهم القانوني والإنساني، في لم شمل عائلاتهم كي تعيش في أماكن سكناها الدائمة، داخل حدود 1967.

وعلى الرغم من تحديد مدة سريان مفعول القانون، في الأصل، لعام واحد، إلا أن إبقاء إمكانية تجديده واردة، في حالة استمرار المعطيات والظروف التي استدعت إلى سنّه، حوّلته، في الممارسة، إلى قانون دائم، كما رأينا عبر السنين، وتصويت الكنيست على تمديده عاما بعد عام.

يعرف النائب منصور عباس ومعه زملاؤه في القائمة الموحدة، ومثلهم أيضا أعضاء مجلس شورى حركتهم الإسلامية، أننا بصدد قانون شيطاني جائر كان قد أوقع، خلال السنوات الماضية، آلاف الضحايا الفلسطينيين، الذين حرمهم حظره بلم الشمل، من العيش كعائلات طبيعية وبطمأنينة واستقرار وبسلام. ويكفي أن نقرأ ما كتبه عباس نفسه على صفحته، في وصف بشاعة هذا القانون حتى نفهم لماذا انتقدوه بغضب، ولماذا كانت خطوته مستهجنة، فهو الذي كتب على صفحته قبل يومين إنه: “يؤكّد بداية موقفنا المبدئي الرافض لهذا التشريع الظالم العنصري والمعتدي على حقوق أبناء شعبنا خاصة، وعلى حقوق الإنسان بشكل عام”، لكنه استطرد بعدها محاولًا تبرير تصويته والنائب وليد طه مع هذا القانون، وتبرير امتناع النائبين، مازن غنايم وسعيد الخرومي، عن التصويت معه أو ضدّه. لن أدخل في نقاشات مع مرافعات قياديي الحركة الإسلامية الجنوبية الدفاعية، ومحاولاتهم شرح وتبرير مواقف الحركة غير الملتبسة، في هذه الحالة وفي غيرها، بل الواضحة والمنسجمة مع نهجها منذ تأسيسها؛ لأنني على قناعة بأنهم لن يتراجعوا عن برامجهم المعلنة، خاصة إذا بقيت المعطيات السياسية الإسرائيلية الحالية على حالها؛ ولأنهم، هكذا افترض، يقدرون ويشعرون بأن اتباعهم لطريق السياسة النفعية/الذرائعية هو الخيار الأصوب، الذي سيزيدهم قوة داخل مجتمعاتنا العربية، التي تواجه حالة التباس واضحة، مواطنية وهويّاتيّة، كنت قد تطرقت إلى معالمها ومخاطرها في الماضي.

لا أعرف كم من المتابعين والمحللين السياسيين، تابعوا أو اهتموا بحيثيات خبر لقاء نواب القائمة الموحّدة مع طاقم رؤساء السلطات المحلية والبلديات العربية، الذي جرى في ضيافة الدكتور سمير محاميد، في مبنى بلدية أم الفحم، في السادس والعشرين من الشهر المنصرم؛ إذ نشر الدكتور منصور عباس على صفحته خبراً لافتاً حول اجتماع القائمة الموحدة مع رؤساء السلطات المحلية العرب، كان عنوانه، كما جاء في الخبر، “نحو تكامل العمل البرلماني والحكم المحلي العربي” وأهدافه “من أجل تعزيز التنسيق والتعاون والشراكة بين نواب القائمة العربية الموحّدة ورؤساء البلديات والمجالس العربية ولجنة الرؤساء، ومنتدى السلطات البدوية في الشمال”. وقد شارك في الاجتماع، علاوة على النائبين منصور عباس ومازن غنايم، رئيس المكتب السياسي للقائمة الموحدة، ورؤساء البلديات من المدن: أم الفحم وكفر قاسم ورهط وباقة الغربية؛ وكذلك شارك رؤساء السلطات المحلية عن مجالس البطوف والمزرعة وكفر برا والبير المكسور والمجلس الإقليمي القصوم، ورئيس منتدى السلطات المحلية العربية في الشمال، وشخصيات أخرى؛ حيث استعرض النائبان عباس وغنايم فرص وإمكانيات التعاون والتنسيق المشترك، على ضوء مشاركة القائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي، سواء في الاتفاق على بناء الخطط الخماسية الشاملة، التي رصد لها مبالغ كبيرة في الائتلاف الحكومي، أو في التعاون الثنائي المباشر بين النواب ورؤساء البلديات والمجالس العربية. وكل ذلك حسبما جاء في الخبر المذكور.

لا يمكننا غض النظر، وعدم الانتباه إلى هذه التطورات التي تدل على احتمالية تشكّل حالة اجتماعية سياسية جديدة داخل مجتمعاتنا، في ظل نشوء مفاهيم مشوهة حول المواطنة، وفصلها عن ضرورة اقترانها بهويتنا القومية. لقد أشرنا، مع بداية ظهور أولى علامات هذا التحوّل، إلى خطورته البارزة، خاصة بعد أن ضعفت مكانة الأحزاب والحركات السياسية العربية التقليدية غير الدينية، وبعد أن اهتزت صورة قياداتها بين المواطنين، وبرزت، في مقابلها، أنماط لقيادات استمد بعضها شرعياته بشعبوية متمردة ومتحدية، وبعضها باللجوء إلى خطاب غيبي محافظ تمويهي، ومؤثر، خاصة بين فئات المواطنين غير المسيّسة والبسيطة والفقيرة. سيفضل البعض عدم الالتفات إلى هذه التداعيات “الهامشية” ونسيانها، وسوف يتفّهها آخرون ويحيلونني إلى حتمية تفتّتها على صخرة أبناء مجتمعنا، الذين يمضون نحو نصرهم الحتمي، وهم “منتصبو القامات” وبإرادات من فولاذ؛ وقد يعوّل بعض الواقفين، على الضفة الاخرى، على نهاية هذه الحكومة القريبة، التي ستنتهي معها مغامرة الحركة الإسلامية السياسية العابرة؛ وحينها ستعود الحراكات السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي وبين الأحزاب الصهيونية إلى مساراتها العنصرية التقليدية الطبيعية، حين لن تجد الحركة الإسلامية أو شبيهاتها مكانا ولا حتى على مقاعد البدلاء، ولن تنعم بشرعية حتى لو كانت عرجاء أو عاقراً، كما أوهمتنا وتوهمت. ولكن على الرغم من جميع هذه الفرضيات أو القناعات أو التمنيات، فأنا، على نقيضها تماما، أومن بأن خطاب الحركة الإسلامية الجنوبية، كما يردده ويشرحه منصور عباس وسائر قادتها، قد ذاع بين المواطنين العاديين، وخلق لسائر الأحزاب والحركات السياسية تحديّات كبيرة، كما أنه وضع أمام مؤسسات المجتمع المدني مهام ثقيلة وصعبة. فالتزام الحركة بالعمل السياسي، في واقعنا المشوه، وفق منهج “النفعية المطلق”، من جهة واحدة، وتمسكها بالعمل من أجل بناء “مجتمع محافظ”، من جهة ثانية، سيفضي حتماً إلى فرضها وقائع تتماشى مع مبادئها، وتتعارض مع ما تؤمن به الأحزاب السياسية الضعيفة، والمؤسسات المدنية والحقوقية، التي تنشط من أجل الدفاع عن الحريات الأساسية، وعن قيم اجتماعية وسلوكيات غير “محافظة”، وفق قاموس حركات الإسلام السياسي.

أكتب ذلك وأعرف أن البعض سيدّعي أنني أبني فرضيتي من فراغ، أو أنني قد أهملت دور الحراكات الشعبية والشبابية، وتأثيرها المضاد للحركات الإسلامية، ولنهج الاندماج المنقوص والمجاني، الذي نلحظ تناميه داخل مجتمعاتنا، لكنني رغم اعترافي بأهمية هذه الحراكات، والتي سأعود إليها مستقبلًا، ما زلت أرى تعاظم دور الحركة الاسلامية وتأثير المفاعيل التي تعمل على نشر نظام الانتفاعات/ الامتيازات الإسرائيلي.

لا يستطيع أحد التكهن بما سيحصل في الأيام المقبلة، لكنني على قناعة بأن دور هذين العاملين لن ينحسر أو لن يحجّم، إلا إذا قامت داخل مجتمعاتنا قوى سياسية جديدة قادرة على لم شملنا، وعلى مواجهة المنزلق الخطر وكسب ثقة الجماهير العريضة وتأييدها. وللتنويه سأعود لما اختتم به الدكتور منصور عباس خبره عن ذلك الاجتماع، فقال: “واتفق الطرفان على الاستمرار في بلورة رؤية مشتركة لاحتياجات المجتمع العربي ووضع سلم أولويات للقضايا التي يجب التقدم في علاجها في الخطط الخماسية المقبلة، ليكون الموقف موحدا وقويا ومتماسكا أمام الوزارات والحكومة”.

هكذا إذن ! تداولوا وتحدثوا عن رؤى مشتركة في ظل مواطنة يرونها كاملة، ونحن نعتبرها، بحق، عرجاء منقوصة، خاصة إذا لاحظنا أن هويتنا الفلسطينية، التي كبرنا في ظلها، كانت غائبة عن أجندة النائب منصور وزملائه هناك.

*كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى