أقلام وأراء

جمال زقوت يكتب – مرة أخرى… بقاء الحال من المحال!‏

بقلم: جمال زقوت 14-12-2021

الأزمة الوطنية التي تتمظهر بأشكال مختلفة من التفكك، الذي بات يمسّ وحدة النسيج الاجتماعي؛ جوهرها غياب المشروع ‏الوطني الجامع، والإصرار على محاولات تغييب الديمقراطية والتعددية، واستمرار سياسة إقصاء كل من له رأي آخر، الأمر الذي ‏بدأ يفعل فعله في تغييب المؤسسة والبنية الوطنية الجامعة، التي سبق وجعلتها منظمة التحرير الفلسطينية الخيمة التي تضم ‏الجميع، بل والائتلاف الجبهوي العريض الذي تنضوي في إطاره كافة فئات وقوى الشعب الفلسطيني، بما في ذلك القيادات ‏الوطنية المستقلة عن الفصائل، لكنها في معظم الأحيان أكثر انتماءً لفلسطين من قادة الفصائل أنفسهم. كما أن مفهوم القيادة ‏والتمثيل تَكرَّس في الوعي الوطني العام، ليس فقط بالائتلاف الجبهوي العريض بصورة مجردة، بقدر ما تجسد بالدور الكفاحي ‏الذي لعبته مكونات هذا الائتلاف مجتمعة، وكل منها على حدة، في الدفاع عن المصالح اليومية والأساسية للناس، وفي مقدمتها ‏رفض ومقاومة الاحتلال.‏

ما يجري اليوم في فلسطين وفي تجمعات بلدان اللجوء والشتات، غير مسبوق، بما في ذلك مقارنة مع مرحلة شتات ما بعد النكبة، ‏التي سرعان ما رد عليها الفلسطينيون بمحاولات توحيد شتاتهم وتجمعاتهم لرفض النكبة ومقاومة تداعياتها. فما تواجهه الحالة ‏الفلسطينية من تفكك يصل حد الانهيار. نعم، إنه الانهيار بالمعنى الحقيقي للكلمة، فالانهيار الجاري بدأ فعليًا بتخلي القوى ‏المهيمنة على المشهد العام عن دورها المفترض أساسًا كقيادة تمثل الشعب بالدفاع عن مصالحه المباشرة والوطنية، وانجرافها في ‏استعصاء منزلقات الانقسام بهدف “الفوز” الفئوي في الصراع الداخلي على التمثيل، الذي يؤمّن لهذه الأطراف المنقسمة مصالحها ‏الشخصية والفئوية، وفي كثير من الأحيان على حساب المصالح الوطنية والعقد الاجتماعي الذي بات يتآكل. ذلك كله هو الذي ‏يفسر مظاهر الفلتان والعنف المجتمعي الناجم عن تغييب الشعور بالعدالة وتهميش السلطة القضائية، التي باتت “ديوانًا سلطويًا” ‏لتفصيل حاجات الحكم، وليس أداة العدل لمنع تغوّله على حقوق المواطنين.‏

المال والسلطة مقابل الأمن
ما سبق وكرسته “اسرائيل نتنياهو” في جذب وتوفير المال لحكم حماس لتكريس انقسامها، يتوسع اليوم، ‏ويتحول لاستراتيجية، للأسف باتت مقبولة من طرفي الانقسام، في معادلة المال مقابل الحفاظ على انقسام يتيح لطرفيه الهيمنة ‏على سلطة كل منهما لحماية الأمن الاسرائيلي.‏

الحريق الذي يمتد لطاقة الناس على الاحتمال، ويقوض يوميًا من قدرتهم على الصمود والبقاء في مواجهة المشروع الاستيطاني، ‏الذي لن يكتفي في النهاية سوى بتغييب الفلسطيني، وليس فقط حقوقه الوطنية. هذا الحريق يأتي بفعل هيمنة مفهوم السلطة لمجرد ‏حماية المصالح الفئوية للمهيمنين عليها، على حساب المصالح العامة والوطنية، التي تتذرر بفعل غياب الشعور العام بوجود أي ‏قيادة تمثل الناس وتدافع عن مصالحها. هذا الأمر تفسره وتؤكده نتائج “الانتخابات المحلية المجتزأة” في بعض بلدات وقرى ‏الضفة المحتلة، ورفض مجرد إجراء أي انتخابات في قطاع غزة.‏

الشعب الفلسطيني الذي اجترح المعجزات على مدار قرن من الصراع الدامي واليومي، في مواجهة مخططات ومؤامرات تصفية ‏حقوقه، لن يستسلم. ببساطة، لأنه يدرك تمامًا أن وجوده واستمرار حياته وبقائه في هذه البلاد هو المستهدف. ومن المستحيل أن ‏يقبل آجلًا أم عاجلًا ببقاء هذا الحال كما هو عليه. وهو يدرك من تجربته الغنية أن إمكانية النهوض الشعبي من كبوته منذ ‏انطلاق الثورة الفلسطينية، مرورًا بالجبهة الوطنية والانتفاضة الكبرى وغيرها من الانتفاضات على مدار عقود، كانت رافعته ‏الأساسية الوحدة الوطنية التي تحمي التعددية وتحتكم للديمقراطية، الأمر الذي يجري النكوص عنه راهنًا. ‏

لست متأكدًا اذا كان هناك متسعًا للرئيس عباس من المبادرة الفورية لمعالجة تداعيات الانهيار، وهي خطوات معلومة، جوهرها ‏وضع الجميع أمام مسؤولياتهم للعمل الجاد لاستعادة الوحدة والديمقراطية واحترام التعددية، التي تعيد للمواطن مكانته وحاجته ‏الماسّة للحكم الرشيد القادر على توفير مقومات الصمود، باعتبارها الأولوية المركزية لأي نظام سياسي جدي في المرحلة الراهنة. ‏ولكنني على ثقة بقدرة الشعب على بلورة جبهة إنقاذ وطني تعيد نضاله الطويل والمعقد لمساره الأساسي من أجل حرية الوطن ‏والعدالة والديمقراطية.‏

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى