أقلام وأراء

جمال زقوت: غزوة “مسيرة” الأعلام العنصرية ليست فقط صراعاً على القدس

جمال زقوت ٣١-٥-٢٠٢٢م

أن تحشد إسرائيل قواتها العسكرية والشرطية وميليشيا مستوطنيها الإرهابية، وتقرر منذ أيام خطة مسبقة ومنظمة تَنِزُ عنصرية ‏تفوقت فيها على الأبارتهايد البائد في جنوب أفريقيا، بهدف إنهاك أهل القدس وشبانها، وزرع وهم السيطرة على المدينة في ‏احتشاد تنافسي استعدت فيه إسرائيل المرتجفة من مستقبل عنصريتها بين نتانياهو الذي حضر مشهد العنصرية التلمودية، أم ‏بينيت الذي أعد جيداً لاستعراض العنصرية والكراهية ليهنئ نفسه بهذا الكم من الحقد على أهل القدس والفلسطينيين والعرب ‏والمسلمين ولا أظنهم استثنوا العرب المسيحيين.‏‎ ‎

سجل بينيت لحظة وهم “بانتصاره” العنصري عندما اقتحم الحي الإسلامي من باب العامود في البلدة القديمة التي أجبرتها ‏الترسانة الأمنية الإسرائيلية على إغلاق وتخريب محلاتها وإرهاب شبانها على مدار أيام سابقة، كي تضمن مسار “مسيرة” ما ‏يسمى بالأعلام، والتي هي في الواقع استمرار بشكل مختلف لحرب احتلال المدينة المقدسة التي بدأت منذ العام 1967، وظلت ‏مفتوحة حتى الأمس واليوم، وأظنها ستظل كذلك حتى يندحر الغزاة عن تاريخ تلك المدينة التي تحتفظ أزقتها وحجارة جدرانها ‏وخشب أبواب محلاتها وكل شبر على أرضها بتاريخ الحضارة الإنسانية وتعايش ثقافاتها وتسامح أديانها، وقد قبلت القدس تلك ‏المسؤولية التاريخية منذ العهدة العمرية حتى يومنا هذا.‏

صحيح أن مشهد غزوة باب العامود لم يتمكن فيها المقدسيون من منع آلاف الجنود الذين تجندوا لتأمين عنصرية “المسيرة”، كما ‏سبق وانتصرت في معركة البوابات الإلكترونية، أو موقعة حماية نعش شيرين ومسيرة تشييع صعود روحها لسماء القدس ‏الأقرب لأبواب السماء وغيرها من معارك الصمود المتواصلة في سلوان والشيخ جرّاح وكل بقعة في القدس المحتلة، ولكن؛ سجل ‏الشباب المقدسيون العزل يوم أمس الاول بطولات أظهرت الصراع على حقيقته فهو ليس مجرد صراع على ممر “سالك” نحو حائط ‏البراق، بقدر ما هو صراع استكمال التطهير العرقي الذي بدأته عصابات الإرهاب في حرب النكبة التي لم تتمكن أن تحسمها ‏إسرائيل، ولن تستطيع أن تحسمها في معركة البقاء المفتوحة وطويلة الأمد. فشواهد امس الاول قالت بلغة فلسطينية كنعانية صريحة ‏‏”نحن هنا.. واحنا وياكم والزمن طويل”. هذه الرسالة وصلت، وعلى المقدسيين أن يدركوا أنه في زمن الخنوع والعنتريات ‏الفارغة على حد سواء، فإن إعلاء صوت مثل هذه الرسالة الهادرة ليست بالأمر الهين، وإن لم ترتق لمنع تدنيس شوارع البلدة ‏القديمة التي امتلأت بشعارات الكراهية والحقد الدفين، وبثقافة العنصرية الفاشية التي لن يسلم منها المجتمع الإسرائيلي نفسه من ‏وقت ليس بعيد.‏‎ ‎

‎ ‎مشاهد موقعة باب العامود أسقطت شعارات الوهم التي قررت أن تعقد صفقات “استرضاء وعدم إغضاب العدو” في الصراع ‏على شرعيتهما التي للأسف وقفت في الجانب الرمادي لهذه الموقعة، والتي كما يبدو كانت واحدة من أسباب ركون المقدسيين ‏عليها “لردع” عنصرية الاحتلال. صحيح أن لا أحد كان يريد جر الصراع مجددًا إلى حرب يدفع ثمنها أهل غزة التي أنهكها ‏وأنهك أهلها القتل والدمار والحصار العنصري، كما أنهكها الانقسام الذي شكل ويشكل في كل موقعة ومعركة ذخيرة النظام ‏العنصري المتهاوي في تل أبيب، وليس فقط في موقعة باب العامود. تماماً كما الخنوع والذي هو الوجه الآخر للعنتريات و توقيت ‏برنامج الجزيرة “ماخفي أعظم”. فعلاً؛ فما جرى من تسريب صفقات العنتريين وخنوع المنسقين هو ال “ما خفي أعظم ” ومع ‏ذلك في المعارك الحقيقية تختفي رايات الاستعراض الانقسامية ويرفرف فقط علم السيادة الوطني عاليًا فوق كل أعلام الزيف ‏الاحتلالية.‏

ما تقدمه لنا موقعة باب العامود في التاسع والعشرين من آيار المقدسي الفلسطيني، أن طريق ردع عنصرية الاحتلال ومنع ‏‏”مسيرات” تزييف التاريخ الإعلامية يبدأ من استكمال النهوض الشعبي الشامل، واستعادة المقدسيين وعموم الفلسطينيين زمام ‏المبادرة لإسقاط الانقسام وحماية التعددية والتراث وثقافة الانفتاح والتآخي، فذلك كله يشكل المدخل الإجباري لإنهاء الاحتلال، ‏والاحتفال بيوم الفرح والحرية العظيم حيث صبايا البلاد وشبابها يدبكون في ساحات باب العامود وكل أبواب القدس على صوت ‏الميجنا موشحين بالعلم الوطني وبغار النصر.‏

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى