جمال زحالقة – سبع ملاحظات حول إسرائيل والحرب في أوكرانيا

جمال زحالقة ٣-٣-٢٠٢٢م
يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستدخل التاريخ كحدث مهم ومفصلي، يلقي ظلاله على العلاقات الدولية، وعلى قضايا الأمن والاستقرار في أرجاء المعمورة كافة، وليس في أوروبا وحدها. ليس من الواضح بعد حجم وهول الكوارث، التي ستخلّفها هذه الحرب، لكن من المؤكّد أنها نقطة تحول كبرى، تستدعي كل الدول إلى مراجعة حساباتها، وإلى إعادة النظر في سلّم أولوياتها.
 يفضي اعتماد المنطق السليم والموقف الأسلم والحل الأفضل، إلى معادلة الانسحاب مقابل الحياد، أي أن تنسحب روسيا بالكامل من الأراضي الأوكرانية بالكامل، وتحترم سيادتها، وفي المقابل تلتزم أوكرانيا الحياد التام، ولا تنضم لأي تحالف معاد لروسيا، وترفض المحاولات الأمريكية لاستغلالها، كما استغلت غيرها، كدمية في لعبة الكبار الدولية. قد تكون هذه هي النتيجة النهائية، لكنّها حاليا تبدو بعيدة المنال، وسوف تسكب الكثير من الدماء في الطريق إليها أو إلى أي تسوية.
 الدول تترقّب وتراقب تأثير ما يجري عليها وعلى سياساتها ومصالحها، ومنها إسرائيل، التي وجدت نفسها بين مطرقة روسية وسندان أمريكي من جهة، وفتحت الحرب عليها أبوابا جديدة قد تستفيد منها. من المبكّر تلخيص تأثير المواجهة العسكرية في أوكرانيا في الدولة العبرية، لكن من المؤكّد أن هذا التأثير وازن وبدأت ملامحه تطفو على السطح، حاملة دلائل على أنّ التغييرات الكبرى، الجارية هذه الأيام في الساحة الدولية، ستكون لها انعكاسات في مجالات عديدة من الحالة الإسرائيلية.
إسرائيل وجدت نفسها بين مطرقة روسية من جهة، وسندان أمريكي من جهة، وفتحت الحرب عليها أبوابا جديدة قد تستفيد منها
مصير مفاوضات فيينا
لو لم تندلع الحرب، لكان من شبه المؤكّد أن يجري التوقيع على إعادة أحياء الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1، خاصة أنه جرى تذليل العقبات الخلافية الكبرى، ولم يبق سوى بعض النقاط الهامشية، التي كان من المفترض الاتفاق عليها، بعد أن تقوم الوفود المشاركة في مفاوضات فيينا بمراجعة حكوماتها. لقد وضعت الحرب بعض علامات الاستفهام حول الاتفاق، لأن الدول المعنية متورّطة بشكل مباشر أو غير مباشر في المواجهة العسكرية وفرض العقوبات، وليس لديها الوقت حاليا حتى لمراجعة حساباتها. يبدو أن مصير المفاوضات قد تأجّل حاليا، وإسرائيل التي تعتبره حاسما بالنسبة لها، تجد نفسها مضطرّة إلى تأجيل القرار في بعض القضايا الاستراتيجية والأمنية والسياسية، المرتبطة بما ستفضي إليه مباحثات النووي الإيراني في فيينا. في كل الأحوال نجد أن الحرب تمنح الاتفاق أو عدم الاتفاق معاني وأبعادا جديدة في ظل استعار المواجهة بين روسيا والغرب.
 ـ العلاقة مع روسيا في سوريا
 تخشى إسرائيل أن تؤدّي الحرب إلى تغيير في علاقتها المباشرة بروسيا في مجال ما تسميه «حرية العمل» في المجال الجوي السوري، حيث تسمح روسيا للطيران الإسرائيلي بالقيام بقصف منشآت ومواقع إيرانية في سوريا. ويتم تنسيق الغارات الإسرائيلية باتصال مباشر بين خندق تحت الأرض في موقع القيادة العسكرية الإسرائيلية في «الكرياه» في تل أبيب، ومقر القيادة الروسية في قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية. وتخشى إسرائيل أن تتغير السياسة الروسية، إمّا أوّلًا بسبب غضب على الموقف الإسرائيلي من الحرب وما حولها، حيث وجّهت روسيا رسائل تحذير واضحة بتصريحات متتالية، بأنها لا تعترف بضم الجولان، وبطلعات مشتركة مع سلاح الجو السوري على طول حدود الجولان، وأكدت وزارة الدفاع الروسية، هذا الأسبوع، أن هذه الطلعات سوف تستمر وستكون منتظمة. وقد تتغير أيضا السياسة الروسية لاعتبارات استراتيجية لها علاقة بالصدام مع الأمريكيين، فقد صرّح القائد العسكري الجديد للمنطقة الوسطى «سنتكوم» في شهادته أمام الكونغرس بأن «روسيا قد تلجأ إلى إثارة المشاكل (بعد الحرب في أوكرانيا) من خلال وجودها في سوريا».
السلاح النووي
ذهب كل المحللين في إسرائيل، هذا الأسبوع، إلى أن مشكلة أوكرانيا أنّها تنازلت عن سلاحها النووي، ولو أنه بقي في حوزتها لما تجرّأت روسيا على غزوها. وحمد الإسرائيليون ربّهم على أن عندهم سلاحا نوويا يحميهم من الدمار الشامل، لكنّهم سرعان ما انتبهوا إلى أنهم ليسوا وحدهم من يقرأ الأحداث، وأن إيران، وبعد أن رأت ما يحدث في أوكرانيا، لن تتنازل في أي حال عن الحصول على سلاح نووي، سواء كان هناك اتفاق في فيينا أم لم يكن. باختصار ترى إسرائيل أنّ من إسقاطات الحرب هو تحفيز دول المنطقة (بالأخص مصر والسعودية وتركيا) على الحصول على سلاح نووي لحماية نفسها وللدفاع عن مصالحها الحيوية، وهذا سيؤدّي إلى تغيير جيو استراتيجي بعيد المدى.
 ـ الصهيونية ضد اليهود
 اعتبرت إسرائيل الحرب فرصة سانحة للقيام بحملة تشجيع يهود أوكرانيا للهجرة إلى «صهيون» باعتبارها كما تدّعي «الوطن الأم» لكل يهودي أينما كان. ولم تكترث ماكينة الدعاية الإسرائيلية بأن الرئيس الأوكراني ووزير دفاعه هما يهوديان، وشرعت بالعمل على إقناع كل من له «حق» المواطنة في إسرائيل طبقا لقانون العودة، بالهجرة إلى إسرائيل وليس مجرد الخروج من منطقة الخطر والعودة إلى أوكرانيا بعد أن تضع الحرب أوزارها. وتعبير «صاحب حق المواطنة وفق قانون العودة» أوسع بكثير من مفهوم مَن هو يهودي، لأنّه يشمل من هم ليسوا يهودا شرط أن يكون الوالد أو الجد أو الجدّة يهودا، ويبلغ عدد هؤلاء وفق تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد حوالي 180 ألفا. الصهيونية واللاسامية هما وجهان لعملة واحدة، وهي أن لا مكان لليهود حيث يعيشون، وعليهم أن يتركوا بلادهم. الرسالة الصهيونية هي أن وجود اليهود في أوكرانيا (مثلا) ليس طبيعيا، فهي ليست بلدهم ووطنهم، وعيشهم فيها مؤقّت، وعليهم في أقرب فرصة أن يهاجروا إلى إسرائيل، ولا يوجد «لاسامي» لا يوافق على هذا الكلام. الصهيونية ليست معادية للاسامية كما تدعي، بل هي صورتها في المرآة وفي الواقع أيضا. الفرق بينهما أن اللاسامية لا يهمّها إلى أين يهاجر اليهود، أمّا الصهيونية فتريدهم أن يهاجروا إلى فلسطين ليكون شركاء في المشروع الكولونيالي الاستيطاني التوسّعي، على حساب أهل البلاد الأصليين، وبهذا هي أسوأ من اللاسامية.
 
 


