جمال زحالقة: إسرائيل تسعى لمكاسب من القرار 2803

جمال زحالقة 20-11-2025: إسرائيل تسعى لمكاسب من القرار 2803
أصدر مجلس الأمن ليلة الإثنين/الثلاثاء هذا الأسبوع، القرار 2803، وتبنّى فيه خطة ترامب المعروفة بخطة الـ20 نقطة، وينص القرار على إقامة “مجلس سلام” يكون رسميا وعمليا السلطة السيادية العليا في غزة، وعلى إنشاء “قوة استقرار دولية مؤقّتة لها صلاحيات واسعة، منها “تأمين المناطق الحدودية؛ واستقرار البيئة الأمنية في غزة، عبر ضمان نزع السلاح؛ وحماية المدنيين؛ والعمل الإنساني؛ وتدريب قوات الشرطة؛ وتأمين ممرات إنسانية”، وفوق هذا كلّه يمكنها “الاضطلاع بما يلزم من مهام إضافية”. وربط القرار بين الانسحاب الإسرائيلي بنزع سلاح حماس، وبما سمّاه “تأمين غزة على نحوٍ كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد”. وشمل كذلك بنودا خاصة بإقامة إدارة حكم انتقالية “تكنوقراطية غير سياسية من الكفاءات من سكان القطاع” وجاء في القرار أيضا إنشاء “قوة شرطة فلسطينية جديدة مُدرَّبة ومُدقَّق في أفرادها”.
كان هذا القرار مهما جدا بالنسبة لإدارة ترامب، لأنّه منح “خطة ترامب للسلام” سند الشرعية الدولية، ويستوفي الحد الأدنى من الشروط التي وضعتها الدول التي تريد الولايات المتحدة التعاون معها في المرحلة المقبلة في غزة، سواء لناحية المشاركة في قوة الاستقرار ومجلس السلام، أو لأغراض التمويل والاستثمار وإعادة إعمار غزة. لقد منح مجلس الأمن دعما لمخططات الإدارة الأمريكية من دون أن يفرض عليها قيودا مكبّلة، وهي احتفظت لنفسها بحق تفسير القرار وبمكانة المرجعية العليا مع الاكتفاء بتقديم تقرير دوري لمجلس الأمن.
تُنسب إلى كارل ماركس مقولة “التاريخ يعيد نفسه، المرة الأولى كمأساة والثانية كمهزلة”، ونحن بصدد الإعادة المأساوية الأولى. ففي عام 1917 صدر وعد بلفور المشؤوم الذي أقرّته حكومة لويد جورج البريطانية، ولحقه صك الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم عام 1922، استنادا إلى نص أعدته الحركة الصهيونية وقدمته بريطانيا رسميا. فقفز الوعد من مكانة موقف دولة إلى منزلة الشرعية الدولية، وإلى يومنا هذا تحاجج إسرائيل بأن مشروع إقامتها انطلق من شرعية عصبة الأمم وإقامتها فعلا استندت إلى شرعية الأمم المتحدة. وهكذا نرى بأم أعيننا كيف تحوّلت “خطة ترامب” إلى قرار للأمم المتحدة له مكانة قانونية ملزمة. ومثلما استخدمت الإمبراطورية البريطانية عصبة الأمم، أداة لتحقيق غاياتها، فإنّ الإمبراطورية الأمريكية تتعامل بالمثل مع الأمم المتحدة، فهي لا تخضع لها بل تُخضعها في خدمة مآربها ومخططاتها. لم يتطرّق قرار الأمم المتحدة، مباشرة أو تلميحا، إلى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. وصدور نص أممي بهذا السياق وبهذه الأهمية يتجاهل حرب الإبادة والتدمير الشامل، هو مكسب إسرائيلي من الوزن الثقيل. فالقراءة الأصح للنص هي ليست في ما يحتويه فحسب، بل أحيانا وبدرجة أهم، فيما غاب عنه. كما أن التركيز المفرط على نزع سلاح حماس، يحمل في طياته محاولة لحصر المسؤولية في ساحة حماس ولتبرئة إسرائيل من تهم القتل المتواصل الذي وصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، كما ينص عليها القانون الدولي. وما من شك أن ماكينة الدعاية وصناعة الرواية في إسرائيل سوف تستغل نص القرار حتى النهاية لمنح شرعية دولية لما فعلت وتفعل وستفعل.
مكاسب إسرائيلية
استنادا إلى تراث صناعة الادعاءات الإسرائيلية، ذات السجل الحافل في الكذب والتضليل والخداع، فإن هذه الصناعة ستجد في القرار 2803 كنزا ثمينا لأنّه:
أولا، لم يذكر كلمة احتلال ولا كلمة استيطان، وكل قرار أممي في الشأن الفلسطيني لا يذكرهما هو مكسب صاف للاحتلال.
ثانيا، يمنح دفعة قوية لاستراتيجية إدارة الصراع، فهو ينطلق من فكرة أننا بصدد “أزمة تحتاج إلى إدارة” وليس “قضية بحاجة إلى حل”، والحديث عن أي حل محمّل بشروط تعجيزية متكاثرة بلا حدود.
ثالثا، القرار يمنح إسرائيل شرعية كاملة لإبقاء الاحتلال المباشر على المنطقة الشرقية للقطاع الواقعة خلف الخط الأصفر. وربما يستمر هذا الوضع سنين طويلة إلى حين “نزع السلاح”، ما قد يتحول إلى تقسيم غزة إلى غربية وشرقية بحكم الأمر الواقع.
رابعا، لقد بدأت إسرائيل بالترويج لفكرة أن لها شرعية استعمال القوة لنزع سلاح حماس، إذا لم يتم تطبيق ما جاء في القرار 2803 بهذا الشأن. وهي تقول عمليا إن موافقتها على “خطة السلام” تمنحها شرعية شن الحرب، إن فشلت الخطة.
خامسا، حتى لو جرى نزع سلاح حماس، فإن القرار يتيح لإسرائيل البقاء في المحيط الأمني الحدودي، الذي “سيظل قائماً إلى حين تأمين غزة على نحوٍ كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد”. ومن شبه المستحيل أن تقر إسرائيل باستيفاء هذا الشرط، وهناك إجماع للنخب الإسرائيلية، المعارضة والموالية، على التمسّك بشريط بعمق حوالي 1-1.5 كم على طول الحدود.
سادسا، كثرت الانتقادات الإسرائيلية على أن القرار يشمل تعبير “دولة فلسطينية”. لكنه في الحقيقة جاء بصياغة مشروطة بالإصلاحات في السلطة، وبلغة “قد” الاحتمالية وبعدها فقط يأتي الحديث عن “مسار” إلى دولة، وطول هذا المسار غير محدد، ما يجعل الدولة بعيدة ومستبعدة المنال، إذا بقي السعي إليها محبوسا في خطة ترامب ومحكوما في شروط 2803.
سابعا، إسرائيل فازت بتراجع كبير في تخفيف الالتزام الدولي بدولة فلسطينية، فهذا أضعف قرار لمجلس الأمن بهذا الشأن، والقرارات السابقة كانت بصياغة أقوى بكثير وبتعابير أقرب إلى الإلزام منها إلى لغة الاحتمالات. ومن هذه القرارات: 1397 (2002) ونص على حل “دولتين تعيشان جنبا إلى جنب” 1515 (2003) واستند إلى خريطة الطريق كما اعتمدتها الرباعية 1850 (2008) في ضوء مؤتمر أنابوليس 2334 (2008) الذي شمل دعوة مباشرة لإقامة دولة فلسطينية. هناك من اعتبر قرار مجلس الأمن الأخير تقدما قياسا بمواقف إدارة ترامب الحالية، لكن هذه الإدارة ستتغير، ويبقى أن القرار 2083 هو تراجع خطير على محور قرارات مجلس الأمن، بشأن حق تقرير المصير والدولة المستقلة. قبله كانت الصيغة “هذا هو الحل” وفيه جاء “قد يكون هذا هو الحل”.
صعوبة فلسطينية
لقد صوت إلى جانب القرار (وأسماء الدول مهمة هنا) 13 دولة هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والجزائر والدنمارك واليونان وباكستان وبنما وكوريا الجنوبية وسلوفينيا والصومال وغيانا وسيراليون، وامتنعت روسيا والصين. ولم تعارضه دول أخرى ليست عضوا في مجلس الأمن. هذا يعني أن من يريد مواجهته لن يجد من يسانده. وحين تعلن حركة حماس معارضتها للمشروع، فليس واضحا إذا كانت سوف تستمر في المعارضة، أم أنها “معارضة تكتيكية” لإجبار الولايات المتحدة على التفاوض معها في سبيل التوصل إلى بعض الحلول الوسط. ويبدو أن الإدارة الأمريكية قرأتها كمعارضة تكتيكية، وأرسلت مبعوثها ستيف ويتكوف للقاء خليل الحية ممثل قيادة حماس. خطة ترامب وقرار مجلس الأمن هما سيّان، ومع ذلك وافقت حماس في حينه على خطة ترامب، وهي اليوم تعارض قرار مجلس الأمن. ولعل السبب في السياق، في الحالة الأولى وافقت حماس في سبيل إنهاء الحرب ووقف نزيف الدم، واليوم تعارض لأنها تريد إدخال تعديلات إلى الخطة بالتفاوض المباشر مع الإدارة الأمريكية.
لكن القضية المطروحة لا تخص حماس وحدها، بل هي قضية الكل الفلسطيني. وهنا لا بد من التأكيد مجددا أن القضية الفلسطينية ستضيع إن لم تتحقق الوحدة الفلسطينية، فبقاء الانقسام اليوم خطير لا أقل من بقاء الاحتلال أو استحداث الوصاية على غزة. المطلوب تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وتعيين وفد فلسطيني مفاوض واحد وموحّد، وأن يكون لشعب فلسطين عنوان سياسي يحظى بالشرعية الشعبية الشاملة، ولا يمكن الالتفاف عليه. الوقت ضيّق والحاجة ملحة ومصيرية: وحدة فلسطينية فورا.
رئيس لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل.



