ترجمات عبرية

جاكي خوجي يكتب – السنوار ينتظر بيبي

معاريف – بقلم  جاكي خوجي  – 15/2/2019

جاءت اقوال ابو مازن بضبط كبير للنفس، وان كانت أخفت شهية مشتعلة. امام قاعة مليئة بالاسرائيليين والفلسطينيين في المقاطعة في رام الله، اعرب رئيس السلطة عن امله في ان تأتي الانتخابات في اسرائيل بحكومة تمد يدها للسلام. لم يذكر اسماء، ولكن لا حاجة للمرء أن يعرف السلطة عميقا كي يعرف بان ابو مازن يحلم بتحول. فقد كانت ايام نتنياهو بالنسبة له مصيبة، حيث رفض رئيس وزراء اسرائيل التقدم في المسيرة السلمية، كثف الاستيطان وتعاون مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب على تجنيد ميزانيات الدعم المختلفة للفلسطينيين.

في اجتماع نشطاء السلام اياه، الذي وقع في يوم الاربعاء الماضي، بدأت السلطة حملتها الانتخابية للكنيست التالية. فهم على وعي بقيود التأثير التي لديهم على الناخب الاسرائيلي. ولهذا فان حملتهم ستكون حذرة. هنا وهناك ستسمعونهم يطلقون صوتا ويذكرون بان خيار السلام لا يزال مفتوحا. هكذا فعل ابو  مازن في ذاك الاجتماع حين قال انه يريد أن يلتقي الجيل الشاب من الاسرائيليين. ولكن لو كان الامر بيده واضح اي بطاقة كان الرئيس سينزلها الى صندوق الاقتراع. كان سيصوت “كله الا بيبي”.

مفاوضات وثيقة

حتى الان لدى السلطة. فماذا يقول مقياس النبض في غزة؟ من يريد يحيى السنوار واسماعيل هنية ان يرياه في رئاسة الوزراء؟ بخلاف التصريحات التي ستسمعونها عنهما في الاسابيع القريبة القادمة، في أن كل حكومة ستأتي هي عنصرية وعدوانية وبالتالي فمن ناحيتهم كل اليهود هم الامر ذاته، فان السنوار ورجاله يتابعون ما يجري هنا على اساس يومي تقريبا. السنوار نفسه خبير بالعبرية ويبلور الكثير من مفاهيمه عما يجري هنا من المشاهدة المباشرة للبث التلفزيوني والاذاعي في اسرائيل.

وهو ليس الوحيد. ففي اوساط قادة حماس في الدوحة، ولدى رفاقهم في اسطنبول هناك متحدثون بالعبرية يتابعون الساحة الاسرائيلية بثبات. ولا يدور الحديث عن مستمعين صغار بل  عن الاكبر. كل واحد منهم خبير بالسياسة الاسرائيلية ويحوز باراء معللة تحققت بعد متابعة تعود لسنين للشخصيات البارزة في القدس.

اما نتنياهو فهم يعرفونه ليس فقط من الاعلام الاسرائيلي. فقد خاضوا معه ومع رجاله مفاوضات وثيقة في السنة الاخيرة لتسوية تهدئة على طول الجدار. مبعوثون كثيرون ومختلفون نقلوا رسائل من غزة الى القدس وتل ابيب بكثافة لم يسبق لها مثيل. بل واحيانا في ذات اليوم. السنوار يعرف نتنياهو إذن، كمفاوض ايضا، وليس فقط كخطيب ميادين. فقط هو، وحفنة اخرى من الكبار والوسطاء، تلقوا الرسائل الكثيرة من القدس. هذه معلومات حميمة، في معظمها عنيدة ومتشائمة، ولكن بوسعها أن تدل على من يقف امامهم في الطرف الاخر.

فهل السنوار يفضل، يفهم الامكانيات الحقيقية، استمرار وجود الحكومة الحالية؟ الرأي يقول ان نعم. ليس لان رئيس وزراء اسرائيل رقيق ويراعي حماس، مثلما يدعي ضده المتذمرين منه في اليمين، بل لانه قطع شوطا طويلا وعمليا منذ خرب غزة في 2014. ففي الصيف الماضي توصلت حماس واسرائيل الى تسوية وقف للنار. اسرائيل التزمت بتعهداتها، باستثناء عدة مرات سعت فيها لان تستعرض العضلات. وبعد أن هدد الاتفاق بالانهيار، وجد الطرفان معا حقائب الدولارات. بعدها تغيرت الالية، والدولارات القطرية نقلت الى غزة بواسطة الامم المتحدة. كل الوقت نزف الدم في غزة. والطرفان سكبا الواحد على الاخر الكثير من النار والرصاص. ولكن في حماس لاحظوا ان حكومة اسرائيل تحرص على مواصلة الحديث، لا تفجر المحادثات وهي بعيدة عن التراجع. وفي الميدان سعى الطرفان الى الاشتباك، وفي القنوات الدبلوماسية بحثا بعناد عن مخرج.

في تجربة قيادة حماس في صيف 2018  شقت الفتحة الاولى والاكثر اهمية في رفع الحصار. فتحة ضيقة، اشبه بالشق، ولكن اساسها في الفكر، واخرها فقط في الميدان. فالفكر في اسرائيل، الذي وجد تعبيره المرة تلو الاخرى في النوافذ العليا بان الحصار لن يبقى الى الابد.

في غزة لا يتشوشون. نتنياهو ليس  عزيز حماس. هو عدو. في فترة ولايته نغص الجيش الاسرائيلي حياتهم. وهم ايضا نكلوا به. ولكن رغم كل ذلك، في السنة الماضية، في الاتصالات الخفية مع حماس، اثبتت ا سرائيل تحكما، عنادا ورغبة في عقد الاتفاقات.

يعرف السنوار بان هذه ليست متعة، ولكن مع نتنياهو يمكن عقد الصفقات.  بين الطرفين نشأت منظومة علاقات لم تكن قائمة قبل ذلك. غير مباشرة، عنيفة ولكنها موجودة وقائمة. كما أن الوسطاء المصريين تعلموا أنه رغم صورة نتنياهو كمتطرف، كرجل يمين، كرافض للسلام – امنيا، يوجد مع من يمكن الحديث.

قلة لاحظوا بانه على مدى هذه السنة بدأت حكومة اسرائيل تتحدث بثبات عن الحاجة الى حل المشكلة الانسانية في غزة. حصل هذا، ليس صدفة، بعد اندلاع اضطرابات الجدار في  اذار 2018. بعد سنوات من ترويج الجيش لاعمال القطاع بدأ رئيس الوزراء ومقربوه ايضا الحديث عن المصلحة الاسرائيلية في الحل. غزة اليوم في وضع يائس. ولكنه اكثر تفاؤلا بقليل عن ذاك الذي ساد هناك قبل سنة. والقدس على وعي اكبر من اي وقت مضى بالوضع المهزوز وترى بعين العطف اعمار القطاع، وان كانت لا تزال لا تحرك اي مسيرة ذات مغزى.

ينبغي أن تضاف الى هذا اعمال الشغب على الجدار، التي تبنت كوسيلة ضغط ناجعة. فالمال القطري الذي يضخ بموافقة اسرائيل، وابو مازن، الذي تبين كالرجل الشرير. كل هذه سياقات في صالح حماس. للعنف على الجدار، كوسيلة قتالية، توجد قيود من ناحيتهم، ولكن فضائله كثيرة. فهو يزعج اسرائيل، ولكنه يحرمها من المبرر لحملة عسكرية جدية. بفضله يعرف كل طفل في الغرب مشكلة القطاع، وفي الخطاب السياسي في اسرائيل، غزة هي مسألة ساخنة. كل هذا حصل في غضون اقل من سنة، بينما في القدس يجلس نتنياهو.

اخطاء مبتدئين

وماذا بالنسبة لبني غانتس ويئير لبيد؟ كلاهما يعرفونهما في غزة، وكذا يتذكرون افعالا وتصريحات لهما، معظمنا نسيناها. فغانتس يعرفونه كرئيس اركان معركة الجرف الصامد. وبصفته هذه فانهم يتذكرونه بالسوء. ومؤخرا تباهى بمسؤوليته عن احدى مصائبهم. تصفية احمد الجعبري، نائب محمد ضيف. ولكن هذه في نظرهم مشكلته الصغيرة. نقيصته الاساسية من ناحيتهم هي أنه سيكون مكنسة جديدة. واحد لا يمكن للمرء أن يعرف كيف سيتصرف. فقد يبادر الى حملة لاعمار غزة، ولكن يمكن أن يفعل العكس بالضبط: سيرغب في أن يري قدرته على القيادة. ويده ستكون رشيقة على الزناد؛ وربما ايضا يرتكب اخطاء مبتدئين. في تجربة زعماء حماس، فان الاخطاء الامنية ترتكب على ظهرهم، حتى وان كان مواطنو اسرائيل سيعانون منها.

مع لبيد الامر اخطر بالنسبة لهم. وستنطبق عليه نواقص رئيس وزراء في بداية طريقه، ولكن ينبغي ان يضاف الى هذا ميله المعلن يمينا. فعندما كان وزيرا للمالية، دعا الى اعادة السلطة الفلسطينية الى القطاع. وفي السنة الاخيرة روج لاستئناف الاغتيالات لقاد حماس. من ناحيتهم لبيد سيكون رئيس وزراء جديد، مناهض للفلسطينيين، مع الحاجة لاستعراض العضلات. وصفة للمشاكل.

باختصار لو كان الامر بيد السنوار، فمن شبه اليقين انه بعد الترددات وبعد استبعاد الاخرين، كان سينزل بطاقة الليكود في صندوق الاقتراع. ان هؤلاء الفلسطينيين، حتى في صندوق الاقتراع غير قادرين على أن يتحدوا.

*     *    *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى